يحتل التعليم، المحورَ الرئيس من اهتمامات المصريين جميعًا، حكومةً وشعبًا، لذا تبنَّت الدولة نظامًا جديدًا للتعليم يعمل على إنشاء جيل جديد مبتكر، مفكر، طموح، يستطيع حل المشكلات، والتفكير خارج الصندوق، بعيدًا عن الحفظ والتلقين، إلّا أن هناك العديد من التحديات التى تواجه تحقيق الهدف المنشود، لعل من أبرزها البيئة المحيطة التى لم يُراعَ إعادة تأهيلها لإنجاح العملية التعلمية. شارع الإسماعيلية بمنطقة ترسا فى الهرم.. يُعَد مثالًا حيًّا على أهم التحديات والمخاطر التى تواجه التعليم والنشء فى مصر، فمع دقات جرس نهاية اليوم فى مَدرسة الإيمان للتعليم الأساسى، يهرع أولياء الأمور إلى الأبواب لاصطحاب أبنائهم إلى المنزل، خوفًا عليهم من ذلك الخطر الذى يحيط بأسوار المَدرسة ويقع ضحية عشرات الأطفال والشباب، ف«دواليب المخدرات» على مَرأى ومسمَع الجميع، دون أى رادع.
المدمن الصغير
قبل أيام قليلة، سقط أحد التلاميذ أمام المَدرسة، بعد إلقائه من داخل «توك توك» كان يسير بجوار المَدرسة، وهرع إليه عددٌ من أولياء الأمور، وخرجت مديرة المَدرسة وبعض المدرسين لمعرفة ما يجرى ومحاولة إنقاذ الطفل، الذى تبين بعد ذلك أنه تلميذ بالصف السادس الابتدائى تعاطى الأستروكس وكان مع سائق «توك التوك» تعرَّف عليه من أمام المَدرسة. «روزاليوسف» تواجدتْ أمام المَدرسة للوقوف على حقيقة الأمر؛ حيث لاحظنا انتشار الباعة الجائلين أمام المَدرسة، وانتشارًا كبيرًا لمَركبات «التوك توك» فضلًا على تواجُد كبير لعدد من الشباب حول أسوار المَدرسة.. عددٌ من أولياء الأمور أكد لنا عن وجود منزل مهجور أمام المَدرسة يستغله مدمنو المخدرات كمأوًى لهم. «المناطق اللى حوالين المَدرسة مشهورة بأن فيها عدد كبير من بياعين المخدرات والشباب المدمن».. بهذه الكلمات أزال بائعٌ متجول أمام المَدرسة الكثيرَ من علامات الاستفهام حول التحركات المريبة لبعض الشباب فى محيط المَدرسة، ولم يقف الحال عند كبار السن فقط، فقد وقع الأطفال وتلاميذ الابتدائى ضحية لأصحاب «الدواليب» الذين يروّجون للمخدرات والعقاقير؛ حيث كشف البائعُ عن واقعة حدثت قبل أسبوعين عندما تعاطى 6 تلاميذ من الصفّين الخامس والسادس الابتدائى موادَّ مخدرة فى حمَّام المَدرسة، ما تسبب فى نقلهم جميعًا للمستشفى.
أكياس بودرة مجهولة
وقال البائع: «بيع المخدرات عينى عينك أمام الجميع، وفى كيس بودرة بيتم بيعه ب 5 جنيه للتلاميذ، والعيال تشترى وهُمَّ مش فاهمين حاجة.. تقلد بعضها حتى فى الغلط».. مشيرًا إلى أن أصحاب «الدوليب» يعملون على استقطاب التلاميذ من داخل المدارس المحيطة لترويج المواد المخدرة بين زملائهم: «لقد شاهدتهم بيبيعون مواد مخدرة أمام مدارس أخرى.. بالطبع مستغلين صغر سنّهم.. عندى بنت فى المَدرسة منبّه عليها لو خرجتْ وأنا مش أمام مدرسة، تذهب على البيت فورًا». الأجواء غير الطبيعية التى تحدث فى محيط مَدرسة الإيمان، دفعت إدارة المَدرسة إلى إلزام أولياء الأمور بالتوقيع على إقرار بإخلاء مسئولية إدارة المَدرسة عن أى شىء يحدث خارج أسوارها، وهو الأمرُ الذى أثار غضب عدد من أولياء الأمور، مطالبين إدارة المَدرسة بمخاطبة وزارة الداخلية من أجل توفير سيارة شرطة للوقوف أمام المَدرسة لفرض الانضباط للشارع والقضاء على العديد من الظواهر السلبية المحيطة، وفى مقدمتها بيع المواد المخدرة.
أحسن الوحشين
المَدرسة من جانبها حاولتْ التقليل من تخوفات أولياء الأمور بالحرص على تسليم التلاميذ لأولياء أمورهم يدًا بيد، ويجرى تنظيم خروج كل فصل على حدة، تحت إشراف مُدرسة الفصل؛ حيث أجمع عدد من أولياء الأمور على وصف المَدرسة بأنها «أحسن الوحشين»، من حيث الإدارة والتدريس، لكن الأزمة الكبرى أمام المَدرسة؛ حيث قالت إحدى أولياء الأمور: «الحل الوحيد ندخَّل أولادنا ثم ننتظرهم حتى الخروج، وهناك من يذهبون ثم يعودون على موعد الخروج.. إيه ذنب أولادنا تشوف مناظر بياعين المخدرات، عايشين فى رعب على أولادنا»!!. تقول وليّة أمر «محمد على» بالصف الرابع الابتدائى: إن سائقى «التوك توك»، وراء ما يحدث.. يبعيون المواد المخدرة أمام المَدرسة، والمدارس المحيطة بعيدًا عن أنظار الشرطة نهائيّا.. مؤكدة أنها تشاهد متعاطى المخدرات فى الصباح يخرجون من المنزل المهجور الذى يقع أمام المَدرسة: «تخيَّل أولادنا يرون هذه المناظر، أنا لمَّا بشوفهم بخبى عين ابنى».. مطالبة بتوفير الأمن لطلاب المَدرسة: «إحنا بنستغيث بوزير التعليم والداخلية يوفروا سيارة للشرطة أمام المَدرسة، فى مَدرسة آل عثمان الخاصة، بمجرد أن سيارة شرطة تذهب أمام مَدرسة من حين لآخر، لا أحد يستطيع من هؤلاء أن يقف أو يمر أمامها».
طلاب المعهد
وليَّة أمر أخرى تكشف أن بعض طلاب المعهد العالى الذى يقع خلف المَدرسة، يأتون للحصول على المواد المخدرة من البائعين المنتشرين فى محيط المَدرسة.. موضحة أن سائقى «التوك توك»، يقومون ببيع المواد المخدرة لطلاب المعهد من أمام المَدرسة، أمام الجميع دون استحياء.مشيرة إلى أن ما يحدث جعلنا ملزمين أن نأتى كل يوم رايح جاى، فى الوقت ذاته إدارة المَدرسة رفضت إبلاغ قسم الشرطة بما يحدث أمام المَدرسة!!. وأضافت: «حرام عليهم.. الأطفال دول مستقبل البلد ذنبهم فى رقبة إدارة المَدرسة.. تركوا الأمر للجميع، كل اللى عاوز يبيع حاجة يبيعها حتى المخدرات، صاحب محل بيمنع أى حد يقف أمام محله، لكن هنا مَدرسة، فمن حق إدارة المدارس التدخل ومنع الباعة من أمام المَدرسة، لا أحد يعرف.. فمن الممكن أن يكون أحدهم بائعًا للمواد المخدرة، ناهيك عن أصحاب دواليب المخدرات الذين يقفون طالما لا يوجد شىء أمام المَدرسة». «هنروح بأولادنا فين؟ وإجراءات النقل صعبة.. كمان إحنا كلنا ساكنين فى ترسا».. هكذا قالت «سلمى محمود»، وليَّة أمر تلميذين بالمَدرسة.. مؤكدة اتنشار التجاوزات أمام المدارس بالهرم: «إحنا قدّمنا شكاوَى للنائب محمد على،عن منطقة الطالبية، لكن لا حياة لمن تنادى»!!. تنادى وليَّة الأمر وزير الداخلية، بالتدخل لإنقاذ الأطفال من المجرمين.. مؤكدة أنهم سبق أن طلبوا من قسم شرطة الطالبية توفير سيارة شرطة أمام مَدرسة، بعد الجرائم التى حدثت لتلاميذ مدرسة، آخرها 6 أطفال تعاطوا مواد مخدرة ونقلوا للمستشفى فى سيارة الإسعاف، وطفل سقط أمام المَدرسة. وتضيف: «للأسف بدل ما الإدارة تحاول حل المهزلة التى تحدث أمام المَدرسة، قامت بإصدار جوابات فصل، ضد التلميذ الذى سقط أمام المَدرسة هو وشقيقه الذى لا ذنب له، وتم تسليم التلميذين إلى أهاليهم عن طريق قسم الشرطة، دون أى رحمة، مشكلتنا مع إدارة المَدرسة بدل ما تتعاون معنا، تحمِّل أولياءَ الأمور مسئولية عدم التربية.. أكيد مفيش حد عاوز ابنه يبقى وحِش.. على العكس كلنا عوزين أولادنا يبقى أحسن منّنا».
أمام المَدرسة
أمام المَدرسة تحدثنا مع عدد من طالبات المَدرسة بالمرحلة الإعدادية، تقول «أسماء محمد» طالبة فى الصف الأول الإعدادى: «نفسى الولاد تختفى من أمام المَدرسة.. فبنات المدرسة يتعرضن لجميع المضايقات من الشباب الذى يحيط بالمَدرسة، لذا كل البنات يرتدين شنطة مَدرسة طويلة من الخلف منعًا للتعرُّض لأى تحرُّش جنسى». وأضافت: البعض يصطحب معه كلابًا لترويع الطلاب، سمعتُ أحدهم يقول «الكلب وأخد الكريستال وفيل أزرق»، لمَّا سألتُ علمتُ أنها مواد مخدرة؛ لأن تصرفات الكلاب غريبة، لدرجة أصبحتُ أخشى من أى كلب».. موضحة أنها تسكن شارع الثلاثين، وعند خروجها من المَدرسة، تجد بعض شباب شارع الثلاثين المعروفين للجميع أنهم من بين باعة ومتعاطى مخدرات أمام مدرستى.. متسائلة: «المفترض أنها مَدرسة ابتدائى وإعدادى بنات، لماذا هذا الكم الهائل من هؤلاء الشباب؟!».. وذكرتْ صديقتها الأخرى فى إحدى المرَّات أثناء خروجها من المَدرسة استوقفها أحدهم وعرض عليها برشام لونه أحمر، «لم أشعر بنفسى إلّا وأنا بجرى من أمامه». وتضيف «ندى» طالبة بالمَدرسة: «أمام باب المَدرسة أصبح مكان الباعة الجائلين والبلطجية الذين يأتون بالتكاتك ويستعرضون بها أمام المَدرسة، بهدف إثارة الرعب بين الطالبات»، مضيفة: «نشاهدهم يتبادلون المواد المخدرة، وللأسف يكون وسطهم تلاميذ من المَدرسة».. موضحة أن بعض تلاميذ الصف الخامس والسادس تعلَّموا على أيديهم شُرب السجائر أمام المَدرسة، ويعرضون عليهم المواد المخدرة، ناهيك على التحرش بالطالبات. وكشفت «نادية إبراهيم»، وليَّة الأمر، أن ابنها التلميذ بالصف السادس، عرض عليه أحد تلاميذ الفصل، بأن يعمل معه فى بيع حاجة اسمها «الفلاكا، الإسبايسى»، مقابل 100 جنيه باليوم. بعدها قاللى ابنى بصراحة مكنتش عارف إيه الحاجات دى، فى البداية افتكرت أنها «أكلة أجنبية»، وعندما سألت علمت أنها مواد مخدرة، أخبرتُ مُدرس الفصل ما حدث، بهدف حمايته، لكن التلميذ الآخر نكر كل شىء.