أما فيما يخص تترات موسم رمضان 2024، فهناك العديد من الأعمال الغنائية المهمة، ولكن يظل أهمها هذا العام هو تتر مسلسل (الحشاشين)، وذلك للجدل المثار حول هذا العمل، والنقاشات التاريخية الفكرية التى بدأت تطرح على المواقع الإخبارية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعى أو حتى مع صناع المحتوى على أكثر من «بودكاست» على موقع «يوتيوب»، ومن هنا تأتى أهمية العمل ككل، لأنه دفع الناس من جديد للاهتمام بالتاريخ. أما من حيث التنفيذ فوقع الاختيار على «وائل الفشنى» ليقدم إحدى رباعيات «الخيام» بصوته، ويعتبر هذا الاختيار موفقًا لارتباط «الفشنى» فى الصورة الذهنية للجمهور بأن صوته وكأنه جاء من الماضي، فقد ظهر قبل ذلك فى احتفالية طريق الكباش، وقدم تتر مسلسل (واحة الغروب)، وقدم بعض المواويل فى فيلم (صاحب المقام)، والرابط المشترك بين كل هذه الأعمال هو أن صوت «الفشنى» دائمًا ما يظهر وكأنه أتى من الماضى بعبقه وعراقته. أما عن اختيار رباعية «سمعت صوتًا هاتفًا فى السحر.. نادى من الغيب غُفاةَ البشر.. هبوا املأوا كأس المنى قبل أن.. تملأ كأس العمر كف القدر» فكان اختيارًا عبقريًا خاصة وأنها من إبداعات «عمر الخيام» فى رباعياته الشهيرة التى كتبت بالفارسية وقام بترجمتها الشاعر الكبير «أحمد رامى» إلى العربية مباشرة، بفضل دراسته المستفيضة لهذه اللغة عندما أوفدته دار الكتب المصرية سنة 1922 إلى باريس لدراستها فى مدرسة اللغات الشرقية، واختيار هذه الرباعية بالتحديد جاء معبرًا عن فكرة ومضمون أحداث المسلسل، فأنها تتحدث عن أهمية إسراع العمل وتحقيق الأمانى «فى الدنيا» قبل أن يحل قضاء الله بالموت، وتكمن عبقرية «رامى» فى وصفه للصوت بأنه هاتف دلالة على مدى تأثيره فى النفس البشرية، و«نادى من الغيب» كتعبير غامض يدفع السامعين لمحاولة معرفة مصدر الصوت، ومن تابع المسلسل سيجد تأثير بطل العمل «حسن الصباح» على نفوس أتباعه وأمره لهم بتنفيذ أوامره وتحقيق أهدافه «فى الدنيا» حتى يكافئهم فى الآخرة، كونه المستحوذ على مفتاح الجنة، فاستخدام هذه الرباعية بالتحديد دون غيرها من رباعيات الخيام، جاء تعبيرًا نموذجيًا عن مضمون وسياق الأحداث داخل المسلسل. ومن الأعمال المميزة أيضًا فى هذا الموسم، تتر «مخبيالنا ايه يا دنيا» من مسلسل (مسار إجباري) بصوت «هانى الدقاق» وبمشاركة «طارق الشيخ»، ومن كلمات «آمار مصطفى» وألحان «هانى الدقاق» وتوزيع فريق ال«روك» المتميز «مسار إجبارى»، فمن يستمع إلى هذا العمل بمعزل عن مشاهدة المسلسل، ربما يشعر أنه لا يوجد ضرورة ملحة لمشاركة «طارق الشيخ»، أو يظن أن تواجده جاء بناء على أسباب تجارية، ولكن من سيتابع المسلسل سيجد أن الأغنية نموذجية، لأن الإطار العام لقصة المسلسل «بدون حرق»، تدور حول شابين «حسين» و«على» يعيشان حياتهما بشكل مختلف وبعد 20 عامًا يكتشفان أنهما أخان غير شقيقين ومتورطان فى قضية قتل ويجب عليهما تقديم القاتل الحقيقى للمحاكمة، ولذلك فكان من الضرورى أن يشترك «رجلان» فى غناء التتر ليكون التتر معبرًا عن قصة البطلين «حسين» و«على»، أيضًا اختيار اسم المسلسل جاء موفقًا بشكل كبير لأن الأحداث تجبر الأخين على السير فى «مسار إجبارى» لا مفر منه، واختيار فريق «مسار إجبارى» لغناء وتنفيذ التتر جاء موفقًا أيضًا لأن هذا الفريق تم تكوينه خصيصًا كنوع من أنواع التمرد الفنى على «المسار الإجبارى» الذى يسيطر على حياة ملايين المصريين، سواء لأسباب اجتماعية أو سياسية.
