وزير الري يتابع إجراءات تطوير منظومة إدارة وتوزيع المياه في مصر    سعر الذهب اليوم الأربعاء 7-5-2025 في مصر وعيار 21 الآن بعد الارتفاع الكبير (تحديث رسمي)    سعر اللحوم الحمراء اليوم الأربعاء 7 مايو    عاجل- السيسي يتوجه إلى أثينا لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين مصر واليونان    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار فى اليمن مع الولايات المتحدة    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    «عقدة راسخة».. رقم سلبي يثير مخاوف أرسنال أمام باريس سان جيرمان بدوري الأبطال    «الأرصاد» تحذر من ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة    السيطرة على حريق بسيارة ملاكي بدار السلام في سوهاج    كندة علوش تكشف علاقتها بالمطبخ وسر دخولها التمثيل صدفة    بعد حفل زفافها.. روجينا توجه رسالة ل «رنا رئيس»| شاهد    إحالة عاطلين للمحاكمة الجنائية لسرقتهما 6 منازل بمدينة بدر    وسط اشتباكات عنيفة بين قوات البلدين .. الجيش الباكستاني يعلن إسقاط خمس طائرات حربية هندية    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأربعاء 7 مايو 2025 م    كندة علوش عن تجربتها مع السرطان: الكيماوي وقعلي شعري.. اشتريت باروكة وما لبستهاش    مهرجان «كان».. مشاركات قياسية والتأكيد على دعم الأصوات السينمائية الجديدة    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 7 مايو 2025.. حديد عز ب39 ألف جنيه    أسعار الفراخ اليوم الأربعاء 7-5-2025 بعد الزيادة الجديدة.. وبورصة الدواجن الآن    النائب عمرو درويش: لا إلغاء تلقائي لعقود الإيجار القديم.. والمحاكم هي الفيصل حال عدم صدور قانون    المجلس الوطنى الفلسطينى يجدد الدعوة للمجتمع الدولى للتحرك العاجل لوقف جرائم الاحتلال    مواعيد امتحانات العام الدراسي المقبل لصفوف النقل والشهادات الدراسية 2026    موعد مباراة مصر وتنزانيا في كأس أمم إفريقيا تحت 20 سنة والقنوات الناقلة    أمير مرتضى منصور: «اللي عمله الأهلي مع عبدالله السعيد افترى وتدليس»    مباراة برشلونة وإنتر تدخل التاريخ.. ورافينيا يعادل رونالدو    تحرير 30 محضرًا في حملة تموينية على محطات الوقود ومستودعات الغاز بدمياط    كندة علوش تروي تجربتها مع السرطان وتوجه نصائح مؤثرة للسيدات    فيديو خطف طفل داخل «توك توك» يشعل السوشيال ميديا    سيد عبد الحفيظ يستبعد إعادة مباراة القمة ويعلّق على أزمة زيزو ورحيله عن الزمالك    إريك جارسيا يلمح لتكرار "الجدل التحكيمي" في مواجهة إنتر: نعرف ما حدث مع هذا الحكم من قبل    ترامب يعلّق على التصعيد بين الهند وباكستان: "أمر مؤسف.. وآمل أن ينتهي سريعًا"    عاجل.. الذهب يقفز في مصر 185 جنيهًا بسبب التوترات الجيوسياسية    شريف عامر: الإفراج عن طلاب مصريين محتجزين بقرغيزستان    متحدث الأوقاف": لا خلاف مع الأزهر بشأن قانون تنظيم الفتوى    الذكرى ال 80 ليوم النصر في ندوة لمركز الحوار.. صور    حبس المتهمين بخطف شخص بالزاوية الحمراء    اليوم| أولى جلسات استئناف المتهم بالنصب على نجم الأهلي مجدي قفشة    موعد إجازة مولد النبوي الشريف 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    «كل يوم مادة لمدة أسبوع».. جدول امتحانات الصف الأول الثانوي 2025 بمحافظة الجيزة    «تحديد المصير».. مواجهات نارية للباحثين عن النجاة في دوري المحترفين    موعد مباريات اليوم الأربعاء 7 مايو 2025.. إنفوجراف    المؤتمر العاشر ل"المرأة العربية" يختتم أعماله بإعلان رؤية موحدة لحماية النساء من العنف السيبراني    كوكلا رفعت: "أولاد النيل" توثيق لعفوية الطفولة وجمال الحياة على ضفاف النيل    مُعلق على مشنقة.. العثور على جثة شاب بمساكن اللاسلكي في بورسعيد    ألم الفك عند الاستيقاظ.. قد يكوت مؤشر على هذه الحالة    استشاري يكشف أفضل نوع أوانٍ للمقبلين على الزواج ويعدد مخاطر الألومنيوم    مكسب مالي غير متوقع لكن احترس.. حظ برج الدلو اليوم 7 مايو    3 أبراج «أعصابهم حديد».. هادئون جدًا يتصرفون كالقادة ويتحملون الضغوط كالجبال    الهند: هجومنا على باكستان أظهر انضباطًا كبيرًا في اختيار الأهداف وطريقة التنفيذ    الهند: أظهرنا قدرا كبيرا من ضبط النفس في انتقاء الأهداف في باكستان    من هو الدكتور ممدوح الدماطي المشرف على متحف قصر الزعفران؟    أطباء مستشفى دسوق العام يجرون جراحة ناجحة لإنقاذ حداد من سيخ حديدي    طريقة عمل الرز بلبن، ألذ وأرخص تحلية    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر: الشريعة الإسلامية لم تأتِ لتكليف الناس بما لا يطيقون    وزير الأوقاف: المسلمون والمسيحيون في مصر تجمعهم أواصر قوية على أساس من الوحدة الوطنية    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر بعد مبارك

في الرابع والعشرين من نوفمبر 2008 صدرعن جامعة برينستون الأمريكية كتاب بعنوان «مصر بعد مبارك: الليبرالية والإسلام والديمقراطية في العالم العربي» وقد لفت نظري إلي هذا الكتاب آنذاك عدة أمور أهمها أنه يؤكد علي أن العالم يستعد، منذ سنوات، لمرحلة ما بعد مبارك، وعلي أن هذا الاستعداد بدأ من داخل كثير من المؤسسات المصرية الرسمية والشعبية المهمة. أدرك العالم منذ سنوات، إذن، ضرورة التغيير ولم تدركها مؤسسة الرئاسة والمعبرون عنها. والرؤية التي يعرض لها مؤلف هذا الكتاب بروس تضع الإسلام السياسي، وخاصة الإخوان المسلمين، في مركز الصدارة بين القوي التي تعمل علي التغيير، وهذا مالا نوافقه عليه، وهو أيضا ما أثبتت عكسه انتفاضة الخامس والعشرين من يناير.
لكن هذه الرؤية لا تمضي إلي حد الانجراف إلي الرأي الشائع في كثير من الأوساط الإعلامية والأكاديمية التي كانت - ولاتزال - تعتبر أن السماح للإخوان بموقع بين الأطراف المحاورة للسلطة في مصر يعني أن البلاد تتجه صوب خومينية جديدة أو صوب أردوغانية جديدة. وينعكس التوازن لدي راذرفورد فيما انتهي إليه الكتاب من أن قوي المعارضة العلمانية والدينية، علي السواء، تنتهج طريقا وسطا يمكن أن يفضي بمصر إلي شكل غير مسبوق من الليبرالية المسلمة، بل ربما يصل الأمر إلي ديمقراطية مسلمة.
- مؤشرات إلي النهاية
ويعتبر الكتاب أن تصويت البرلمان المصري بأغلبية ساحقة، كما هو معتاد منذ 1957 ، لصالح تجديد العمل بقانون الطوارئ في الثلاثين من نوفمبر2006 جاء في سياق مؤشرات واضحة إلي تصدعات قوية آذنت بنهاية تلك الحقبة من تاريخ البلاد. لقد بدأ العمل بقانون الطوارئ في1967 ولم يعطل إلا لفترة وجيزة من15 مايو 1980 إلي 6 أكتوبر1981 ومنذ عاد العمل بذلك القانون السيئ السمعة وهو يحوز موافقة البرلمان الخاضع لسيطرة الحزب الحاكم. لكن إقرار البرلمان بتمديد العمل به في 2006 كان نذير شؤم.
فالموافقة هذه المرة لم تكن انتصارا مؤزرا للرئيس مبارك كما كان يحدث من قبل. ففي الرابع والعشرين من يناير، أي قبل التصويت لصالح قانون الطوارئ بعدة أشهر، صدرحكم من المحكمة الدستورية العليا يقلص، علي نحو ملحوظ، قدرة الرئيس علي استخدام قانون الطوارئ للافتئات علي حقوق الملكية الخاصة للمواطنين، ويوجه اللوم لرئيس الحكومة علي اللجوء لقانون الطوارئ علي نحو ينتهك الحقوق الدستورية للمواطنين. واعترضت منظمات أهلية عديدة، كانت بينها جماعة الإخوان المسلمين، ومطبوعات وقنوات فضائية مصرية غير حكومية علي قانون الطوارئ الذي خرج المتظاهرون إلي الشوارع للاحتجاج عليه مرات عديدة.
وكان واضحا للمراقب المدقق آنذاك أن الموقف السياسي في البلاد ينطوي علي تناقض واضح.
فالنظام المتسلط ينعم باستقرار واضح ويدعم مركزه بمزيج من أدوات العمل القانونية والمتجاوزة للقانون، وفي الوقت ذاته فالبلاد تملك قضاء قويا مفعما بالحيوية وقادرا علي الحد، نسبيا، من تسلط النظام ليس في ساحات المحاكم فحسب ولكن أيضا في نادي القضاة الذي يجابه السلطة التنفيذية الجائرة ويعمل بقوة لحشد التأييد للتوجهات الإصلاحية. وكذلك فإن منظمات المجتمع المدني، التي يعتبر المؤلف أن جماعة الإخوان المسلمين هي أقواها نفوذا وتأثيرا علي الشارع، أظهرت معارضة قوية للتسلط.
ويرد راذرفورد علي أولئك الذين كانوا يعتبرون وقت صدور الكتاب في 2008 - أن كل حركة سياسية خارج النظام هي حركة غير ذات شأن بقوله إن ما حدث في مصر منذ تسعينيات القرن الماضي أدي إلي أن يصبح «النظام الدولتي» الذي أسسه عبدالناصر غير فعال بعد أن نالت منه الأزمات الاقتصادية وبعد إعادة هيكلة الاقتصاد والاندماج في النظام العولمي. وقد تجلت هذه التحولات في تراجع دور القطاع العام ونظام الدعم. كل هذا أضعف الأساس الإيديولوجي الذي قامت عليه الدولة منذ .1952
فهل يعني ذلك أن الدولة المصرية منذ التسعينيات تتواري وتغرب شمسها؟ بالقطع لا، لكنه يعني أن الدولة لم تعد مهيمنة علي الاقتصاد وهذا يوفر الفرصة لظهور أيديولوجيات ومؤسسات جديدة أهمها بنظر المؤلف نمو مفاهيم ليبرالية في مؤسسة القضاء وانتشار مبادئ الحكم الليبرالي بين كل القوي المعارضة وفي صفوف الإسلاميين، بل بين قطاع واسع من رجال الأعمال وبعض العناصر المهمة في الحزب الوطني. وهذا يعني أن مصر تمضي باتجاه تعميق الليبرالية وربما الديمقراطية أيضا.
- الليبرالية والديمقراطية
وهنا لابد أن نشير إلي الفارق بين الليبرالية والديمقراطية. ويطرح علماء السياسة أفكارا كثيرة للتمييز بين الاثنتين، لكن يكفي هنا أن نقول إن تركيز الليبرالية علي الحريات الفردية يعني أن المؤلف يتوقع أن تشهد مصر بعد مبارك حماية أكثر فعالية للمواطن ضد مختلف أنواع القمع، مثل الاعتقال والتضييق علي المعارضة وعلي الأقليات السياسية والدينية والعرقية، ومزيدا من تحصين الملكية الفردية ضد اعتداءات أجهزة الدولة أو أصحاب النفوذ، ومزيدا من حرية ممارسة الحقوق السياسية بتسهيل إجراءات الترشح والانتخاب وتشكيل الأحزاب وإنشاء الصحف، وهذا ما رأي المؤلف أن مصر تمضي باتجاه تحقيقه. أما التطور نحو الديمقراطية، وهو ما يعتبره راذرفورد واردا وإن لم يكن بالدرجة ذاتها فهو تطور نحو مرحلة سيادة القانون الحامية للحريات، حيث يمكن أن تتحقق السيطرة غير المباشرة التي يمارسها المواطن علي الحكومة عبر صندوق الانتخاب. ويضيف المؤلف: إن مزيدا من الحريات الليبرالية يمكن، بالتراكم, أن يفضي إلي نظام ديمقراطي.
ويضرب المؤلف أمثلة علي فعالية القضاء في الدفع بالبلاد باتجاه مزيد من الحريات مشيرا إلي أن المحاكم المصرية حكمت مرتين بحل البرلمان ومثلت عبئا علي من زوروا الانتخابات ومنحت شهادات ميلاد لاثني عشر حزبا وألغت قرارات حكومية بتعطيل صحف معارضة. وفي المقابل فقد نزعت منظمات حقوقية كثيرة الشرعية عن كل انتهاك للحريات وعن كل فساد، لكن المؤلف لا يري بين منظمات المجتمع المدني التي فعلت ذلك من هو أهم من الإخوان المسلمين.
لكننا نتفق مع المؤلف علي وجود قوتين صاعدتين في المجتمع المصري، هما القضاء والمجتمع المدني إضافة إلي قوي أخري نشير إليها فيما بعد، وإن اختلفنا معه علي الوزن النسبي للإخوان المسلمين كقوة تقف ضمن قوي التغيير. ونضيف إلي ذلك أن هاتين القوتين سوف يتعين عليهما أن تخضعا لشروط التحالف الذي اتخذ صورة جديدة وحداثية بين الجيش والقوي الشعبية العاملة عموما والشبابية خصوصا منذ 25 يناير الماضي هذا التحالف الذي يمضي بالبلاد الآن نحو تاريخ جديد.
والأفق الجديد الذي استشرفه راذرفورد في كتبه هذا وتبشر به التطورات الراهنة هو أننا بسبيلنا إلي الخروج من المربع الذي وقفت فيه الإصلاحات التي شهدتها جميع دول المنطقة، منذ نهاية الحرب العالمية إلي اليوم، حيث كانت التحولات الاجتماعية والاقتصادية تحتل أولوية مطلقة لدي قادة المشرق العربي وكان قادة العالم كله يساندون ذلك، خاصة أن دولة الرفاة المعنية بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية علي السواء، ظهرت في أوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
--
ونضيف نحن أن السباق علي تلبية المطالب الجماهيرية كان علي أشده حتي قبل الحرب العالمية الثانية بين روسيا السوفيتية بقيادة ستالين وألمانيا النازية بقيادة هتلر والولايات المتحدة بقيادة روزفلت الذي يعتبره كاتب هذه السطور الصورة الأصلية لزعامة جمال عبدالناصر في المشرق العربي في ظل هذه النظم من روسيا السوفيتية حتي مصر الناصرية مرورا ببريطانيا العمالية وفرنسا الديجولية كانت تلبية لاحتياجات الجماهير الاجتماعية والاقتصادية تحتل مكانة تسبق الليبرالية السياسية ويذكرنا المؤلف بمساندة الولايات المتحدة للنظم المستبدة منذ تدخلت لإعادة الشاه إلي عرشه في 1953 وكان الخوميني الشاب قائدا تنفيذيا صريحا للتحركات الأمريكية ضد الديمقراطية الإيرانية آنذاك، وحتي تحالف الولايات المتحدة مع أبشع طغاة المنطقة وهو صدام حسين في الثمانينيات، بحجة الرغبة في لجم الطموحات الإقليمية للنظام الخوميني، كما زعم وزير الخارجية الأمريكي أيامها جورج شولتز.
--
وحتي نهاية الثمانينيات كانت الفلسفة التي بررت للولايات المتحدة والغرب الصناعي من ورائها مساندة الاستقرار علي حساب الإصلاح السياسي في المشرق العربي تنحصر في ثالوث المصالح المعلنة: تدفق النفط وحماية إسرائيل واحتواء النفوذ السوفيتي، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي حل محله مبرر رابع وهو احتواء الإسلام الشيعي، ممثلا في إيران، والسني ممثلا في صدام حسين الذي سارع إلي كتابة عبارة الله أكبر علي العلم العلماني للبلاد. وهو علم علماني لأنه ينتمي لمجموعة أعلام الثورة الفرنسية الثلاثية الألوان. كما سارع صدام إلي إعلان أنه من نسل الحسين بن علي وهذه تطورات تدعو للعجب. وسمعت أيامها سياسيا بريطانيا يشير إلي صدام باعتباره إسلاميا متطرفا، ومدي علمي أنه بعثي علماني قد يكون ملحدا!!
- حماس فاتر
وطوال التسعينيات ظلت السياسة الخارجية الأمريكية فاترة الحماس فيما يتعلق بالتطور نحو الديمقراطية حريصة علي عدم الخلط بين ثالوث المصالح المعلنة وبين مبدأ نشر الديمقراطية.
وكان لهذا الفتور أثره الواضح علي العلاقات مع مصر مبارك، فقد وصلت المعونات المقدمة من واشنطن للقاهرة من عام1975 حتي 2007 اثنين وستين مليار دولار لم تستخدم للضغط من أجل إصلاحات ديمقراطية ولم يكن هذا إلا استمرارا لموقف أمريكي قديم للولايات المتحدة التي قالت بعد وصول ناصر للسلطة إن الشعب المصري غير جاهز للديمقراطية وأن الديمقراطية قد تخلق فوضي يستفيد منها الشيوعيون.
ورغم أن التقارير الدورية المنتظمة الصادرة عن الخارجية الأمريكية منذ التسعينيات انتقدت انتهاك إدارة مبارك لحقوق الإنسان ووقائع التعذيب، وطالبت بقدر أوفر من الحكم النيابي القائم علي انتخابات نزيهة، فقد ظل التفاهم بين القاهرة وواشنطن يستند الي أن ثالوث المصالح الأمريكية المشار إليه أهم من أي إصلاح ديمقراطي لكن ما جري في 2001 من هجوم علي نيويورك وواشنطن ساعد علي ظهور سياسة جديدة تطورت ببطء حتي ظهر في 2007 إجماع بين الديمقراطيين والجمهوريين علي أن الديمقراطية وحدها هي التي تؤمن استقرار النظم الحليفة للولايات المتحدة.
هنا نجد راذرفورد يولي التطورات علي الساحة الأمريكية اهتماما أكبر مما أولاه التطورات السياسية في مصر التي شهدت طوال التسعينيات زحفا متواصلا نحو الحرية التي سمح بها النظام فساندته وحشدت المجتمع وراءه في حربه المظفرة ضد عصابات الأصولية المسلحة.
ويعتبر كاتب هذه السطور أن النخب المثقفة المعادية للأصولية كانت الشريك الأصغر للدولة في حربها ضد الأصوليين في مرحلة تمردهم المسلح، وحرص الدولة علي إبقاء شركائها هؤلاء في مرتبة الشريك الأصغر ساعد علي تسهيل قبول هذه النخب لكل من عارض النظام بما في ذلك الإخوان المسلمون لخلق جبهة عريضة تطالب بالديمقراطية، وهذه التطورات سبقت تحول النخبة الأمريكية من لغة المصالح التقليدية إلي رؤية الاستقرار علي النحو الذي تراه به النخب المثقفة وقيادات المعارضة والمنظمات الأهلية المصرية، رغم أنها كلها تقريبا ظلت واقفة في حدود الدائرة التي رسمها لها النظام دائرة القول دون الفعل حتي الخامس والعشرين من يناير الماضي.
وقبل أن يصل المؤلف إلي دور القوي المستقلة والحزبية في تهيئة الأجواء لتحول نحو الديمقراطية فهو يؤكد علي أمرين وهما أن السعي الأمريكي الجاد إلي نشر الديمقراطية في العالم العربي كشرط لضمان مصالح الولايات المتحدة في المنطقة لم يحل محل الثالوث المصلحي العتيد ولكن طورت الديمقراطية هذا المثلث إلي مربع تمثل هي أحد أضلاعه. ويشير المؤلف أيضا إلي أن أوروبا وصلت إلي قناعة مشابهة وتبنت هي أيضا الدعوة إلي الديمقراطية في العالم العربي، وجمعت بين الموقفين الأمريكي والأوروبي عناصر من أهمها اعتبار الديمقراطية وحقوق الإنسان درعا يحمي الشرق الأوسط ومصالح الغرب فيه من الخطر الأصولي، واستخدام سلاح التمويل لدعم الديمقراطية.
الحداثة والتنمية ونوعية الحياة
وهذا يعكس اختلافا جوهريا وخطيرا عن النظرة التي تنظر بها النخب العربية إلي الديمقراطية باعتبارها شرطا للحداثة وتحسين نوعية الحياة للفرد وتأمين شروط تنمية حقيقية للمجتمع بعيدا عن الفساد الذي يحتمي بالقمع والاستبداد. وهنا تجد هوة عميقة تفصل بين العقل العربي الذي يعتبر الاستبداد انحرافا يرفضه الشعب، والعقل الغربي الذي يمثله المؤلف والذي يعتبر الاستبداد مرضا شرقيا يجب أن يعالجنا منه الغرب. لكن الدواء المطروح، وهوملايين الدولارات التي تتدفق من صناديق دعم الديمقراطية هو مصدر لعلل كثيرة أمرضت المجتمع المدني المصري وأضفت قدرا كبيرا من الشرعية علي القمع الذي تذرع به لضرب كل القوي الديمقراطية. لكن نقطة الخلاف الكبري بين المنظورين الغربي والعربي إلي الإصلاح السياسي تتمثل في إصرار الغرب علي دور محوري في عملية التحول الديمقراطي للإسلام السياسي وإصرار النخبة والشارع في مصر ممثلة للثقافة العربية علي تأمين مدخل آمن للإخوان المسلمين إلي ساحة الشرعية ضمن بقية القوي السياسية وليس كقوة محورية ما داموا ملتزمين بدولة مدنية.
---
إذن فالكتاب يري مستقبلا لليبرالية وربما للديمقراطية في مصر وهو ما أكدته القوي الشعبية منذ الخامس والعشرين من يناير. لكن هذا الكتاب المعبر عن وجهة نظر غربية سائدة منذ سنوات طويلة، يري أن ديمقراطية ما بعد مبارك ستكون ديمقراطية إسلامية، في حين طرحت الجماهير في انتفاضتها المطولة التي شملت جميع أنحاء البلاد تصورا علمانيا للديمقراطية يتسع لكل الطوائف وكل الطبقات التي تري في الديمقراطية حماية لها من الفساد والقمع.
ويري الكتاب أيضا أن التحول للديمقراطية بدأ منذ التسعينيات ونضيف أنه بدأ بعد انتصارنا علي عصابات التأسلم المسلحة ومع إعادة هيكلة الاقتصاد والتوجه نحو العولمة وهذه كلها توجهات لايزال الناس حريصين عليها ولكن في إطار المسئولية الاجتماعية للدولة ولرأس المال الخاص تماما كما هو الحال في الولايات المتحدة حيث تتبني إدارة أوباما - بايدن سياسات قد تبدو اشتراكية عند مقارنتها بسياسات إدارة بوش- تشيني.
ويعطي الكتاب أهمية بالغة للقضاء في الديمقراطية التي نحن في طريقنا إليها وهو ما يجعلنا نعتبر التحولات الراهنة مقدمة لتفعيل مبدأ سيادة القانون التي هي بدورها مقدمة لنضال سلمي من أجل الديمقراطية بقدر ما هي مدخل إلي عدالة اجتماعية وإلي تحويل الحريات المتاحة من مجرد هامش «للقول» إلي ساحة تتسع تدريجيا «للفعل» السياسي الحر.
--
وأخيرا فإن هذا الكتاب الذي صدر قبل ثلاث سنوات يري في العالم العربي، ولأول مرة في تاريخه، حركات محلية قوية تسعي للديمقراطية وتحظي بدعم دولي قوي. فقد أدي تحسين إجراءات تنظيم الانتخابات وأساليب رصدها والرقابة عليها إلي إدارة عمليات انتخابية أكثر نزاهة في بلدان مثل المغرب والجزائر والأردن ولبنان والكويت. كما أن استقلالية القضاء قويت وترسخت في مصر والكويت والمغرب والأردن، حيث ظهر الاستعداد الواضح لتحدي السلطة التنفيذية.
لكن الكاتب يحذر من التركيز علي القدرة علي تزوير الانتخابات كمؤشر علي قدرة النظام العربي علي السيطرة وقمع التوجهات الديمقراطية في المجتمع علي اتساعه. فمثل هذا التركيز من شأنه أن يحول اهتمامنا إلي الحسابات قصيرة المدي للنظام الذي يزور الانتخابات بعيدا عن الأمور الأكثر حسما في تقرير مصيره مثل التفاعلات المؤسسية طويلة المدي بين النظام والقوي الديمقراطية في الشارع السياسي، وتقوم هذه التفاعلات علي أساس قدرة مؤسسات الدولة أو تدهور قدرتها علي الانفراد بإدارة المجتمع دون حاجة إلي الشارع السياسي الذي يتبني أفكارا أكثر إلحاحا علي الديمقراطية والشفافية وسيادة القانون، ومع تغير مستوي القدرة يتغير حجم المؤسسات المختلفة للدولة والمهام المنوطة بها.
- الشباب والشرطة
وهنا يجب أن نتوقف أمام عاملين من أهم العوامل المؤثرة في المشهد السياسي الراهن، والتي أشار إليها المؤلف وهو يرصد قوي التغيير باتجاه المستقبل وقوي المحافظة علي الأوضاع القائمة منذ صدر هذا الكتاب وحتي أيام قليلة مضت في مصر هذان العاملان هما ما يسميه المؤلف «الورم الشبابي» وهو تعبير غريب نقله عن تقرير التنمية البشرية العربية السنوي الذي تعده نخبة من المثقفين العرب تحت إشراف البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، ويشير الي أن 38 بالمائة من السكان في الدول العربية هم دون سن الرابعة عشرة وإلي أن العالم العربي يحتاج إلي خلق خمسين مليون وظيفة جديدة هذا العام لتشغيل الشباب.
--
وهذه، كما تثبت أحداث يناير وفبراير من هذا العام، ومن قبلها أحداث تونس هي القوة الفعالة في الزحف نحو الديمقراطية: الشباب الباحث عن وظيفة، بغض النظر عن أي تلوين أيديولوجي أو طائفي لهذا البحث أو للحلول المقترحة للمشكلة.
وبالمقابل فهناك قوة القمع البوليسي التي وضعها المؤلف ضمن القوي المعطلة للديمقراطية وعندما التقت القوتان في شوارع القاهرة وميادينها اختفت القوة البوليسية. اختفي رجال الشرطة. ورغم أن التحقيقات لم تبين لنا بعد تفاصيل الظروف التي حدث فيها هذا الاختفاء الغامض فبوسعنا القول أن مقاومة الشباب في مختلف أنحاء الجمهورية جعلت القوات الشرطية علي الأرض تدرك أن مهمتها تحولت من دفاع عن النظام العام إلي هجوم علي المدنيين بسبيله إلي أن يتخذ أبعادا لا يمكن لأحد تحمل مسئولياتها.
--
هذه التحولات التي شهدناها جميعا وتابعها العالم معنا تشير إلي أن القوي علي الأرض تمضي بنا إلي أفق أوسع من ذلك الذي وقف عنده المحللون الغربيون عامة وبروس راذرفورد بشكل خاص. صحيح أن القضاء والإسلام السياسي لهما دور في صياغة المرحلة الراهنة من الديمقراطية ومستقبلها القريب، لكن القوي الشبابية التي أشار إليها راذرفورد إشارة عابرة وجهاز الشرطة الذي تعاد هيكلته الآن والذي نظر إليه نظرة استاتيكية تلقيان بأضواء جديدة علي مستقبل الديمقراطية عندنا .
ولا يقل عن هذين العاملين أهمية بل وقد يفوقهما دور الجيش كقوة ضامنة لسلامة التحول الديمقراطي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.