والله فكرة.. أن نحاسب رموز الفساد علي الهواء مباشرة.. ومن خلال شاشات التليفزيون في البيوت.. نتابع ونتفرج علي التحقيقات والمحاكمات والملابسات التي أدت بنا إلي هذا الحال المائل.. حيث دخلنا عصر المليار بسرعة الصاروخ.. وكنا في الماضي وفي عهد الأبيض والأسود نعاني الفساد أيضاً.. لكنه كان فساداً مؤدباً ملموماً.. وكان الاختلاس عبيطا.. وأبوالعروسة عماد حمدي اختلس مائة جنيه من العهدة ليزوج ابنته.. فقامت الدنيا حوله ولم تقعد..! في بلاد الخواجات يعرفون الفساد أيضاً.. وهناك يؤمنون أن الفساد شيء طبيعي وضعف إنساني.. لكنهم لا يدفنون الرؤوس في الرمال.. وهناك لا أحد فوق الحساب والنقد والمساءلة.. وعندهم من حق الجماهير أن تعرف ما كان يدور بالضبط وراء الكواليس.. وما خفي من بواطن الأمور.. وهناك كل شيء علي عينك ياتاجر.. وهذا فالفساد في بلاد الخواجات فساد محدود محدود.. فساد عبيط وطيب وعلي نياته.. ولهذا لا يسمح المجتمع الغربي لواحد فاسد بإفساد ذمم الآخرين بالرشوة أو بالتربح أو التهديد أو زغللة العيون بالزلمكة والفيللا في المدن الجديدة والمرتب كام مائة ألف جنيه..! في بلاد الغرب يؤمنون أن المجتمع الفاسد ليس هو المجتمع الذي تعشش فيه عصابات الفساد.. وإنما هو الذي يتستر علي تلك العصابات ويسمح لأفرادها بأن تسكن في الشقة المقابلة.. وأن يتولي رموزها منصب البيه المدير والباشا الضابط. في إيطاليا.. يحاكمون الآن رؤوس الفساد علي الهواء مباشرة.. حيث يتابع الملايين في المساء والسهرة محاكمات البهوات الفاسدين في الحكومة والمعارضة.. وكل يوم يقف الرئيس بيرلسكوني أمام البيه القاضي يقر بشهادته ويفتح خزائن أسراره.. يتابعها المحلفون والجمهور علي السواء. وفي الولاياتالمتحدة.. حاكموا الفاسدين في قاعات ضخمة نقلها التليفزيون للجماهير في البيوت.. واحتلت تلك التحقيقات والمحاكمات اهتمام معظم المحطات التليفزيونية التي تنافست علي نقل وقائع التحقيق بالتفصيل الممل. وحتي في فيتنام.. نقل تليفزيون الدولة محاكمات الكبار.. وهناك يعاقبون بالإعدام كل من سرق أموالا عامة تزيد قيمتها علي خمسين ألف دولار!! ومن الواضح إذن.. أنهم في بلاد الخواجات يعانون أزمة في برامج التليفزيون المسائية.. وندرة في إعلانات السمنة والصابون.. لأن المسئولين هناك قد قرروا جمع شمل العائلة من جديد حول حكايات حقيقية.. والمهم أنها طازة تعرض علي الهواء بدون رقابة أو مونتاج.. لتفاصيل الأحداث التي تهز مجتمعاتهم علي واحدة ونص. ولماذا ونحن نقلد الغرب تقليداً أعمي.. لماذا لا ينقل التليفزيون تفاصيل التحقيقات والمحاكمات.. عسي أن تكون رادعاً لمن تسول له نفسه في المستقبل.. وعلينا أن نبدأ بكبار اللصوص وشيوخ المنسر الذين هبروا المليارات من المال العام.. وبعد إعدامهم لا مانع من محاكمة اللصوص النص نص.. الذين هبروا كام ميت مليون.. وغدا يأتي الدور علي حرامية الغسيل ولصوص الفراخ ونشالين الأتوبيسات.. والهدف خلق مجتمع نظيف خال من السرقة والأونطة وشغل الثلاث ورقات.. مجتمع يتساوي فيه الجميع.. حيث لا فارق بين مواطن وآخر إلا بمقدار الجهد والعرق والإنتاج.. لا بالسرقة والفهلوة وتفتيح العين.. وحتي نستعيد من جديد مجتمع زمان.. مجتمع الأبيض والأسود.. حيث كان اختلاس مائة جنيه جريمة كبري.. تقوم بعدها الدنيا ولا تقعد..!!