فى إطار الاهتمام بقضايا أصحاب الهمم انطلاقًا من توجهات الدولة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى نحو دمج أصحاب الهمم فى المجتمع ومشاركتهم مجتمعيًا.. أصدرت دار الإفتاء فتوى رسمية كشفت عنها فى سياق إصدارها للعدد الجديد لمجلتها الشهرية «جسور»، حيث حملت الفتوى اسم: «حكم زواج أصحاب الهمم من مرضى القصور الذهنى، وإنجابهم». وانطلقت الإفتاء فى بداية عرضها للفتوى إلى توضيح أن إحدى العبارات التى يتداولها علماء الشريعة وتدور على ألسنتهم عبارة «العقل مناط التكليف» ويقصدون بها أن العقل شرط أساس حتى يصير الإنسان مكلفًا ومطالبًا بالأحكام الشرعية، وإذا زال العقل بالكلية ارتفعت التكاليف الشرعية، وعندها يكون الشخص فاقدًا لأهلية التصرف. وقالت إنه : «فى بعض الأحوال يكون لدى الشخص بعض القصور الذهنى يجعله ناقص الأهلية، وقد فصل العلماء القول فى أحكام كل حالة وتناولوا كل التصرفات التى تتعلق بهؤلاء وبينوا ما يصح وما لا يصح واضعين فى الاعتبار مصلحة أصحاب هذه الحالات، ومن ذلك حكم زواج ذوى الهمم وإنجابهم. واستطردت أن «الزواج حق من حُقوقِ المعاق ذهنيًّا؛ ثابت له بمقتضى الجِبِلَّة والبشريَّة والطَّبع؛ لأنه إنسان مُرَكَّبٌ فيه الشهوةُ والعاطفةُ، ويحتاج إلى سَكَنٍ ونَفَقَة ورعاية وعناية، شأنه شأن بقية بنى جنسه، مع زيادته عليهم باحتياجه لرعاية زائدة فيما يرجع إلى حالته الخاصة. وأوضحت الفتوى: إن ذلك الحق ثابت له طبعًا، فهو ثابت له شرعًا؛ فإذا كانت الشريعة قد أجازت للمجنون جنونًا مُطبقًا أن يتزوج، فإن من كان فى مرتبةٍ دون هذه المرتبة -كالمعاق إعاقة ذهنية يسيرة- يكون زواجه جائزًا من باب أولى، ولا حرج فى ذلك، ما دام المعاق مَحُوطًا بالعنايةِ وَالرعايةِ اللازمتين. ومع هذا قالت الإفتاء: إن الزواج عقدٌ من العقود، متى توفرت فيه أركانه وشرائطه صَحَّ وترتبت عليه آثارُه، ومن شروط صِحَّة العقود: أهليةُ المتعاقدَين، فإذا اختَلَّت هذه الأهلية بعارِضِ الجنون أو العَتَه: لم يَصِح للمجنون -ونحوه- أن يُباشِر الزواجَ بنفسه، ولو فَعَله لم يَنعَقد العقد؛ وذلك لأن النكاح تَصَرّفٌ مُتَوقِّف على القصد الصحيح، وهو لا يوجد إلا مع العَقل. أضافت: «إنه بسبب هذا الاختلال فى الأهلية، فإن الشَّرعَ قد أثبت سلطة ولاية أمر المجنون للغير؛ لأجل تحقيق الحفظ والصيانة له، وبموجب هذه السُّلطة يقوم الوليُّ برعاية شؤون المُولى عليه المتعلقة بشخصه.. ومن التصرفات التى يجوز للولى إيقاعها: تزويج المجنون الذى تحت ولايته؛ لمصلحة إعفافه أو إيوائه وحفظه وصيانته». واستشهدت دار الإفتاء بقول الإمام النووى الشافعى : «إن كان المجنون كبيرًا لم يُزَوَّج لغير حاجة، ويُزَوَّج للحاجة، وذلك بأن تظهر رغبته فيهن؛ بدورانه حولهن، وتعلقه بهن، ونحو ذلك، أو بأن يحتاج إلى مَن يخدمه ويتعهده ولا يجد فى محارِمه من يُحَصِّل هذا.. أو بأن يتوقع شفاؤه بالنكاح، وإذا جاز تزويجه تولاه الأب، ثم الجد، ثم السلطان، دون سائر العصبات، كولاية المال، وإن كان المجنون صغيرًا لم يصح تزويجه على الصحيح». تصرفات أولياء ذوى الهمم وعن تصرفات أولياء ذوى الهمم فيما يتعلق بشئونهم أكدت الإفتاء أن المقصودَ من هيمنة الأولياء والأوصياء والكُفلاء هو محض المصلحة للمُولَى عليه والمُوصَى عليه والمكفول، لا أن يتحوَّلَ الأمرُ إلى تجارةٍ للرقيقِ الأبيض فى صُورةِ استخدام هؤلاء المعاقين استخدامًا غير آدمى وغير أخلاقى. وأوضحت أن الأصل أن القَيِّم والوالدَين أو أحدهما تكون تصرفاته تجاه المعاق مقيدة بالمصلحة، دائرة معها؛ فإن كان فى مصلحته من الناحية النفسيَّة أو الصحيَّة أو حتى الماديَّة الزواج، فلا يجوز له الحيلولة بينه وبين ذلك، بل قد يمكن التأليف بين الحالات المتشابهة أو القريبة التشابه لإحداث الزواج بينها من خلال الجمعيات الموثوقة والروابط التى تنتظم أمثالَ هؤلاء المعاقين ذهنيًّا، ويكون تأخير القائمين على هؤلاء فى جلب مصلحة لهم -حيث توفرت مقدماتها- فيه تقصيرٌ وإثمٌ بقدر تحقُّقِ تخلُّفهم عن توصيل هذا الخير الذى يغلب على الظن حصوله للمعاقين. ولفتت دار الإفتاء المصرية إلى صدور فتوى حول زواج المعاقين ذهنيا من دار الإفتاء الأردنية تؤكد أنه «يمكن القول بتقييد زواج من ابتلى بعاهة، أو مرض منَفِّرٍ، أو ينتقل إلى غيره، أو إلى نسله، سواء كانت العاهة عقليةً، أو بدنيةً، أو نفسيةً، وتقييد زواج من ابتلى بإعاقة، أو عاهة وراثية، بإذن القاضى الشرعى، قياسًا على مَن به جنون، أو عَتَهٌ يُفَوِّتُ المصلحة من الزواج. وأضافت أنه يكون الأمر مفوضًا لرأى القاضى الشرعى، وتقديره للمصلحة، على أن ينظر فى كل حالة على حدة، بعد الاستناد لتقرير طبى معتبر من لجنة طبية مختصة، تفيد أن المريض لا أمل فى شفائه من هذه العاهة أو العلة، وأن زواجه من شأنه أن يولِّد هذه العاهات، فللقاضى منع هذا الزواج قبل العقد من باب أولى؛ لأن الزواج فى هذه الحالة يُفَوِّتُ المصلحةَ المقصودة منه، ويسبب الحرج أو الضرر لأى من الزوجين أو لكليهما، والقاعدة الشرعية تقول: (الضرر يزال). إنجاب ذوى الاحتياجات الخاصة وفيما يتعلق بإنجاب المتزوجين من أصحاب الهمم قالت دار الإفتاء المصرية: إن مرجعُ ذلك إلى الخبراء وأهل الاختصاص، وهم من يُعرَف من خلالهم درجة المصلحة والمفسدة فيما يترتب على الإنجاب أو عدمه أو تأخيره أو تحديده بحسب المصلحة لكل حالة على حِدَتها، وهؤلاء هم الذين يستطيعون الحكم على قدرة المعاق ذهنيًّا على رعاية الأولاد فى المراحل العمرية المختلفة من عدمها، وهل فرص حدوث توريث للمرض الذهنى والعقلى قائمة؟ وما نسبة ذلك؟ وهل هذا الإنجاب يؤثر سلبًا على حالة الأب أو الأم؟ وغيرها من النظرات الاختصاصية التى يترجح معها الإنجاب أو عدمه، ويكون ذلك تحت رعاية وعناية وليِّ المعاق، وقد يحتاج الأمر للقاضى عند اللزوم أو التنازع. واختتمت دار الإفتاء المصرية فتواها بالتأكيد على أربعة أمور أولها أن الزواج حق من حقوق المعاق ذهنيًّا؛ لأنه إنسان مُرَكَّبٌ فيه الشهوةُ والعاطفةُ، ويحتاج إلى سَكَنٍ ونَفَقَة ورعاية وعناية، شأنه شأن بقية بنى جنسه. وثانى تلك الأمور أن الشرع الشريف أجاز للمجنون جنونًا مُطبقًا أن يتزوج، فإن من كان فى مرتبةٍ دون هذه المرتبة -كالمعاق إعاقة ذهنية يسيرة- يكون زواجه جائزًا من باب أولى، ولا حرج فى ذلك ما دام المعاق مَحُوطًا بِالعنايةِ والرعاية اللازمتين. أما الأمر الثالث فهو أنه لا يجوز للمُعاقِ إعاقة ذهنية أن يُباشِر عقد الزواجَ بنفسه، ولو فَعَله لم يَنعَقد العقد؛ وذلك لأن النكاح تَصَرّفٌ مُتَوقِّف على القصد الصحيح، وهو لا يوجد إلا مع العَقل، لذلك فإن وليَّ أمرِ المعاق هو مَن يزوِّجُه. بينما أوضح الأمر الرابع أن إنجابُ المعاقين بعد الزواج أمرٌ يُرجَع فيه إلى أهل الاختصاص لتحديد ما يترتب على الإنجاب أو عدمه أو تأخيره أو تحديده من مصالح ومفاسد. 1