مكانك «موجود، رضّعى براحتك» مبادرة أطلقتها الدكتورة هناء أبوالقاسم، استشارى أمراض النساء والتوليد؛ للمناداة بتوفير أماكن للرضاعة الطبيعية فى الأماكن العامة، ودعم حق الأم والطفل فى الرضاعة بأى وقت ومكان. تقول الدكتورة هناء أبوالقاسم، مدرس الولادة الطبيعية بالأكاديمية الأمريكية للولادة الطبيعية: «رأيت كثيرًا أمهات بطلات وقصص نجاح ملهمة نجحن فى استكمال فترة الرضاعة الطبيعية لمدة عامين، ولكن أيضًا لمست بعض الصعوبات التى تعانى منها الأمهات المرضعات، فكثيرات منهن حرمن أنفسهن من الخروج أو الذهاب للنادى أو حضور المناسبات لأنه ببساطة لا يوجد مكان مخصص للرضاعة فى الأماكن العامة». تقول «أبوالقاسم» مُؤسِّسة «مركز مامز هاڤين للولادة الآمنة: «هناك أمهات أرهقن أنفسهن لإعداد شنطة الرضاعة وتشفيط اللبن وتخزينه ليتمكنّ من الرضاعة خارج بيوتهن؛ إيمانًا منهن أن لبنهن أفضل طعام للبيبى، وأمهات أخريات لجأن للفورميلا- اللبن الصناعى كبديل أسهل؛ وأمهات كثيرات توقفن عن الرضاعة الطبيعية قبل إكمال العامين لذات السبب». «مكانك موجود.. رضّعى براحتك» هى مبادرة تهدف للمساندة المجتمعية للأم المرضعة وللطفل الرضيع، من خلال توفير مكان آمن فيه خصوصية تتمكن فيه الأم من الرضاعة الطبيعية فى الأماكن العامة، وهذا الدعم يعود بالأثر الإيجابى على صحة الأم النفسية والجسدية وبالتالى صحة طفلها وأسرتها. عن المبادرة وأهدافها والتحديات التى تواجه الأمهات المرضعات وأهمية الرضاعة الطبيعية تحدثت «روزاليوسف» فى مقابلة هاتفية مع الدكتورة هناء أبوالقاسم.. مكانك موجود.. رضِّعى براحتك».. ما الذى دفعك لإطلاق هذه المبادرة لدعم الأمهات والرضاعة الطبيعية؟ - من خلال عملى ومتابعتى لسنوات طويلة للأمهات سواء أثناء فترة الحَمْل والولادة ثم الرضاعة الطبيعية، لاحظت كم المجهود الذى تبذله الأمهات والتحديات التى تواجههن من أجل ضبط الأداء لرضاعة طبيعية صحيحة للطفل، فالأم تخوض رحلة ليست سهلة مع إرضاع طفلها سواء من حيث تكنيك وضع الطفل على صدرها، وكذلك ما تواجه من التوتر والإجهاد وساعات النوم القليلة غير المستقرة، ويضاف إلى كل ذلك عبء آخر عندما تقرر الأم أن تعود لممارسة حياتها الطبيعية بالخروج من المنزل سواء للعمل أو التسوق أو التنزه أو مصاحبة طفلها الآخر لتمرينات النادى، أو لزيارة طبيبها، لاحظت أن الأمهات المرضعات اللاتى يَزُرننى فى العيادة يكنّ فى عُجالة كبيرة ويرغبن فى العودة للمنزل سريعًا من أجل إرضاع الطفل، وعندما أسالها لماذا لم تحضريه معك واستخدام مثلا ساتر الصدر المخصص للرضاعة، تعبر عن عدم ارتياحها من ارتداء هذا الساتر وتعرية صدرها فى مكان عام!. ومن ثم مع تراكم الشكاوى التى استمعت لها من الأمهات أدركت المعاناة الجديدة التى يواجهنها من عدم وجود مكان آمن خارج المنزل يضمن خصوصيتهن واستقرارهن لإرضاع الطفل بشكل طبيعى، ويكون أمامهن خياران؛ إمّا أن تُجبَر على البقاء فى المنزل وتحرَم من العودة لحياتها الطبيعية ما قبل الولادة حتى انتهاء فترة الرضاعة لمدة عامين، أو تلجأ لبدائل كاللبن الصناعى الذى لا ننصح به حال وجود لبن الأم الطبيعى!. وما هى طبيعة وشكل المكان المفترض تخصيصه للأمهات للرضاعة؟ - لا نحتاج سوى غرفة صغيرة 2م × 1م أشبه بغرفة قياس الملابس بالمحلات، تحتوى على كرسى مريح تجلس عليه الأم لإرضاع طفلها بأريحية وخصوصية، وأن تتوافر هذه الغرفة فى الأماكن العامة مثل المصالح الحكومية والمولات التجارية، المستشفيات، وغيرها من الأماكن التى تذهب فيها النساء، مثلما نوفر حمّامًا وزاوية للصلاة يجب ألّا ننسى الأمهات والرضيع، ونوفر بيئة صديقة للطفل والأم. على المجتمع أن يساند المرأة التى ترغب فى الرضاعة الطبيعية لطفلها، وأن يدعمها من خلال تسهيل هذه الرحلة التى تستمر لمدة عامين، وألا تحرم النساء من الخروج من المنزل وممارسة حياتهن الطبيعية من أجل معاناتهن والتحديات التى تواجههن فى رضاعة أطفالهن فى الأماكن العامة، نحتاج لبنية تحتية حساسة للنوع الاجتماعى توفر وتراعى حقوق النساء وأطفالهن. على ذكر حديثك لتوفير هذه الغرفة المخصصة للرضاعة بالمصالح الحكومية.. هناك من يرد أن الموظفات المرضعات يحصلن على ساعة رضاعة باكرة أو مؤجلة تأخذها الأم من ساعات العمل اليومى؟ - هذه الساعة غير عملية على الإطلاق؛ لأن فى المقابل هناك 8 ساعات احتبس اللبن فى الصدر وهو ما يسبب آلامًا كبيرة للأم، ونظرًا لغياب مكان مخصص فى المبانى الحكومية يسمح لدخول الأم وتفريغ اللبن عن طريق Breast Pump والاحتفاظ به حتى عودتها للمنزل وإطعام الطفل به، فالمكان الوحيد المتاح هو الحمّامات، وهى غير صالحة إطلاقًا لتقوم الأم بإجراء عملية تفريغ اللبن. أمّا من الناحية الصحية والطبية، احتباس اللبن لمدة 8 ساعات يوميًا سيؤدى فى النهاية لنقص مخزون اللبن حتى يتوقف وهو ما يدفع الأم للجوء لاستخدام اللبن الصناعى؛ لأن الصدر حفظ أن هناك 8 إلى 10 ساعات لا يرضع فيها الطفل؛ لأن تدفق اللبن عملية هورمونية بحتة، وتعتمد على عملية «المَصّ» التى يقوم بها البيبى، فكلما كان يرضع أكثر زاد تدفق اللبن وهو ما نلاحظه مثًلا فى حالة الأطفال الرضع التوأم. لذا نناشد بتوفير هذه الغرفة لتتمكن السيدة الموظفة من الاحتفاظ باللبن عبر بريست بامب حتى تعود لمنزلها وتحافظ على معدل تدفق اللبن اليومى للطفل الرضيع، من أجل توفير بيئة صديقة للطفل والأم، وهى غرفة بسيطة متوافرة وطبقتها العديد من البلدان العربية المجاورة ونأمل أن تلحق بها مصر من أجل صحة ومستقبل أبنائها. حدّثينا أكثر عن فوائد الرضاعة الطبيعية وأهميتها لصحة الطفل والأم؟ - فوائد جَمّة منها على المستوى الاقتصادى، فرضاعة الأم الطبيعية توفر على الأسرة شراء اللبن الصناعى المرتقع الثمن، أمّا الفائدة الصحية- وهى الأهم- ما أكدته الدراسات العلمية عبر سنوات أن صحة الطفل الذى يرضع طبيعيًا أفضل من قرينه ذى اللبن الصناعى المُعَرَّض للإصابة بالأمراض المناعية، السكر، الحساسية، السمنة، بينما يحظى الطفل الرضيع من لبن الأم منذ اليوم الأول بذلك السائل الذهبى- The Golden Liquid أو ما يسمى «بلبن السرسوب» أو لبن المسمار عبارة عن 20 مللى مُركزة غنية بالأجسام المضادة والخلايا الجذعية والمناعية التى تؤسّس لصحة جيدة للطفل والأم؛ حيث تحميها الرضاعة الطبيعية من الإصابة بسرطان الثدى، فالرضاعة تعود بالنفع على كل أفراد الأسرة وتؤسّس لمستقبل أفضل فيه الأبناء منتجون وبصحة جيدة ولا يعانون من الأمراض. ولكن نلاحظ أيضًا هناك تشجيعًا من بعض الأطباء على استخدام اللبن الصناعى مثل عمليات الولادة القيصرية؟ - فى الحقيقة أهتم منذ سنوات طويلة كطبيبة نسائية على تشجيع الأمهات سواء على الولادة الطبيعية والرضاعة الطبيعية، وأشرح لهن أهميتها، من خلال كورسات تدريبية عن الطرُق الصحيحة لحمل الطفل وإرضاعه، وأهمية التواصل عبر ملامسة الجلد للجلد skin to skin مع أول دقيقة لميلاد الطفل، وأهمية تناول الطفل للبن المسمار، مع معلومات شاملة حول أبرز التحديات المتوقعة وكيفية مواجهتها، فالفترة الأولى من رضاعة الطفل تكون صعبة على الأم مليئة بالتقلبات والتوتر والإجهاد والمسئوليات والتغيرات الجسمانية والنفسية، ونساعدها على تجاوزها بهدوء، حتى تصبح مرحلة الرضاعة رحلة جميلة فى حياة الأم تتذكرها بعد سنوات بالرضا والامتنان، وكل ما سبق دفعنى لإطلاق مبادرة تدعم وتشجع النساء اللواتى اخترن بإرادتهن خوض رحلة مدتها سنتين للرضاعة الطبيعية لتسهيل التجربة عليهن سواء داخل أو خارج المنزل. هل تبنت جهات تنفيذية كوزارة الصحة أو المجلس القومى للمرأة مبادرتك؟ - ربما تقصير منّى فى السعى والوصول للجهات التنفيذية، ولكن ليس لدىّ مانع من تبنيها للمبادرة من أجل مصلحة الأم والطفل، كما أناشد رجال الأعمال مثل تبرعاتهم فى بناء الوطن أن يشاركوا فى توفير هذه الغرف المخصصة لرضاعة الأمهات لتكون سهلة ومتاحة وآمنة فى المصالح العامة والنوادى، والمولات وغيرها من الأماكن.. ونأمل فى تنفيذ المبادرة وعلى كامل الاستعداد للتعاون مع الجهات التنفيذية مثل وزارة الصحة وأتمنى وصول الفكرة للمسئولين. 2