فى فيلم (الحرام)، روى لى حسن مصطفى أنه فى لقطة جمعت بين فاتن حمامة وزكى رستم، طلبت فاتن إعادتها أكثر من عشر مرات، وفى كل مرة يستجيب المخرج هنرى بركات، بينما اكتسى وجه زكى رستم بعلامات الغضب، ثم انفجر فى وجه فاتن قائلاً: (ح تعيديه مائة مرة مفيش فايدة). إنه ما يطلقون عليه (سرقة الكاميرا)، ومضة كامنة داخل عدد نادر من الممثلين وتقف عبلة كامل شامخة بينهم، على قمة هذا الجيل. لا تتعمد سرقة الكاميرا، العكس هو الصحيح، الكاميرا تسرقها، تابعها فى أى مشهد ستلحظ أن عينيها وأصابع يديها ووجنتيها، بل وكرات الدم فى شرايينها تسبقها فى تقمص الدور. أتذكر فى مهرجان (أسوان) أثناء تكريم منة شلبى عندما سألوها عن مثلها الأعلى؟ قالت: (عبلة كامل) وأضافت: (أتمنى أن أصل إلى نصف حالة الطبيعية التى تؤدى بها أدوارها). فطرية الأداء تساوى عبلة كامل، فمنحوا تلك الصفة عزيزة المنال لكل من يصدقونه على الشاشة، صارت هى (الترمومتر) بين الفنانات، مثلما أحمد زكى هو (الترمومتر) بين الفنانين. كان بيننا مساحة فى الماضى تسمح بحوار بعيدًا عن النشر، أتذكر أننى قبل نحو30 عامًا، أقمت ندوة لمسلسل (لن أعيش فى جلباب أبى) بنادى نقابة الصحفيين بالجيزة، وكانت عبلة قد قررت قطع كل أدوات التواصل، طلبت منها الحضور، مع نور الشريف وكاتب السيناريو مصطفى محرم والمخرج أحمد توفيق، وباقى فريق العمل، قالت لى: (أخجل من الرد على الأسئلة، أخجل حتى من الصعود إلى المنصة)، واتفقنا أنها فقط ستجلس بجوارى، وسوف نتولى نور الشريف وأنا الإجابة بلسانها، عندما يصل لى سؤال عن طبيعة أدائها للدور أوجه السؤال لنور لينطق باسمها، وعندما يسألها أحد الصحفيين عن وضع المرأة فى البطولة السينمائية، أجاوب أنا بالنيابة عنها، وأتابع على وجهها رضاءها عما أقوله. عبلة تستطيع أداء كل الشخصيات، بدون محاذير، مثلا مع داود عبدالسيد لعبت فى (سارق الفرح) دور (بائعة الهوى)، وهى أيضًا (خالتى فرنسا) إخراج على رجب، المرأة التى تأخذ حقها بالصوت العالى فصدقناها فى الحالتين. تملك مواصفات نجمة الشباك، لديها فيض من الثراء الفنى، وهو ما دفع مخرجين بحجم يوسف شاهين ورأفت الميهى ويسرى نصر الله وخيرى بشارة وغيرهم للدفع بها فى كل الأدوار، مهما كانت المساحة المتاحة أمامها، ستكتشف أنها البطلة. هل غادرت الحلبة؟ سوف تستمع إلى آراء تنفى وأخرى تؤكد، فهى تعيش بيننا، ولكن لها عالمها الخاص، لا يدخل إليه ولو من تحت عقب الباب، كل ما يتصل بالإعلام. ستظل تشغل فى قاموس فن الأداء الدرامى فصلاً كاملاً يستحق منا بين الحين والآخر أن نعيد تحليله وتوثيقه. دخلت التاريخ بأعمالها الدرامية إلا أنها بين الحين والآخر تقتحم الجغرافيا، وتكتشف أنها لا تزال تطل علينا عبر كل الوسائط الاجتماعية، التى تستعيد أعمالها، بينما أعتقد أن عبلة ليس لديها شغف برؤية عبلة، فهى تعيش بيينا ولكن بقانونها الخاص!