سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أول طبيبة صماء فى العالم تحكى تجربتها ل «روزاليوسف» بعد 41 عامًا من فقدان السمع: د.فادية عبدالجواد: لحظة استعادة الحياة عندما سمعت لأول مرة كلمة «ماما»
استطاعت أن تحول التحديات إلى فرص حقيقية وأن تحقق إنجازات مبهرة فى مجالات عدة.. صاحبة مشوار طويل كان مليئًا بالصعوبات والتحديات.. هى د.فادية عبدالجواد، أول طبيبة صماء فى العالم كما أطلقوا عليها، وهى أيضًا استشارى الأمراض الجلدية والتجميل ورئيس مجلس إدارة جمعية «السمع صوت الحياة».. عانت د.فادية فى مرحلة مبكرة من فقدان السمع نتيجة إصابتها بالحمى الشوكية، لكن هذا لم يقف فى طريق حلمها، على العكس؛ أصرّت على التحدى واستطاعت أن تصبح استشارية فى الأمراض الجلدية والتجميل، وأن تحقق نجاحًا مميزًا فى حياتها المهنية والشخصية. وخلال مسيرتها الطويلة بذلت جهودًا كبيرة لتخطى عقبات فقدان السمع، ورغم الصعوبات التى واجهتها؛ أثبتت أن الإرادة والتصميم قادران على تغيير الواقع.. وبعد 41 عامًا من الصمم، قررت أن تخضع لعملية زرع قوقعة؛ لتستعيد السمع لأول مرّة فى حياتها، وهو ما أعاد إليها التواصل الإنسانى والحياة من جديد.. «روزاليوسف» التقت مع د.فادية عبدالجواد لتحكى لنا تجربتها المُلهمة، وكيف تمكنت من تحقيق النجاح فى مجال كان يتطلب استخدام حاسة السمع بشكل كبير. وفيما يلى نص الحوار: فى البداية؛ كيف كان شعوركِ عندما اكتشفتِ أنكِ فقدتِ السمع بشكل كامل فى سن مبكرة؟ وكيف أثرت هذه الصدمة على حياتك الشخصية والدراسية؟ - كانت الصدمة كبيرة جدًا. وكنت طفلة طبيعية، أسمع وأتكلم مثل الجميع، وفجأة وجدت نفسى فى عالم صامت تمامًا. كنت بشارك فى جميع الأنشطة الثقافية والفنية فى مدرستى الابتدائية، إلا أننى أصِبت بحمى شوكية فى عمر 11 عامًا وكان نتيجتها فقدانًا كاملًا للسمع فى الأذنين، وبعد ما كنت بحب الموسيقى والغناء وبلعب جمباز وباليه وجدت نفسى أسيرة فى عالم الصمت والصمم الكئيب، وبالطبع كانت الصدمة قوية فى البداية؛ ولكن بفضل الله تماسكت سريعًا ووجدت الدعم من الأسرة والوالدين رحمهما الله. كنت أعيش فى صمت وعزلة فى البداية، لكننى قررت أن أبحث عن أمل.. لم أسمح لهذا الأمر أن يقيدنى؛ بل قررت أن أستعين بما تعلمته من قراءة الشفاه لكى أتواصل مع من حولى وأواصل دراستى بنجاح. كيف تمكنتِ من التغلب على التحديات التى فرضها فقدان السمع على حياتك الدراسية؟ وهل كان لديكِ أى دعم من عائلتك فى هذه الفترة الصعبة؟ - عائلتى كان لها دور كبير فى مساعدتى. والدتى ووالدى قدّما لى الدعم المستمر وشجعانى على الاستمرار؛ خصوصًا فى الدراسة. ووالدى كان لديه وعى بأهمية الدمج وركّز على تعليمنا فى بيئة طبيعية، حتى ألحقنى بمدرسة عادية رغم إعاقتى. تعلمت أيضًا قراءة حركة الشفاه وقمت بتدريب نفسى على فهم الكلام من خلال الشفاه، مما ساعدنى كثيرًا فى المدرسة.. ولم أجد أى صعوبة فى الدراسة سواء فى المرحلة الإعدادية والثانوية.. فكنت الأولى فى الإعدادية على مدرسة غمرة الإعدادية وأيضًا حصلت على مجموع 97 ٪ فى الثانوية العامة وكنت الأولى أيضًا على مدرسة العباسية الثانوية بعدها قررت أن أحقق حلم عمرى فى أن أكون طبيبة تخدم الناس والتحقت بكلية طب عين شمس. كيف تمكنتِ من الالتحاق بكلية الطب وتحقيق حلمكِ رغم الصعوبات التى واجهتيها أثناء الدراسة؟ - المرحلة الجامعية كانت لى فى غاية الصعوبة، من أكثر المراحل اللى عمرى ماهنساها؛ لأنى كنت طول الوقت بحاول فك شفرات المناهج الطبية الصعبة وكنت بعتمد على نفسى ولم أجد مساندة ومساعدة كبيرة من أساتذتى فى الكلية، وأتذكر أننى اتظلمت فى الامتحانات الشفوية باستثناء د.طلعت الديب أستاذ الباثولوجى اللى كان مَثلى الأعلى فكان يشجعنى ووقف بجانبى فى حين كان يرفض باقى الأساتذة مجرد كتابة السؤال لى فى الامتحانات الشفوية، حينها. لم أكن أجيد قراءة حركة الشفاة باللغة الإنجليزية بل فقط اللغة العربية، وكانت الامتحانات الشفوية تمثل الرعب لطلبة الطب عمومًا خوفًا من عدم معرفة الإجابات، لكنها كانت تمثل لى مشكلة أخرى ليس خوفًا من عدم معرفة الإجابة بل خوفًا من عدم معرفة السؤال، أمّا الإجابة فأنا كفيلة بها، فقد عشقت الطب وكنت أذاكر من مَراجع عديدة فى كل مادة ولم أكتفِ بكتابٍ واحد أو مذكرات ومَلازم كما يفعل الكثيرون.. وبعد كفاح 6 سنوات متصلة لا أذكر أننى حصلت على يوم واحد إجازة فيها حتى تخرجت عام 1986. بعد 41 عامًا من الصمت؛ كيف كانت لحظة استعادة السمع وكيف أثرت هذه التجربة على حياتك الشخصية والمهنية؟ - هى لحظة استعادة الحياة وليس السمع، تعجز الكلمات فى كل قواميس اللغة عن وصف شعورى بعد استعادة السمع بعد 41 عامًا من الصمت.. أتذكر عندما سمعت لأول مرّة صوت أولادى وهم يقولون لى «ماما»، شعرت كأننى استعدت حياتى كاملة، ليس السمع فقط.. استعادة السمع غيّرت حياتى بشكل جذرى، وأعطتنى القدرة على التواصل بشكل طبيعى مع الآخرين. أصبح لديّ فرص أكبر فى ممارسة مهنة الطب بشكل أفضل، وكان ذلك له تأثير إيجابى على حياتى الشخصية والمهنية. كيف تمكنتِ من توظيف تجربتك الشخصية مع الصمم لمساعدة الآخرين؟ وما هو دور جمعية «السمع صوت الحياة» فى دعم مستخدمى القوقعة؟ - تجربتى الشخصية مع فقدان السمع كانت دافعًا لى لتقديم المساعدة للأشخاص ذوى الاحتياجات السمعية.. من خلال جمعية «السمع صوت الحياة»، أسعى لتقديم الدعم والمساعدة للأطفال والكبار الذين يعانون من الصمم؛ خصوصًا فى الحصول على زرع القوقعة.. والجمعية هدفها توعية المجتمع بأهمية هذه الحلول التقنية، وكذلك توفير الرعاية والتأهيل للأشخاص الذين يحتاجون إلى هذه التكنولوجيا. بماذا تتميز مبادرة «السمع حياة» التى أطلقتيها؟ وكيف تسعى هذه المبادرة إلى تحسين حياة الأشخاص فاقدى السمع؛ وبخاصة الأطفال؟ - بالتاكيد مبادرة «السمع حياة» تتميز بأنها تركز على أهمية زرع القوقعة وتوفير الدعم للأطفال فاقدى السمع فى مصر والعالم العربى.. ونعمل على تيسير الوصول إلى هذه التقنية الحديثة التى تمثل فرصة استثنائية للأطفال لاستعادة السمع، كما نهدف إلى تقديم برامج توعية للمجتمع حول الصمم وأهمية زرع القوقعة، مع متابعة مستمرة للأطفال الذين يتم زرع القوقعة لهم. ما التحديات التى واجهتيها خلال عملكِ فى الخارج فى السعودية واليمن وأوغندا وتنزانيا ونيجيريا؟ وكيف استطعتِ التكيف مع هذه البيئات المختلفة؟ - اختلاف الثقافات والعادات فى هذه البلدان، بالإضافة إلى التحديات المرتبطة بالعمل فى بيئات صحية كانت تعانى من نقص الموارد؛ لكننى تمكنت من التكيف بفضل إصرارى على تقديم أفضل رعاية صحية، وأيضًا من خلال التعامل مع المرضى والتواصل معهم بفضل التكنولوجيا الحديثة، مثل استخدام تطبيقات الترجمة ومساعدات القراءة. أنتِ تُعتبرين قدوة وشخصية ملهمة خاصة لفاقدى السمع؛ ما هى رسالتكِ للأشخاص الذين يواجهون تحديات مشابهة، سواء فى مجال التعليم أو العمل؟ - لا تستسلم أبدًا، فالإعاقة ليست نهاية الطريق؛ بل هى بداية لفرص جديدة يمكن أن يحقق فيها الشخص نجاحًا عظيمًا.. مع العزيمة والإصرار؛ يمكننا أن ننجح فى مواجهة أى تحدٍ، وأن نغير حياتنا نحو الأفضل.. لا تدعوا أى عقبة توقفكم عن تحقيق أهدافكم. أخيرًا؛ هل لديكِ مشاريع مستقبلية أو أهداف جديدة تسعين لتحقيقها فى مجال الطب أو فى مجال دعم ذوى الاحتياجات الخاصة؟ - أتمنى التوسع فى جمعية «السمع صوت الحياة» بحيث تشمل المزيد من البلدان العربية والإفريقية، وأن نتمكن من توفير زرع القوقعة للكثير من الأطفال الذين يعانون من الصمم، كما أسعى للعمل على زيادة الوعى المجتمعى والتثقيف حول أهمية علاج الصمم بالوسائل الحديثة. 2 3