فى كل عمل يقدمه الفنان «أحمد مكى» يثبت بما لايدع أى مجال للشك، أن مسائل «القبول» و«الكاريزما»، و«خطف الأضواء»، إلهية، وليس لدينا أى يد فيها كبشر، ومهما حاولنا كنقاد وإعلاميين وصحفيين ومتخصيين من كتابة تحليلات وتفسيرات لهذه الأمور، فينتهى الأمر دائما بالفشل. ولكن كل هذا لا يعنى أن من «وهبه» الله كل هذه الأشياء، سيحقق النجاح فى كل عمل يقدمه، فالأهم من كل ذلك، هو كيفية توظيف «الموهبة» لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة. «أحمد مكى» بعيداً عن عالم التمثيل، يقدم أغانى راب، وإذا صح تقسيم الفترة الزمنية لظهور «الراب» فى مصر إلى فترتين، ف«مكى» قطعاً سيكون من نجوم الفترة الأولى، أو ما يطلق عليهم ال«old school»، بل بحسابات الأرقام، والتأثير، والانتشار، هو الأهم من بينهم، حتى وإن لم يكن هو الأكثر موهبة فى طريقة «الإلقاء»، ولكنه تميز وتفرد عن الجميع بقدرته على تمصير المنتج الغنائى الأمريكى «الراب» وتقديمه للجمهور العربي، بهوية وصبغة مصرية. «مكى» عبر عن هذا المفهوم بنفسه فى أغنية (كل زمان) والتى قال فيها: «ولسانى كمان مش معووج.. بتكلم بطريقة عادية.. مش زى الراب الموجود.. فى كتير منه بلكنة غبية»، وفى مقطع آخر «ومش بقلد الأمريكان..»! هذا الكلمات الواضحة تبين لنا مفهوم «مكى» وفلسفته فى تقديم الراب، الذى حاول «لى ذراعه» بمعلومات مغلوطة لدرجة أنه صنع ألبومًا غنائيًا خصيصًا ليرسى قاعدة أن «الراب» أصله عربى، وهذا غير صحيح، لأن الراب صناعة أمريكية بنسبة 100 %، ولكن هذا لا يعنى أن الفن يتجاوز الثقافات والحدود ويستطيع أى شخص فى أى ثقافة، أو أى نطاق جغرافى معين، يقدم ما يراه مناسبًا لجمهوره، بشرط أن يطعمه بما يعبر عن هويته وجذوره، وهذا ما كان يفعله «مكى» فى الماضى، والمثال الأوضح على هذا هو تتر مسلسل (الكبير) والذى كانت تدور أحداثه فى صعيد مصر، فاستمعنا إلى اقتباس موسيقى لرائعة العربى «فرحان البلبيسى»، (أول ما كتب القلم)، بالربابة والناى، واستخدام صوت حيوان «الحمار» كمكون من مكونات التوزيع الموسيقى للتعبير عن خصوصية المكان، وأيضًا النطق باللهجة الصعيدية بإيقاع «مفهوم» ليفهم كل الجمهور «العام» الغرض من التتر، سواء كان محبًا للراب أم لا. كل هذا سقط على الأرض بعد فترة غياب «مكى» من الساحة الغنائية، وفترة التذبذب التى مر بها، وصعود جيل جديد يتزعمه «ويجز ومروان بابلو» بهوية موسيقية مختلفة، وبتحقيق نسب مشاهدات مرتفعة تجاوزت نجاحات «مكى» القديمة، ليجد نفسه فى حيرة من أمره، هل يعود للجمهور بأسلوبه القديم؟ أم يخضع لأحكام «الموجة الجديدة» لدرجة تجعل «مكى»، «يرص» الكلمات أسرع من «ويجز» نفسه، وبلسان «معووج»، وبكلمات تتداخل فيها العامية المصرية مع الإنجليزية. وإذا كان عنوان الأغنية (أقوى ميكس) فبكل حيادية، ما استمعت إليه هو أسوأ ميكس، لأن ليس هناك ترابط بين الاثنين، وكأننى أستمع إلى أغنيتين منفصلتين، أغنية أولى لرابر «متخبط» يدخل فى صراع مع نفسه لاسترجاع نجاحاته السابقة ألا وهو «مكى»، وأغنية أخرى لرابر واثق من نفسه، متزن فنيًا، يعلم أنه لا يحتاج أن يثبت لأحد أى شىء، وانعكس هذا على أدائه ومصداقية ما يقدمه مع الصورة الذهنية التى رسمها بنفسه للجمهور. ويجب أن نفرق بين عالم التمثيل وعالم موسيقى الراب، فالراب هو غناء ذاتى، يعتمد فى الأساس على التكوين الثقافى للمؤدى، عكس التمثيل الذى يجسد فيه الفنان شخصيات لا تمت لتكوينه الثقافى بأى شكل، فمن غير المقبول أن يقدم «الرابر» لنا نفسه بهوية ثقافية وموسيقية لها قواعدها التى أسسها على مدار سنوات متتالية، ثم يأتى بعد ذلك ليهدم كل قواعدها ويقدم لنا صورة متناقضة تماماً عن التى قدمها لنا قبل ذلك، ولكل هذه الأسباب لم أصدق «مكى»!