منذ أن عاد البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، من رحلته الرعوية الأخيرة والتى شملت فرنسا وبلجيكا والنمسا، وهو يعقد لقاءات مختلفة مع أساقفة وآباء كنائس المهجر، حيث التقى، يوم الخميس الماضى، الراهب المسئول عن دير الأنبا أنطونيوس بأونتاريو بكندا، والراهب القمص باخوميوس البراموسى مسئول دير القديس الأنبا أنطونيوس Perth Ontario ،Canada ومعه اثنان من طالبى الرهبنة، ليطمئن على أمور الدير الروحية، وكذلك مشروع مبنى القلالى الجديد. كما التقى الراهبتين المسئولتين عن تعمير دير العذراء والقديسة فيرينا بسيدنى، الراهبة كاترينا القديسة دميانة والراهبة أليصابات القديسة دميانة، وذلك قبل عودتهما إلى ديرهما بأستراليا، وكان من المقرر أن يسافر البابا إلى الإمارات فى رحلة رعوية قصيرة لا تتجاوز الأسبوع إلا أنه تم تأجيل الزيارة لأجل غير معروف حاليا. بات واضحا أن البابا يخصص مساحة كبيرة من وقته لكنائس المهجر، وذلك فى ضوء ما تعانيه من مشكلات كثيرة وضخمة على جميع المستويات، بالإضافة لكون مشكلاتها مختلفة ومعقدة، فكل عائلة ترى مشكلاتها من منظورها الخاص، أو على الأقل نجد أن كل كنيسة لها عدة آراء، وذلك على حسب عدد الكهنة الموجدين بها، فالبعض يرى قصورًا فى خدمة العائلات، وآخرون فى خدمة الشباب وآخرون يرون سوء تدبير واستخدام الأموال وآخرون يرونه تضييقا على الناس وتحكما من جانب رجال الدين فى الناس، والقائمة لا تنتهى. تحظى أستراليا حاليا بنصيب الأسد فى تلك المشكلات، حيث يتواجد حاليا الأنبا رافائيل أسقف عام كنائس وسط البلد بعد أن أوفده البابا تواضروس للوقوف على حقيقة إهدار نحو 2 مليون دولار أسترالى، حيث قام الأنبا دانييل بشراء قطعة أرض لبناء كنيسة عليها دون التأكد من أن البلدية هناك ستوافق على إنشاء كنيسة عليها، خاصة أنها معروف أنها أرض صناعية. الأزمة الحقيقية أن البابا تواضروس قد وضع حجر أساسها فى زيارته الأخيرة هناك، إلا أن البلدية رفضت إقامة كنيسة عليها، مما أدى إلى عرضها للبيع فى مزاد علنى ولم يتقدم أحد ليشتريها، مما جعل الموضوع ينحصر فى شكل من أشكال إهدار المال الكنسى وهو الأمر الذى يحقق فيه الأنبا رافائيل هناك حاليا ليرفع تقريرا شاملا بعد ذلك للبابا تواضروس عن حقيقة ذلك الأمر. أزمة الكنيسة فى المهجر تكمن فى رجال الدين الذين فى الأغلب لا يكونون على دراية بقوانين البلد أو طريقة المعيشة على عكس الأقباط المتواجدين أساسا فى البلد منذ فترات تتجاوز ال50 عاما وبالتالى يكونون على علم بكل شىء هناك، وأكبر دليل على ذلك ما حدث من أحد الآباء الكهنة فى أستراليا والذى تسبب فى مقتل سيدة ثلاثينية على يد زوجها فى حادثة جعلت أغلب أقباط المهجر ينادون بعدم الخضوع لأى مشورة تأتى من رجال الدين، خاصة أنهم لا يدركون طبيعة المجتمعات التى يعيشون فيها. وترجع تفاصيل الواقعة إلى حدوث مشكلات بين زوجين قبطيين، حيث كان الزوج دائما يؤذى زوجته والتى بطبيعة الحال أبلغت السلطات والتى أقرت بابتعاد الزوجة عنه مع أخذ تعهد بعدم التعرض لها مرة أخرى والبقاء على مسافة آمنة بينهما، إلا أن الزوج لجأ لأحد الكهنة والذى أصر على عودة الزوجة لزوجها، حيث لا توجد فى المسيحية فكرة الانفصال والطلاق وبالتالى عادت السيدة لزوجها الذى قتلها بعد أن كان تحت تأثير الكحول. تعود مشاكل الكنيسة فى أستراليا لعهد البابا شنودة الثالث، حيث اتهم الأقباط الأنبا دانييل بالسيمونية أى رسامة رجال الدين مقابل مبالغ مالية، وكذلك اتهموه بالمتاجرة والتربح، وقام البابا شنودة بتشكيل لجنة كان من ضمنها الأنبا تواضروس والتى توصلت إلى أن القصة فى النهاية هى سوء إدارة من الأنبا دانييل ولذلك تم استبعاده من كل الأمور الإدارية هناك فى ذلك الوقت. بعد حادثة مقتل السيدة المصرية يتضح أن هناك سوء إدارة روحية أيضا، ولذلك تظهر بين الحين والآخر مطالبات باستبعاد الأنبا دانييل، خاصة بعد انتشار العديد من الأخبار تؤكد تفاقم مديونية الكنيسة الأرثوذكسية هناك . مشكلات المهجر متعددة ولا تحصى تتسبب فى عدم نوم البطريرك الذى يتابع معهم بشكل مستمر، وذلك بعد أن ينتهى يومه فى حل المشكلات هنا يبدأ فى حل تلك المشكلات الأخرى فى الساعات الأولى من الفجر، وذلك لفروق التوقيتات بين هنا وهناك. ومشكلة سيدنى لا تختلف كثيرا عن مشكلة فرنسا فمنذ رسامة الأنبا مارك هناك وبدأت مشاكل بينه وبين بعض من رعيته حول مكان بناء المطرانية هناك، والتى تسببت فى رفع دعوى قضائية ضد الأسقف للبت فى النزاع الدائر بينهما، بعدما قرر الأخير بناء مطرانية جديدة هناك بأموال التبرعات بالمخالفة لقرار مجلس الكنيسة المنتخب الذى قرر توسعة كنيسة «فيلجويف» نظرًا لزيادة أعداد الشعب القبطى هناك. الدعاوى القضائية اتهمت الأسقف والذى تم تعيينه منذ عام 2015 بعدم احترام قرارات مجلس الكنيسة المنتخب الذى رأى توسعة كنيسة «فيلجويف» قبل تعيينه بسنوات، حيث تدار شئون الكنيسة من خلال جمعية عمومية ولجنة تشكل عن طريق الانتخاب. وبدلا من أن يقوم الأسقف بشراء مبنى بجوار الكنيسة تقع فى وسط العاصمة الفرنسية ويسهل الوصول إليها عبر وسائل المواصلات المتعددة سواء المترو أو الأوتوبيس، قرر شراء أرض أخرى فى مكان ناءٍ عنها مما يؤثر على جميع الأنشطة فالهدف فى توسيع الكنيسة أن يتم استيعاب كل الأعداد وليس حرمانهم من الذهاب إليها. لم تكن تلك هى المشكلة الوحيدة التى واجهها الأنبا مارك فقط، لكن قام البعض بالهجوم عليه متهمين إياه بأنه استحوذعلى فيلتين، اشترتهما الكنيسة فى عهد البابا شنودة الثالث لعمل توسعات، وحولهما إلى مبنى فخم ويستحوذ على أكبر موازنة كنيسة قبطية فى فرنسا، تعدت وقت قدومه 750 ألف يورو، وشقتين يبلغ قيمتهما أكثر من 650 ألف يورو، قام ببيعهما. ورغم أنه يبدو للوهلة الأولى أن كل أزمات كنائس المهجر تتلخص فى النواحى المالية فقط، حيث إنه من المعروف هناك أن من يمتلك المال هو الذى يحكم إلا أن المشهد الحالى خاصة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية تجاوز ذلك، خاصة مع ظهور أجيال جديدة تصل للجيل الرابع والذى عانى هو وآباؤه من أزمة تحديد الهوية، حيث أصبح مطلوبا منهم أن يعيشوا بأكثر من شخصية واحدة فى البيت الذى يطالبهم بتطبيق عادات وتقاليد الشرق الذى لم يروه من الأساس وأن يتنكروا للثقافة الغربية التى ولدوا بها ويعيشون فى ظلها، ووجه آخر فى الكنيسة التى أصبحت بالنسبة لهم مكانا تمثيليا لا يشعرون فيه بأى دفء ولكنهم مطالبون بأن يمثلوا التدين وممارسة الطقوس المسيحية فقط لأنهم أقباط، والوجه الآخر وهو الأقرب لطبيعتهم وهو الذى يعيشون به فى مدارسهم وجامعاتهم وأشغالهم. أصبحت الكنيسة المصرية فى المهجر تعانى من أزمة تواصل مما أدى إلى هجر الشباب لها فلم تعد تفهمهم كما يشرحون أنفسهم فى اجتماعاتهم فلا توجد لغة مشتركة بينهم، وبالتالى توجه بعضهم للإلحاد أو اللادينية وهى أشياء عادية وطبيعية فى المجتمعات الغربية. الشباب هناك يصرخون ويعانون من العبادة الشكلية وممارسة الطقوس تحت ضغط دون فهم ودون روح، وهو ما يضع الكنيسة أمام إشكالية كبيرة حاول البابا تواضروس فى حلها، وذلك بإقامته لمؤتمر الشباب المسيحى والذى أقامه فى دير الأنبا بيشوى ونظم من خلاله رحلات غطت أغلب المناطق المصرية فى محاولة منه لربط هؤلاء الشباب بهويتهم التى يبحثون عنها. يعانى الأقباط هناك من عدم انفتاح الكنيسة على غيرها من الطوائف التى بها بعض عاداتهم وتقاليدهم، مما يزيد من إحساسهم بصعوبة مقاومة تقاليد المجتمع الغربى، وذلك فى ظل انصراف الأغلبية عن بعض الكنائس والتى أدت إلى بيع بعضها لعدم وجود شعب بها. المهجر يواجه أزمة كبيرة تتمثل فى انصراف بعض أساقفته عن البحث عن الروح واهتمامهم بتعمير الأرض وتوسيع المبانى والتى أصبحت مع الوقت جدرانا تم بيعها فى النهاية بعد ضياع ساكنيها، لذلك لا ينبغى على البطريرك سواء الراحل أو الحالى أو القادم أن يغمض له جفن حتى تحل تلك الأزمة. إن المهجر مشاكله لا تعد ولا تحصى ولن تحل فى عدة أعوام، فالمهجر يحتاج لآباء من نوع خاص لهم القدرة على التواصل ويستطيعون أن يعطوا المحبة فى عالم خاوٍ من المشاعر، خاصة أن المسيحية أساسها المحبة وقائمة على أن «من لا يعرف المحبة لا يعرف الله لأن الله محبة»، وكفى.