وافقت الحكومة منذ أيام على إنشاء بورصة سلعية، لوضع مصر على الخريطة العالمية لتداول السلع، وإيجاد بورصة تنافس البورصات الإقليمية والعالمية. وتحدث الخبراء عن أهمية هذه السوق فى ضبط الأسعار وجذب الاستثمارات، وتوفير السلع القابلة للتخزين وغيرها من المزايا التى ترجع على السوق المصرية. ما طرح عددًا من الأسئلة حول دور هذه البورصة وماهية وظيفتها بالضبط فى الاقتصاد الوطنى.. وهل ستكون أداة لضبط الأسعار أم أنها ستكون وسيلة البعض لتكريس الاحتكار الذى يسيطر على السوق؟
البداية
جاء قرار مجلس الوزراء خلال الأسبوع الماضى بإصدار ترخيص البورصة السلعية بمثابة عودة الروح للمشروع الذى طرح فى العام 2004، ولم يتم تنفيذ أى من خطواته.. وبموجب قرار الحكومة يبدأ تأسيس شركة مساهمة باسم (البورصة المصرية للسلع) لتنظيم تداول السلع بين المنتج والمستهلك. وذكر المجلس فى بيان، أن إنشاء بورصة سلعية يهدف لإيجاد سوق تنافس البورصات الإقليمية والعالمية، ووضع مصر على الخريطة العالمية لتداول السلع من خلال البورصة المُزمع إنشاؤها، استغلالاً لموقعها الاستراتيجى والمساهمة فى جذب رؤوس الأموال الأجنبية، وزيادة قدرة الدولة على تخطيط احتياجاتها من السلع الأساسية. ومن المخطط أن يبدأ العمل فى هذه البورصة بداية من يناير القادم 2021، بإشارف مباشر من وزارة التموين والتجارة الداخلية. أكد الدكتور إبراهيم عشماوى، رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية، أن هذه البورصة ستكون بمثابة نقلة نوعية للتجارة فى مصر، وأنها ستكون إحدى القواعد الرئيسية لبناء منظومة تجارية ذات كفاءة. وتابع أنه بمجرد الانتهاء من إجراءات التأسيس، سيتم البدء فى الإجراءات التنفيذية لإطلاق المنصة الإلكترونية بهدف تسويق وترويج وتوعية للتجار والمزارعين للبدء فى تسجيل أنفسهم فى البورصة السلعية.
ماهية البورصة
تخلق البورصة السلعية سوقًا ومنصة لتجارة السلع والمنتجات بالجملة، وتحديد أسعارها وفقا لآليات العرض والطلب، إذ أشار رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية، إلى أن البورصة السلعية ستكون منصة إلكترونية تربط جميع المناطق اللوجيستية بالمحافظات وكذلك مراكز التجميع لمعرفة الأحجام والكميات المتاحة من سلعة محددة أو منتج معين لتحديد سعر عادل للسلعة وتقليل الحلقات الوسيطة والحد من الهدر والفاقد أيضا. وأضاف: إن البورصة السلعية محاكاة لعمل بورصة الأسهم، ولكن عن طريق عروض بيع وشراء سلع عن طريق منصة إلكترونية؛ حيث يتم توفير عروض البيع للكميات المتاحة من سلعة محددة فى جميع المناطق اللوجيستية ومراكز التجميع على مستوى الجمهورية بسعر اليوم لتلقى عروض الشراء من خلال البورصة السلعية، لتحقيق السعر العادل للسلع. كما أشار إلى أنه تم توقيع اتفاق مع الشركة الفرنسية «رانجيس» المسئولة عن إدارة أسواق الجملة والمناطق اللوجيستية فى فرنسا على تقديم كافة الاستشارات الفنية والدعم الفنى لإنشاء المناطق اللوجيستية وأسواق الجملة وإطلاق البورصة السلعية.
الممارسات الاحتكارية
وتستهدف البورصة القضاء على الممارسات الاحتكارية، والتى تعد أهم أسباب ارتفاع الأسعار فى السوق المصرية، وقال الدكتور أحمد سعيد، أستاذ القانون التجارى الدولى بالجامعة البريطانية، إن الهدف من البورصة السلعية يختلف عن سوق الأسهم، لأنه من الممكن تحقيق الربح من خلال المضاربة فى بورصة الأوراق المالية، بينما البورصة السلعية تقضى على ظاهرة السمسار أو الوسيط للقضاء على الاحتكار فى السوق. وتابع: إن عدم انخفاض أسعار معظم السلع فى مصر رغم انخفاض سعر الدولار، يعود لكوننا لا نملك مؤشرا لأسعار السلع يقيس الانخفاضات والارتفاعات التى تطرأ على أسعار تلك السلع، وهو ما ستقوم به هذه البورصة. وأوضح «سعيد» أن مصر كان لديها تجارب سابقة لهذه البورصة، وعلى رأسها بورصة القطن وبورصة الدواجن، موضحا أن البورصة السلعية تحمل نفس الفكرة، حيث إن خطة الحكومة تعتمد على أن يكون لديها 20 منطقة تخزين على مستوى الجمهورية لا تقل مساحة المنطقة عن 25 فدانا خاضعة لرقابة وزارة التموين.
دراسة الجدوى
اعتمدت دراسة جدوى البورصة السلعية على حصر شامل لجميع بيانات الإنتاج والتصدير منذ عام 2015 للسلع المتوقع تداولها، ومتوسط أسعار تلك السلع خلال آخر عامين، فضلًا عن حصر للشركات العاملة فى مجال استيراد السلع محل التداول. يأتى ذلك بعد الاطلاع على جميع التجارب الأفريقية والآسيوية الناجحة، فى مجال البورصات السلعية، وخاصة أنظمة التداول وآليات العمل ومنها بورصات «إثيوبيا، الهند، إيران، شرق أفريقيا الإقليمية وغانا». وتكشف الدراسة أن ملامح مشروع إنشاء بورصة السلع فى مصر، يهدف إلى وجود سوق منظمة لتداول السلع القابلة للتخزين، وأن تكون سوقها جاذبة لشريحة أكبر من التجار والمستثمرين على التعامل عليها، الأمر الذى من شأنه توفير سوق تنافس البورصات الإقليمية والعالمية. وتشير الدراسة إلى أن إنشاء بورصة السلع سيكون له أثر إيجابى على المزارع، من خلال وجود سوق منظمة للسلع، ما قد يحفز على زيادة المساحات المزوعة للسلع المتداولة، نظرًا لوجود بيانات تفصيلية عن عمليات تداول هذه السلع تمكن المزارع من التخطيط الزراعى. وبالنسبة للمخازن ستساهم البورصة السلعية فى عملية تطوير المخازن وآليات التخزين فى مصر على السلع المستهدف تداولها فى البورصة، وتأهيلها للتعامل فى البورصة، وحساب بيانات الكميات المعروضة والمطلوبة وموسمية التداول وأسعار التداول الحاضر للسلع، ما يساعد على استحداث عقود مستقبلية أو عقود خيارات على هذه السلع مستقبلا، بما يمكن المتعاملين من التخطيط المالى الأفضل، والتحوط من مخاطر تقلبات الأسعار.
شراكة القطاع الخاص
أوضحت وزارة التموين، أنه تم الاتفاق على أن تكون نسبة المساهمة فى البورصة السلعية بواقع 60 % للحكومة و40 % للقطاع الخاص. أكد حسين أبو صدام، رئيس المجلس الأعلى للفلاحين أن مشروع إنشاء البورصة السلعية يعد خطوة لتحقيق الشفافية، من خلال عرض أسعار المنتجات الزراعية على شاشات هذه السوق، موضحا أن عرض الأسعار يعنى منع الاستغلال والاحتكار. وتابع أن هذه السوق إذا تمت إدارتها بشكل جيد، فستكون فى صالح المزارع والمواطن بشكل عام، كما أنها ستساعد على زيادة الاستثمار فى القطاع الزراعى، لأنها تدعم مفهوم الزراعة التعاقدية. وكشف رئيس المجلس الأعلى للفلاحين، أنه لم يتم التواصل من جانب الحكومة مع المجلس بشأن هذه البورصة حتى الآن، مشيرًا إلى أنه قد يكون ذلك نتيجة أن الفلاحين لم يأت دورهم بعد؛ حيث إن المشروع لا يزال فى طور التأسيس. وطالب أبو صدام أن تكون أسعار السلع الزراعية محددة وفقا للمادة 29 من الدستور التى تنص على التزام الدولة بشراء المحاصيل الزراعية بهامش ربح، دون النظر للأسعار العالمية للسلعة، موضحا أن كل حكومات العالم تدعم زراعتها لذلك فلا يمكن الاسترشاد بالأسعار العالمية. من جانبه أكد حاتم النجيب، نائب رئيس شعبة الخضر والفاكهة باتحاد الغرف والمتحدث باسم تجار سوق العبور، أن هذه البورصة تنظم العملية التجارية وفق آلية العرض والطلب بعيدا عن فرض التسعيرة الجبرية. وأشار إلى أن هذه البورصة، ستساعد على تنظيم الأسواق العشوائية وإخضاعها للرقابة الحكومية لافتا إلى أن مصر بها مئات من الأسواق العشوائية الكبرى التى لا تخضع لأية رقابة حكومية. وأوضح «حاتم» أن ضبط السوق يتطلب مزيدا من الخطوات، موضحا أن هذه البورصة ستساعد فى تكوين قاعدة بيانات عن إنتاجية كل سلعة وحجم الطلب عليها، وهو ما تفتقر إليه السوق منذ فترة طويلة، بما يمكننا من معرفة حجم الإنتاج والاستهلاك وبالتالى إمكانية تصدير بعض السلع من عدمه.