على المسلم أن يغتنم ما أتيح له من أبواب الخير فى هذه الأيام العشر الأوائل من ذى الحجة فرصة لا تعوض

مع قدوم شهر ذى الحجة يمنّ علينا الله عز وجل بنفحات ربانية لزيادة المغفرة والرحمة، حيث فيه عبادة الحج التى تشمل كافة الطاعات، لذا كان فى هذا الشهر أفضل ليالى العام وهى ليالى العشر من ذى الحجة التى جعلها الله فرصة لعباده، علينا أن نتعلم كيفية اغتنامها وهو ما يوضحه لنا علماء الدين المتخصصون.
من جهته يوضح د. على جمعة عضو هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدينية أنه مع أول يوم من شهر ذى الحجة الحرام الذى فرض الله فيه الحج، تبدأ الأيام العشر وتنتهى بعيد الأضحى المبارك، وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما، عن سيدنا النبى (ص) أنه قال فيها: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر»، وهذا معناه أننا فى تلك الأيام فى نفحة ربانية صمدانية، وفى نقطة انطلاق يجب علينا أن ننتهزها، وأن نعمل العمل الصالح ظاهرًا وباطنًا، لعبادة الله وعمارة الأرض وتزكية النفس.
استطرد قائلًا: أن هذه الأيام العشر المباركة. هى أفضل أيام السنة، كما أن ليلة القدر، هى أفضل ليالى السنة على الإطلاق، ورد فيها «العمل الصالح فيهن»، -وفى رواية البخاري: «فيها» - «أحب إلى الله من هذه الأيام»، وفى رواية الترمذي: «من هذه الأيام العشر»، فحددها، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد؟! قال: «ولا الجهاد».إذن، نحن نعلم قيمة الجهاد، وفضل الجهاد، الجهاد هو ذروة السنام، الجهاد هو أعلى الأعمال، إذن فسيدنا رسول الله (ص) يريد أن ينبهنا لفضل هذه الأيام؛ لأنه قارنها بأفضل شىء فى الإسلام، وهو الجهاد فى سبيل الله، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد فى سبيل الله؟! قال: «ولا الجهاد فى سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشىء»، هذا يكون قد جاد بنفسه فى سبيل الله، وليس بعد أن تجود بنفسك فى سبيل الله من عمل، فهو أعلى من هذه الأيام ومن غيرها، وجاد مع نفسه بماله، وترك أهله لله، توكلًا وثقةً ورضًا بما عند الله، وتسليمًا وتوكلًا على الله جل جلاله، فهو مؤمن حق، يخلفه الله سبحانه وتعالى فى ولده وأهله وأبنائه وأحفاده؛ لأنه جاد بنفسه لله وبماله لله، وتوكل على الله، ورضى بما عند الله، وسلم لأمر الله. «إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشىء»، يعنى استشهد فى سبيل الله، وخرج بماله كله، فأنفق فى سبيل الله فى ذلك الجهاد.
د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أكد كذلك أنه فى شهر ذى الحجة تطالعنا الليالى العشر المباركات التى وصفها القرآن الكريم بالأيام المعلومات، فقال سبحانه : «لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ»، وذكر سيدنا عبد الله بن عباس (رضى الله عنه) أنها الليالى العشر التى أقسم بها رب العزة (عز وجل) فى كتابه العزيز فقال: «وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ».
أضاف أنه على المسلم أن يغتنم ما أتيح له من أبواب الخير فى هذه العشر من الإكثار من الصيام وقيام الليل، والذكر، وتلاوة القرآن، وإطعام الطعام، والحرص على شعيرة الأضحية، وصلة الأرحام، والإكثار من الصدقات، وقد سئل نبينا (صلى الله عليه وسلم) من أين لنا صدقة نتصدق بها كل يوم؟ فقال: «إن أبواب الخير لكثيرة: التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل، والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، وتميط الأذى عن الطريق، وتسمع الأصم، وتهدى الأعمى، وتدل المستدل على حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف؛ فهذا كله صدقة منك على نفسك» على أن التوسع فى الصدقات أولى فى أوقات النوائب والأزمات، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلاءِ الدُّعَاءَ»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا».
ولفت إلى أنه فى عشر ذى الحجة يأتى يوم عظيم، خير يوم طلعت فيه الشمس، وهو يوم عرفة، من صامه إيمانًا واحتسابًا فإنه يكفر السنة الماضية والسنة الباقية، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِى بَعْدَهُ» (رواه مسلم). وفيه يوم النحر يوم الأضحية التى هى سنة نبينا (صلى الله عليه وسلم) وأبينا إبراهيم (عليه السلام)، وفيها يقول: «مَا عَمِلَ آدَمِىٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ (عز وجل) مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» (سنن الترمذي).
فيما دعا الدكتور شوقى علام -مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم- جموع المسلمين فى مختلف أنحاء العالم إلى اغتنام أيام العشر من شهر ذى الحجة فى التقرب إلى الله تعالى بكل ألوان الطاعات؛ كونَها من أفضل الأيام والليالى عند المولى عز وجل لقوله تعالى: (والفجر وليال عشر).
وقال مفتى الجمهورية: إن أيام العشر من ذى الحجة ولياليها أيام شريفة ومفضلة، يضاعف فيها العمل، ويستحب فيها الاجتهاد فى العبادة، ومساعدة المحتاجين والفقراء، وزيادة عمل الخير والبر بشتى أنواعه.
وأشار المفتى إلى أن العمل الصالح فى أيام العشر من ذى الحجة، أفضل من العمل الصالح فيما سواها من سائر أيام السنة، لما رُوى عن ابن عباس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام»؛ يعنى العشر الأوائل من ذى الحجة، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد فى سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد فى سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشىء» (رواه البخارى).
وأوضح مفتى الجمهورية أن جماهير المفسرين والعلماء، اتفقوا على أن الليالى العشر التى ذكرت فى سورة الفجر، هى العشر من ذى الحجة، بدليل النص القرآني: (وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ).
وأوضح مفتى الجمهورية أن صيام يوم عرفة «سُنَّة» فعلية مؤكدة عن النبى صلى الله عليه وسلم، وروى أبو قتادة رضى الله عنه، أن النبى قال: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التى قبله والسنة التى بعده» (رواه مسلم)، فيصح صوم يوم عرفة لغير الحاج، وهو اليوم التاسع من ذى الحجة، وصومه يكفِّر عامين: عامًا ماضيًا وعامًا مقبلًا، كما ورد فى الحديث.
وأكد مفتى الجمهورية أنه يحرم بالاتفاق صيام يوم العاشر من ذى الحجة؛ لأنه يوم عيد الأضحى، فيحرم صوم يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى وأيام التشريق، وهى 3 أيام بعد يوم النحر؛ فقد مُنع صومها بحديث النبى صلى الله عليه وسلم عن أبى سعيد قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم النحر»؛ لافتًا النظر إلى أن نفحات الدَّهر لا تنتهى، وعطايا الرحمن ليس لها حد، وشعائر الإسلام تمدنا بما يقربنا إلى ربنا جَلَّ وعلا؛ قال تعالى: (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا).
من جهته قال الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية د. نظير عياد أنه لابد من معرفة فضل العشر الأوائل من ذى الحجة، وفضل العمل الصالح فيها، والتعرض لتلك الأعمال واستغلالها استجابة للمنهج النبوى فى الاستفادة من الأيام المباركات، مع التركيز على الأعمال الصالحة التى يعود نفعها على المجتمع ككل مثل: الصدقة والأضحية وغيرهما، وذلك من خلال مخاطبة الفئات العمرية المختلفة لأفراد المجتمع بما يتناسب مع احتياجات كل فئة.
وأوضح الأمين العام أنه لابد من استغلال تلك الأيام الاستغلال الأمثل فى كل ما من شأنه أن ينعكس إيجابًا على علاقة الإنسان بربه أولًا ثم علاقته بمن يعيشون حوله فى هذا المجتمع، فصلاح الفرد هو صلاح للمجتمع بأكمله.
2
3