فى ظل الأزمات الإنسانية الكبيرة التى يشهدها قطاع غزة، يلعب الهلال الأحمر المصرى دورًا مهمًا وحيويًا فى هذه الأزمة ويعد آلية التنسيق الوطنية للمساعدات الإنسانية، وخلال زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لمركز الخدمات اللوجيستية للهلال الأحمر المصرى برفقة الرئيس عبدالفتاح السيسي، كان هناك إشادة دولية واضحة بجهود مصر الإنسانية والتنظيم المُحكم لهذه العمليات. وللتعرف عن قرب على آليات العمل، والتقنيات الحديثة التى يعتمدها الهلال الأحمر فى استقبال وفرز وتوصيل المساعدات إلى مستحقيها فى غزة، كان ل«روزاليوسف» هذا الحوار الخاص مع د. آمال إمام، المدير التنفيذى للهلال الأحمر المصرى، التى ألقت الضوء على كواليس العمل الإنسانى، ونظام التكويد والتتبع، وآلية التعاون المحلى والدولى فى هذه المرحلة الدقيقة. وفيمايلى نص الحوار: فى البداية ما هى أبرز أشكال الدعم التى يقدمها الهلال الأحمر المصرى لقطاع غزة؟ الهلال الأحمر المصرى يدعم قطاع غزة ليس فقط فى الأزمة الحالية التى بدأت فى أكتوبر 2023 ولكن الهلال الأحمر المصرى على مدار تاريخه له مواقف إنسانية فى الدعم، والمطالع لتاريخ الهلال الأحمر المصرى والقضية الفلسطينية يجد أن لدينا أشكالًا كثيرة من الدعم منذ 1948 وحتى الآن وتحديدًا فى التوقيت الأخير لدينا 2008 و2015 و2021 وهذه الفترة عاصرناها بأنفسنا ورأينا تعاون الهلال الأحمر المصرى مع الهلال الأحمر الفلسطينى فى إدخال المساعدات وتقديم الدعم للشعب الفلسطينى الذى يعانى فى هذه القضية، لكن منذ أكتوبر 2023 وحتى اليوم فأشكال الدعم تتمحور حول تقديم المساعدات الإنسانية، والهلال الأحمر المصرى تم تفويضه من قبل الدولة المصرية ليكون الآلية الوطنية لتنسيق المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، أى يكون هو الجهة التى تقوم بالتنسيق مع الجهات المحلية والدولية سواء الأممية أو المنظمات غير الحكومية الدولية الشريكة لاستقبال المساعدات وفحصها والتأكد من مطابقتها للمقاييس والمعايير المختلفة، ومن ثم يتم من خلال الهلال الأحمر المصرى تسيير هذه المساعدات حتى تسليمها داخل قطاع غزة، فمنذ أكتوبر وحتى الآن تم تسيير أكثر من نصف مليون طن من المساعدات الغذائية والدوائية والإغاثية بعدد يفوق 35 ألف شاحنة تحمل مساعدات إنسانية من مصر ومن دول العالم وبالطبع مصر شاركت بأكبر حصة مقارنة بأى حصة تم تقديمها من أى دولة أخرى فى العالم. أول مخيم منظم فى خان يونس واستطردت قائلة لم يتوقف الهلال الأحمر المصرى عند هذا الحد، ولكن كان له مبادرات مشتركة داخل قطاع غزة مع الهلال الأحمر الفلسطينى فعلى سبيل المثال تم إدخال المستشفى الميدانى المصرى الكويتى الفلسطينى مستشفى متكاملة وعملت بشكل كامل بداية من مايو 2024 ويحتوى المستشفى على تخصصات مختلفة وغرفة عمليات وحضانات أطفال وغيرها والتى تسمح للهلال الأحمر الفلسطينى باستقبال المصابين وتقديم الدعم اللازم لهم فى ظل انهيار القطاع الصحى، وأيضًا شكل آخر من أشكال الدعم هو إنشاء أول مخيم منظم داخل قطاع غزة وتحديدًا فى خان يونس والذى أنشأه الهلال الأحمر المصرى بالتعاون مع الهلال الأحمر الفلسطينى واستوعب ما يقرب من 10 آلاف شخص فى إيواء كامل بما فيه من مرافق وخدمات. وتابعت إمام: والشكل الثالث من أشكال الدعم المباشر للهلال الأحمر المصرى فى رمضان 2024 أننا أنشأنا مطبخًا إنسانيًا فى مدينة الشيخ زويد وكان يوميًا يقوم بطهى وتقديم الوجبات الساخنة بالإضافة للوجبات الجافة فى السحور بالإضافة إلى أرغفة الخبز التى كان يتم تسليمها يوميًا لقطاع غزة وبلغ عددها ما يفوق نصف مليون وجبة ساخنة وما يفوق مليونًا ونصف المليون رغيف خبز تم تسليمها خلال شهر رمضان الماضى بالإضافة إلى السلال الغذائية وغيرها، وشكل آخر من أشكال الدعم تجلى أثناء الهدنة من 19 يناير وحتى 2 مارس 2025 واستطعنا خلالها أن نحشد من المجتمع المصرى المدنى عددًا كبيرًا جدًا من الشاحنات التى تحمل الغذاء والدواء والمواد الإغاثية القادمة من جميع أنحاء الجمهورية دخولا لقطاع غزة وشكلت أكبر قدر من القوافل الإغاثية التى تم إدخالها وأشرف عليها الهلال الأحمر المصرى. أكثر من 100 ألف شخص عبروا معبر رفح كما أكدت إمام على الدور الكبير الذى يقدمه الهلال الأحمر المصرى للعابرين عبر معبر رفح من الجنسيات المختلفة أو من المصابين والمرافقين لهم من الأسر الفلسطينية وفى هذا الشأن قدمنا دعمًا لأكثر من 100 ألف شخص عبروا معبر رفح بالتنسيق مع وزارة الصحة والسكان فى استقبال المصابين وأسرهم، وتولت وزارة الصحة والسكان تقييم الحالات وتقديم الدعم للمصابين بينما تولى الهلال الأحمر المصرى تقديم الخدمات الأخرى داخل مركز الخدمات الإنسانية الذى تم إنشاؤه داخل منفذ رفح البرى ومن خلاله نقدم أيضًا خدمات المكالمات الدولية والاتصال بالأهالى وأيضًا خدمات تقديم الكساء والغذاء فور الوصول، والمساحة الصديقة للأطفال التى تم إنشاؤها من خلال الهلال الأحمر المصرى داخل معبر رفح البرى ومن ثم مرافقتهم لتوزيعهم بالمستشفيات المختلفة حسب وزارة الصحة والسكان وتقديم الدعم النفسى لهم ويستمر هذا الدور بالتنسيق مع وزارة التضامن الاجتماعى التى تتولى أيضًا تقديم الدعم اللازم للمصابين وأسرهم فور خروجهم من المستشفيات المختلفة فنتولى تقديم المساعدات الطبية والغذائية والإغاثية بالإضافة إلى الدعم النقدى فى بعض الاحوال لتواصل هذه الأسر معيشتها. وأكدت التركيز على تقديم الخدمات الخاصة بتركيب الأطراف للأشخاص الذين تعرضوا للبتر والهلال له برنامج فى تركيب الأجهزة التعويضية خاصة الأطراف والمشايات الكهربائية والكراسى المتحركة وذلك بعد تقييم الحالات وحسب الموارد المتوفرة لدينا. كيف يتم تنسيق جهود الإغاثة مع الهلال الأحمر الفلسطينى والجهات المعنية الأخرى؟ الهلال الأحمر المصرى أنشأ غرفة عمليات خاصة بأزمة غزة تعمل على مدار 24 ساعة ولم تتوقف يومًا واحدًا، هدفها التواصل بشأن المساعدات الإغاثية وأيضًا توضيح لجميع الأطراف للمعايير القياسية لاستقبال المساعدات التى يتم وضعها من قبل الجانب الآخر، وأيضًا الوقوف على الأولويات وبالتالى التواصل مع الهلال الأحمر الفلسطينى والجهات الأممية المختلفة يتم تحديد الأولويات، فعلى سبيل المثال خلال فترة الهدنة كان هناك تركيز على المأوى فى ظل عودة النازحين إلى أماكنهم، وفى بداية فصل الشتاء يتم التركيز على الملابس الشتوية وفى بعض الأحيان يتم التركيز على الاحتياجات الخاصة بالأطفال والنساء، وبعد تحديد الأولويات مع الهلال الأحمر الفلسطينى والجهات الأممية الأخرى التى تعمل داخل قطاع غزة يكون دور الهلال الأحمر المصرى هو تصنيف الشاحنات وتنسيقها وفقًا لهذه الأولويات. ما التحديات التى تواجه الهلال الأحمر المصرى فى توصيل المساعدات إلى غزة؟ أهم التحديات هو التأكد من سلامة القوافل الإغاثية والعاملين البشريين، لذا الهلال الأحمر المصرى يحمل شارة حماية معترف بها دوليا وهذا هو التحدى الأكبر. والتحدى الثانى الذى يواجهنا هو إغلاق المعابر من الجانب الآخر، فالمعبر من الجهة المصرية لم يتم إغلاقة بأى شكل ولكن المعابر من الجهة الأخرى يتم إغلاقها فى الكثير من الأحيان مما يؤثر على دخول المساعدات بشكل مستمر، أما التحدى الثالث فيتعلق بتدمير البنية التحتية داخل قطاع غزة مما كان يحد من تحرك الشاحنات داخل قطاع غزة وبالتالى يؤثر على وتيرة العمل داخل القطاع، وتحدٍ آخر فى حالات الإغلاق وأثناء الاجتياح والضربات المتتالية على القطاع يوقف مسيرة المساعدات ويلقى بالعبء على الشاحنات والسائقين وعلى تقديم الخدمات، فأحيانا يصل الوقوف لشهر حتى نستطيع الحفاظ على المساعدات بشكل سليم. هل هناك آلية محددة لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها فى ظل الأوضاع الأمنية؟ نقوم بتسليم المساعدات لجهتين موثوق بهما داخل قطاع غزة وهما الأممالمتحدة والهلال الأحمر الفلسطينى فقط وتتولى هذه الجهات التوزيع وفقًا لقواعد البيانات والمستحقين لديها. ما دور المجتمع الدولى والجمعيات فى دعم جهود الهلال الأحمر المصرى على الأرض؟ الجمعيات لا تدعم جهودنا ولكن نحن ندعمها، فنحن نساعد المجتمع الدولى حتى تصل المساعدات إلى قطاع غزة مع الوضع فى الاعتبار التحديات التى ذكرناها، ولكن الهلال الأحمر المصرى مع السلطة المصرية يعمل على محاولة إدخال المساعدات بأى شكل رغم صعوبة الموقف فى فترات الإغلاق مما يتطلب جهودًا ضخمة منها وقوف الشاحنات لفترات مما يلقى علينا أعباء مادية وبشرية. لدينا شراكات مع كل الوكالات الأممية الإنسانية وجميع المنظمات غير الحكومية المهتمة بدعم قطاع غزة. ما أهم المواد التى تحتويها الشاحنات التى تصل لقطاع غزة؟ الأولوية لدينا الماء والغذاء والدواء والمستلزمات الطبية والتجهيزات الخاصة بالمستشفيات الميدانية وأيضًا المآوى سواء خيام وبطاطين ومفارش وكل ما له علاقة بالمأوى، وأيضًا مستلزمات الأطفال خاصة الألبان والحفاظات وأيضًا المستلزمات الخاصة بالمرأة، خاصة أن أكثر المتضررين من النساء لذا نوفر ما نسميه بحقيبة الكرامة، وبعض الأشياء الأخرى مثل سيارات الإسعاف فأدخلنا عددًا كبيرًا من هذه السيارات وكل ما له علاقة بالمعيشة. ما الخطط المستقبلية لتعزيز هذا الدعم الإنسانى؟ جميع الخطط تتوقف على وقف إطلاق النار وهدفنا أن يظل هناك دعم حيث إننا وجدنا فى الفترات الأخيرة تراجع الدعم بشكل كبير وهناك خطط متعلقة بإعادة الإعمار وفق الخطط التى تقدمت بها مصر ودعمتها الدول العربية والاتحاد الأوروبى. كيف يتم تدريب المتطوعين للتعامل مع الأزمات والكوارث؟ الهلال الأحمر المصرى منظمة معنية بالاستجابة للكوارث والحد من المخاطر وبالتالى هناك تدريب بشكل مستمر للمتطوعين على السيناريوهات المختلفة التى يمكن من خلالها الاستجابة وأيضًا على الخدمات المختلفة التى يتم تقديمها أثناء الكوارث سواء إسعافات أولية أو دعم طبى أو دعم لوجيستى والسلامة والأمان وإدارة المتطوعين فى الطوارئ وأيضًا هناك اهتمام بالدعم النفسى وبرامج معنية برفع كفاءة الفرق للتعامل مع أكثر من سيناريو فى نفس التوقيت خصوصًا أن الهلال الأحمر المصرى مازال متواجدًا على المعابر المصرية- السودانية يقدم الدعم فى هذه المعابر منذ 17 أبريل 2023 وحتى هذه اللحظة أى ما يقترب من 700 يوم عمل بدون توقف لخدمة من تضرر من الأزمة السودانية. توليتى منصب المدير التنفيذى للهلال الأحمر المصرى فى وقت صعب فما تعليقك؟ أنا بنت الهلال الأحمر المصرى فأنا متطوعة بالهلال من أكثر من 25 سنة وبالنسبة لى تدرجت بكل المناصب داخل الهلال الأحمر المصرى، وبالتالى العمل والرسالة بالنسبة لى يجعلانى فى فخر وشرف واستعداد لتحمل المسئولية وبالطبع وضع صعب وتوقيت صعب، ولكن الهلال الأحمر المصرى يمتلك فريقًا من أقوى الفرق القادرة على الاستجابة وبالتالى العمل فى فريق ومعرفة الرسالة والقدوم من داخل مطبخ الهلال الأحمر المصرى له أثر فى القيام بالمهمة بالشكل المطلوب ويجعلنا راضين وفخورين. هل هناك قصة إنسانية معينة أثرت فيك شخصيًا خلال عملك؟ أكثر القصص منها المتعلقة بالأطفال الجرحى أو المصابين الذين يأتون مع فرد من العائلة ليس الأم ولا الأب أو الأخوات نظرًا لاستشهادهم جميعًا ويأتى الطفل لديه أكثر من إصابة وأشدها البتر ونرى هذا الطفل لديه أمل فى أن يتلقى العلاج وبه صلابة رغم ما شاهده، وعندما نعطى الطفل لعبة وهى أول شىء فى الدعم النفسى نجد الطفل يرسم علم مصر بجانب علم فلسطين، وفى نفس الوقت يرسم بيتًا ويضع أناسًا تشبه ذويهم ويقولون سنرجع بإذن الله إلى بيتنا، فالبيت فى صورهم التى يرسمونها وفى المكعبات التى يلعبون بها وتكلمى الطفل يكلمك عن البيت وهو ما يؤكد أن موقف مصر فى عدم السماح بالتهجير هو موقف يتكلم بصوت الشعب الفلسطينى المرتبط بأرضه ووطنه مهما كانت التحديات. وبكلمة الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى فى لقائه مع نظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون: «إننا لن نستطيع تغيير التاريخ والجغرافيا فلا أحد يغيرهما فالتاريخ والجغرافيا تعترف بوجود الشعب الفلسطينى فى وطنه». ما رسالتك للشباب المصرى؟ فخورون بالشباب المصرى جدًا الذى يدخل الهلال الأحمر ويتطوع حتى يكون جزءًا من عمليات تقديم المساعدات إلى غزة، وهذا رد على كل تخوف أن يكون الشباب ليس على قدر المسئولية، ولكن أثبت الشباب المصرى أنه فخر الشباب وأن المسئولية لديهم ليست كلامًا ولكنها فعل يقومون به ويظهر فى الأعمال الإنسانية والتطوعية التى يقومون بها وتدعم المتضررين، فرسالتى لهم سنظل فى صف الإنسانية. ما هى طموحاتك المستقبلية؟ أتمنى أن يكون هناك حل للأزمة التى نراها فى قطاع غزة حتى نستطيع أن نقوم بواجبنا بشكل كامل وأن تكلل هذه الجهود بالنجاح، والنجاح هو تخفيف المعاناة عن المتضررين والوصول لمرحلة إعادة الإعمار، وأتمنى أن يظل الهلال الأحمر المصرى فى طليعة العمل الإنسانى فى العالم كله. 2 3