دينا درويش «انطلق نحو القمر حتى لو أخطأته فسوف تهبط بين النجوم».. هذا هو باختصار مشوار فادية عبد الجواد استشارى الأمراض الجلدية والتجميل ورئيس مجلس إدارة جمعية «السمع صوت الحياة».. وأول طبيبة صماء فى العالم. د. فادية عبد الجواد التحقت وتخرجت فى كلية الطب ومارست المهنة لعشرين عاماً وهى صماء تماماً قبل زرع قوقعتين بعد 41 عاماً من الصمم استعادت بهما السمع، وتخصصت فى الأمراض الجلدية والتجميل وعملت لمدة 12 عامًا فى السعودية واليمن وأوغندا وتنزانيا ونيجيريا.. حكاية ورحلة فادية لم تكن سهلة ولكن باختصار هو قرار اتخذته وهى طفلة صغيرة وصممت على تحقيقه رغم الصعوبات، ورغم أنها وُلدت طفلة طبيعية تسمع وتتكلم ومتفوقة دراسياً.. وتشارك فى جميع الأنشطة الثقافية والفنية فى مدرستها الابتدائية، إلا أنها فجأة وهى فى عمر 11 عاماً أصُيبت بحمى شوكية كان نتيجتها فقداناً كاملاً للسمع فى الأذنين، وبعد الموسيقى والغناء والجمباز والباليه والحياة الصاخبة وجدت نفسها أسيرة فى عالم الصمت والصمم الكئيب، وبالطبع كانت الصدمة قوية فى البداية، وبفضل الله تماسكت سريعاً ووجدت الدعم من الأسرة والوالدين رحمهما الله. وتحكى د. فادية قائلة: « لقد بحثت عن أمل حتى وجدت طريقة للتواصل مع من حولى بقراءة حركة الشفاة وظللت أدرب نفسى بنفسى حتى أتقنتها تماماً واعتمدت عليها فى حياتى ودراستى وقررت أننى لابد أن أساعد نفسى وأبذل أقصى جهدى لأكسر حاجز الصمت من حولى، وبسبب وعىّ الوالد بأهمية الدمج وثقته فى قدراتى ألحقنى بمدرسة إعدادية عادية .. اقرأ أيضًا| «الطاقة الذرية» تعرض نتائج بحث طبي لعلاج شيخوخة الجلد بمؤتمر في أمستردام ولم أجد أى صعوبة فقد كنت أعشق الدراسة والكتب.. وكنت الأولى على مدرستى وهى غمرة الإعدادية والأولى أيضاً على مدرستى العباسية الثانوية بمجموع 97 ٪ بعدها قررت أن أحقق حلم عمرى فى أن أكون طبيبة تخدم الناس والتحقت بكلية طب عين شمس». وتكمل قائلة: «المرحلة الجامعية كانت لى فى غاية الصعوبة وكانت تحدياً يومياً بمعنى الكلمة، حيث كنت أقضى يومى فى الكلية والمعامل والمشرحة وأنا أحاول فك شفرات المناهج الطبية الصعبة معتمدة على نفسى فقط والكثير من الكتب، ولم أجد أدنى معاونة من أساتذتى فى الكلية، كما تم ظلمى فى الامتحانات الشفوية»، وتكمل: «باستثناء دكتور طلعت الديب أستاذ الباثولوجى ومثلى الأعلى والمثل الأعلى لكل أستاذ جامعى وكان الوحيد الذى شجعنى ووقف بجانبى فى حين كان يرفض باقى الأساتذة مجرد كتابة السؤال لى فى الامتحانات الشفوية .. ولم أكن أجيد قراءة حركة الشفاة باللغة الإنجليزية بل فقط اللغة العربية، وكانت الامتحانات الشفوية التى تمثل الرعب لطلبة الطب عموماً خوفاً من عدم معرفة الإجابات، لكنها كانت تمثل لى مشكلة أخرى ليس خوفاً من عدم معرفة الإجابة بل خوفاً من عدم معرفة السؤال، أما الإجابة فأنا كفيلة بها، فقد عشقت الطب وكنت أذاكر من مراجع عديدة فى كل مادة ولم اكتفِ بكتابٍ واحد أو مذكرات وملازم كما يفعل الكثيرون.. وبعد كفاح 6 سنوات متصلة لا أذكر أننى حصلت على يوم واحد إجازة فيها حتى تخرجت عام 1986». د. فادية عبد الجواد استشارى الأمراض الجلدية والتجميل زوجة وأم وعملت داخل وخارج مصر لمدة 20 عاماً قبل إجراء أول عملية زرع قوقعة عام 2006م بإلحاح من ابنتها الكبرى جهاد، واستجابت لأمنية ابنتها وأجرت أول عملية زرع قوقعة وسمعت كلمة «ماما» لأول مرة وصوت أولادها الأربعة وهم شباب كبار، وتقول: «امتلأت حياتى بالبهجة والروعة واستعدت التواصل الإنسانى الطبيعى والبهجة وشعرت أننى استعدت الحياة وليس السمع فقط، وبفضل الله أجريت العملية الثانية عام 2014 بعد 41 عاماً من الصمم واستعدت السمع فى الأذن الأخرى، وتعجز كل الكلمات فى كل قواميس اللغة عن وصف شعورى بعد استعادة السمع» . وتعبيراً عن امتنانها وأمنيتها أن يعيش كل أصم تلك اللحظة الباهرة ويستعيد السمع وخصوصاً الأطفال أمل الغد قامت بإطلاق مبادرة «السمع حياة» وبتأسيس جمعية «السمع صوت الحياة» التى تتولى رئاسة مجلس إدارتها مع نخبة من الأساتذة وأولياء أمور الأطفال لرعاية وتأهيل مستخدمى القوقعة، وتسعى من خلال تلك المبادرة إلى أن تسهم هذه المؤسسة بفاعلية وقوة فى القضاء على مشكلة الصمم بحلول عام 2030، كما تسعى بكل جهدها إلى تحويل مبادرتها إلى حملة قومية شاملة مثل: الحملة القومية الناجحة للقضاء على الفيروسات الكبدية وتصحيح الوضع الخاطئ كون مصر من الأعلى عالمياً فى نسبة الصمم.