«مصر حلوة بس انتوا.......»، مقولة اشتهر بها محمود البدرى الذى يُعرِّف نفسه ب«أغنى شاب فى مصر».. عندما تتجول داخل صفحته الشخصية، التى يتابعها مئات الآلاف على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»؛ ستجد نفسك أمام منشورات استعراضيّة «للثراء الفاحش»؛ يقابلها تعليقات شبابية غاضبة تتساءل: «أنت ابن مين فى مصر؟».. تعليق من بضع كلمات من الشاب العشرينى «محمود البدرى» على الصفحة الرسمية للفنان المتهم بالتطبيع؛ دعمًا له فى أزمته الأخيرة كانت كفيلة بكشف «ما وراء أفكاره»، فمن «بنحبك من تل أبيب» فى 2020، رجوعًا إلى «يحيا داعش» فى 2015، كانت نتيجة البحث حول رحلة صعود «الثرى الغامض»، فالسوشيال ميديا التى صنعت مجده الزائف قد تصبح بئر سقوطه؛ بكشف لغز أغنى شاب فى مصر. البحث وراء «الثرى الغامض» «شوفت الشاب إلى خد عيدية 17 ألف دولار؟»، سؤال من أحد الأصدقاء الغاضبين؛ أثار فضولى وبدأت معه رحلة البحث خلف «الثرى العشرينى»، مع بداية شهرته عام 2017؛ حساب غير موثق على «فيسبوك» لشاب حديث التخرج فى كلية الأسنان بإحدى الجامعات الخاصة، يتابعه بضعة آلاف وصلوا لمئات الآلاف خلال أيام؛ بعد منشور أعلن فيه حصوله على «عيدية» 17 ألف دولار من أسرة والدته؛ ردًا على عيدية أسرة والده التى أعطته 17 ألف جنيه أيضًا؛ ليبدأ حينها بتوثيق حسابه، ونشر المزيد من منشورات الثراء الفاحش، فمن ساندوتش الذهب، الذى أثار غضب الفتيات «مش عارفين نلبسه هناكله إزاى.. حسبى الله ونعم الوكيل فيك»، إلى سيارات فارهة يختارها حسب ألوان ملابسه؛ ومن هنا بدأ جملته «مصر حلوة بس انتوا..»، التى يستكملها بكلمات تتغير وفقًا لطريقة استعراضه اليومى،الأمر الذى اعتبره الكثيرون نوعًا من التعالى،كأن ينشر صورة لسيارته ويكتب «مصر حلوة بس انتوا.. مركبتوش لامبورجينى». حتى قرر بعد ذلك أن ينقل استعراضه جوًا، أثناء رحلاته بطائرات خاصة، وزعمه امتلاك إحداها، وفى إحدى مرات سفره كتب: «سافر أوروبا..أنت لست شجرة»، ونشر صوره أثناء إقامته بفيلات وفنادق مختلفة، كما زعم أنه أهدى شقيقته طائرة خاصة: «جبتلك طيارة pink علشان متلعبيش فى طيارتى تانى». استياء وشعور بالإحباط وسؤال متكرر عن السر وراء ذلك الشاب، هو ملخص للعديد من تعليقات الشباب على منشوراته، التى رآها الكثير من متابعيه «استفزازية»، فأحد منشوراته كانت «شيك» بنصف مليون جنيه من والده لشراء «ملابس الشتاء»، الأمر الذى دفعنا للتحقُّق من صلاحية الشيك؛ فأكد أحد المصرفيين لروز اليوسف؛ أنه شيك «مضروب» وسيتم القبض على حامله حال استخدامه، إضافة للعديد من المنشورات الأخرى، التى انتهج فيها الطريقة نفسها، وآخرها قبل أيام «أنا خارج من 2020 ب200مليون جنيه.. أنت خارج بإيه». ذكريات فيسبوك فضحته! «البدرى» ظهر فى عدة لقاءات إعلامية، وتحدث عن أنه اتخذ تسويق وترويج المنشورات عملًا له على السوشيال ميديا، ورغم رفضه فى البداية الإفصاح عن أرباحه؛ خشية تطبيق ضرائب على أمواله؛ خاصة بعدما تردد حينها عن مقترحات بمجلس النواب لتطبيق الضرائب على إعلانات السوشيال ميديا، إلا أنه عاد ليعلن أنها تتخطى 700 ألف جنيه شهريًا. ولكن ما لم يفصح عنه «أغنى شاب فى مصر»؛ هى أفكاره، التى كشفت عنها «ذكريات فيسبوك»، ففى عام 2014 نشر محمود البدرى «قبل شهرته»، صورة لذكرى اعتصام أنصار جماعة الإخوان «الإرهابية» بميدان رابعة؛ معلقا «اشتقنا لك»، ومن بعدها منشور فى مطلع يوليو من العام ذاته؛ يتهكم فيه على ثورة 30 يونيو، خلال الاحتفال بذكراها الأولى، وفى أغسطس، قرر الاحتفال بعيد ميلاد «المعزول» محمد مرسى،ثم اتبع ذلك فى العام 2015 بمنشور كتب فيه: «يحيا تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»..رسالة موقعة بالدماء». لم يتحدث «البدرى» أو يكشف إلى الآن عن أفكاره القديمة؛ ظنًا بأنها توارت بعدما حذفها من صفحته الشخصية، ولكنه عاد فى 2020 ليدفعنا للبحث عما وراء أفكاره، بعدما كتب تعليقًا على الصفحة الرسمية للفنان محمد رمضان؛ دعمًا له فى أزمته الأخيرة «بنحبك من تل أبيب» مقترنًا بشعار العلم الإسرائيلى، ليسارع كعادته بحذف تعليقه، بعد الهجوم الذى لاقاه من متابعيه؛ ولكن «بعد فوات الأوان». «خلايا نائمة» قال اللواء سمير فرج، الخبير الاستراتيجى ومدير إدارة الشئون المعنوية الأسبق، إن هناك «خلايا نائمة» تنشط ككتائب إلكترونية لجماعة الإخوان «الإرهابية»، تطلق حملات عبر السوشيال ميديا؛ لزعزعة العقيدة الإيمانية لدى الشعب المصرى،وخلق حالة شحن خاصة لدى شريحة الشباب، كتصدير رسائل أن وجود فوارق اجتماعية بين شرائح المجتمع أمر مقصود، أو أن التطبيع مع إسرائيل مرحب به. وأضاف فرج ل«روز اليوسف»، أن هذه الأفكار تهدف إحداث ضرر مجتمعى ومحاولة تدمير الشعب المصرى ذاتيًا، كأحد أساليب حروب الجيل الرابع، موجهًا رسالته للشباب بعدم متابعة تلك النماذج السلبية، أو الانجراف خلف تلك الأفكار، والوقوف خلف أجهزة الدولة والرئيس السيسي؛ لاستكمال مشوار النجاح، الذى بدأه بتوفير حياة كريمة للمواطنين، وتمكين الشباب والمرأة بالمناصب القيادية. «فيروسات فيسبوكية» من جانبها، قالت الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع السياسى،إن المجتمع المصرى تأثر كثيرًا خلال الفترة الماضية من الدراما السلبية، بإيصال صورة خاطئة عن شرائح المجتمع؛ وأن الاختيار يكون ما بين الثراء الفاحش ل«أغنياء الصدفة»، أو الفقر المدقع المقترن بالجريمة. وأضافت زكريا ل «روز اليوسف»، أن العالم الافتراضى أصبح هدف قطاع من الشباب لجذب المتابعات وجنى الأموال، وانتشرت معه ثقافة «اللى معاه قرش يساوى قرش»، على عكس ما تربت عليه الأجيال السابقة من ثقافة «من جد وجد»، ونتيجة لانتشار تلك النماذج، تراجعت ثقافة الكفاح وقيم الإنتاج والإنجاز؛ مؤكدة أن الجيل الحالى يتم حقنه بفيروسات «فيسبوكية». اعتبرت أستاذ علم الاجتماع، أن النماذج المماثلة ل«أغنى شاب فى مصر» تمارس الإجرام مع سبق الإصرار؛ بتهمة استفزاز الشباب وشحنهم، مشيرة إلى أنه قد يكون موجهًا لصالح جهات معينة لنشر حالة من الفوضى والارتباك المجتمعى،الذى يُحدث نتائج سلبية لدى الشباب كالرغبة فى الانتحار؛ نتيجة المقارنة مع «أغنياء الصدفة» من نفس الفئة العمرية. وطالبت بضرورة مواجهة وعلاج النماذج السلبية، التى تستهدف الشباب سواء من خلال السوشيال ميديا أو الدراما؛ بإعادة نشر البهجة، وتغيير مناهج التربية والتعليم للنشء، والبدء فى غرس القيم السليمة من المراحل الأولى بالتعليم الأساسي؛ لبناء جيل سعيد وقوى ومكافح. خديعة ونرجسية وبشأن التحليل النفسى والسلوكى ل «أغنى شاب فى مصر»، قال الدكتور إبراهيم مجدى حسين، أخصائى الطب النفسى، إن أفعاله ومنشوراته على السوشيال ميديا خاصة جملة «مصر حلوة بس انتوا..» التى اشتهر بها؛ توضح أنه من الشخصيات النرجسية، التى لديها حب استعراض، كبعض الفنانين الذين ظهروا على الساحة مؤخرًا. وأضاف حسين ل«روز اليوسف»، أن تلك الممارسات الاستفزازية من بعض مشاهير الفيسبوك؛ بمحاولة الظهور بصورة «الثرى» دون الكشف عن طريق نجاحه أو كيفية جنى أمواله، تُحول الأمر لخديعة مقصودة بترسيخ فكرة الثراء السريع، الذى ينتج عنه العديد من التأثيرات النفسية السلبية، بأن يصبح الشاب ناقمًا على المجتمع، خاصة فى ظل صعوبات الحياة التى تواجههم.