بين فترة وأخرى، يشدنا الحنين للماضى للبحث بين دفاتره وأوراقه، لنسترجع بها ذكريات مرت سريعًا تحمل فى طياتها العديد من المشاعر سعيدة كانت أو حزينة، أغلبها كانت الصور الفوتوغرافية المطبوعة مصدر التوثيق الوحيد للعديد من الأوقات والمراحل فى حياتنا. داخل الغرف المظلمة كانت تتبلور هذه المشاعر والذكريات إلى صور فى زمن التصوير الأنالوج، حيث كان الاعتماد الأساسى فى التصوير والكاميرات على الأفلام، التى كان يمتلكها أباؤنا وأجدادنا ولا زال بعضها موجودًا حتى اليوم داخل صناديق الذكريات الخاصة بنا. خلال السنوات الماضية ظهرت الكاميرا الرقمية، وهو ما اعتبره الكثيرون نهاية عصر «كاميرا الأفلام» خاصة أنها توفر الوقت والجهد والمال، فى ظل العديد من المتغيرات فى العالم التى تعتمد فى الأساس على عنصر السرعة والجودة، ومعها تحول الملايين من هواه ومحترفى التصوير إلى الكاميرات الرقمية، ما أسفر عن إفلاس وإغلاق الكثير من شركات إنتاج الكاميرات الأنالوج والأفلام. خلال الفترة الماضية عادت الكاميرات الأنالوج مرة أخرى للظهر على السطح وفى إيدى محترفى وهواة التصوير مرة أخرى، البعض وصف ذلك بأنه حنين للماضى، وآخرون اعتبروه بمثابة العودة للأصول، وهو ما يعد بمثابة ظاهرة جديدة دفعت العديد للبحث عن الكاميرات التى خبئت لسنوات داخل الصناديق المليئة، ولمواكبةً الصيحة العالمية نشرت مجلة تايم على غلافها جلسة تصوير لممثلى مسلسل « Game Of Thrones» باستخدام كاميرات الأفلام دعمًا لمحبى التصوير بكاميرا الأفلام. الحنين ل «الأنالوج» محمد الميمونى مصور صحفى استمر بالتصوير بكاميرات الأفلام ولم يتوقف منذ 20 عامًا وبدأ نقل خبراته فى تصوير الأنالوج وتدريس فن التصوير منذ 13 عامًا، وأتاح له مركز الفن المعاصر فرصة تعليم الكثيرين على فن التصوير وكيفية تحميض الأفلام: «التصوير بكاميرات الفيلم موقفتش عشان ترجع»، مشيرًا إلى أن لكل فرد له سببه الخاص فى العودة للتصوير بالكاميرات العادية، إما مصاحبًا للصيحة العالمية بعودة التصوير بالأفلام، وإما أنه من محبى هذا النوع من التصوير، مؤكدًا أن مفضلى الأنالوج هواة ولم يتوقفوا يومًا حتى مع ظهور الكاميرات الديجتال. منذ 4 أعوام بدأت صيحات عالمية تنادى بالعودة للأنالوج والتحميض مرة أخرج لتتزايد أعداد مصورى الأفام يوميًا: «إحنا كنا 5 أو 6 وبعد فترة وصلنا 400 لحد ما بقينا 10 آلاف واحد بيصوروا أنالوج، وفى أقل من 4 سنوات انضم إلينا أكثر من 6000 مصور أنالوج». تتراوح أعمار محبى الأنالوج من 16 عامًا إلى 35 عامًا، ويواجهون عدة مشاكل، أهمها عدم توافر أماكن للتحميض أو شراء الأفلام بالإضافة لتوقف المصانع عن إنتاج كاميرات الأفلام منذ بداية الألفية الجديدة، وأسعار أفلام التصوير تبدأ من 30 إلى 50 جنيهًا للأفلام المنتهية الصلاحية، وتتراوح أسعار الأفلام الجديدة من 100 جنيه إلى 250 جنيهًا، ويتكلف كل فيلم - 36 صورة- للتحميض 50 جنيهًا، يقول الميموني: «زمان كان التحميض بقروش عشان المواد الخام رخيصة لكن دلوقت ب50 جنيهًا عشان زيادة سعر المواد الخام مش عشان الندرة والاستيراد». يعتبر الميمونى «الأب الروحى لتصوير الأنالوج فى مصر» لكونه أقدم الشباب الذين استمروا فى الأنالوج ولم يتوقف يومًا رغم ظهور الكاميرات الرقمية، ونجح فى عمل جلسة تصوير لعروسين باستخدام كاميرا فيلم ولاقت رواجًا شديدًا بين المصورين، ونفذ العديد من الورش لتعليم التصوير بكاميرات الأفلام فى شارع المعز. مع الحنين للعودة لزمن النيجاتيف، حرص عدد من المراكز إلى تعليم الشباب كيفية إتقان التصوير بكاميرا الفيلم، وفى مقدمتها مركزى «دارك رووم» و«الصورة المعاصر»، وقدم الميمونى فيها شرحًا للمبتدئين على كيفية مواجهة مشاكل التصوير الأنالوج، فضلا عن حلقات على مواقع التواصل الاجتماعى وعلى يوتيوب بدون مقابل دعمًا لفن تصوير الأنالوج فى مصر. صانع الأحماض محمد أحمد أحد محترفى التصوير بدأ كهاوٍ منذ 17 عامًا وبدأ تحميض الأفلام منذ 14 عامًا، وبعد ثورة التصوير الرقمى لم يستغن عن الأنالوج وظل محتفظا بكاميرات الأفلام التى امتلكها، وبالرغب من العيوب التى واجهته فى كاميرات الأفلام وارتفاع تكلفة إنتاج الصور إلا أنه لم يستطع الابتعاد عن تصوير الأنالوج. منذ 6 أشهر وجد محمد أن الصيحات العالمية تنادى بإعادة تصوير الأنالوج ليجد أن شكوى كثير من المصورين تتمركز حول ارتفاع سعر التحميض الذى وصل ل 50 جنيهًا للفيلم الواحد، وهو ما دفعه بمساعدة 3 من أصدقائه الخبراء فى التحميض إنتاج «الفورمولا الغلبانة» كما سماها بعد عمل دام لأكثر من 18 شهرًا، استخدم خلالها 44 مادة لصنع أحماضه، ومن ثم بدأ فى ترويجها وبيعها للمصورين وتعليمهم كيفية تحميض الأفلام لأنفسهم دون الحاجة لمعامل. واجه محمد العديد من المشكلات أثناء تصنيع الأحماض، منها عدم توافر المواد الخام مما جعله يستبدلها بمواد محلية، حيث يبلغ سعر الأحماض 140 جنيها يمكن من خلالها تحميض 24 فيلمًا ليكون سعر تحميض الفيلم الواحد 5 جنيهات بدلا من 50جنيها، وكذلك استطاع توفير «تانك» خاص لاستخدامه فى التحميض دون الحاجة لمواد معقدة ومستلزمات كثيرة لأن التانك يتيح إدخال وإخراج السوائل الموجودة داخل التانك دون تعرض الفيلم الموجود بداخل التانك للضوء، ويستلزم لتحميض الفيلم الواحد 10 خطوات، كما وفر التانك للمصورين ب 80 جنيها، بدلا من 1000 جنيه فى حالة شرائه من خارج مصر عبر الإنترنت. تجربة محترف محمد حسن، شاب فى الثلاثين من عمره، ورث من أبيه حُب التصوير: «بابا كان مصورًا محترفًا لما كنت طفلًا كانت فى كاميرات فيلم فى كل مكان فى البيت ونجاتيف وكنت بقضى ساعات كتير بلعب بالكاميرا واتفرج على النجاتيف»، لكنه بدأ ممارسة التصوير بعد سفره لبريطانيا وحصوله على بكالوريوس فى التصوير: «لما وصلت بريطانيا اشتغلت حاجات كتير بس التصوير كان فى دماغي، وبعد وفاة بابا بدأت اهتم أنى أصور، ومن 7 سنين بدأت أصور بتليفون أيفون وفى ناس قالتلى انت عنيك حلوة حاول تدرس تصوير، ساعتها كنت بأخذ دروس لتقوية الإنجليزى ولما قولت لمدرسة الإنجليزى انى عايز ادرس تصوير وفنون جميلة، قالتى ده مستحيل انك تقدر تحصل على الشهادة دي، وقالتلى الكتابه بتاعتك ضعيفة وبالفعل قدمت فى جامعة اسمها «ترينتى سينت ديفيد بويلز» الموضوع كان صعبًا بس كملت وطلعت الأول على الدفعة بعد 3 سنين دراسة». محمد: أعتقد أن جودة صور كاميرات الأفلام ضعيفة، ولكنه سرعان ما غيرت رأيى بعد أن تفاجأت بمقاسات صور الكاميرا، ساعتها حسيت إنى كنت أعمى، خاصة أن جودة الصور باستخدام كاميرا فيلم أفضل بكثير من جودة صور الديجيتال، ورغم كونه مصورًا محترفًا ومحاضرًا ومعلمًا لفنون التصوير إلا أنه مازال «مستخدم جيد» لكاميرات الأفلام. حسن يقول: إن كاميرات الأفلام لها العديد من المميزات، أولها التدقيق لالتقاط الصورة المميزة مع التفكير فى التكوين وضبط الإضاءة تفاديًا لأى خطأ، إلا أنه وجد صعوبة فى الحصول على الأفلام، مشيرًا إلى أنه يرى أن السوق المصرية فى حاجة لتوافر أماكن متخصصة ذات معدات حديثة للتحميض وشراء الأفلام. تجربة مخرج أحمد عبدالله مخرج وصانع أفلام مصرى قدم عدة حلقات عبر مواقع التواصل الاجتماعى لمحبى فن تصوير «الأنالوج» بكاميرات الأفلام عبر صفحته على فيسبوك «فورتى»، موضحًا أن أسعار كاميرا الفيلم رخيصة مقارنة بالديجيتال، حيث يتراوح سعر الأنالوج من 20 إلى 120 دولارًا أما الديجتال فيبدأ سعرها من 250 دولارًا وصولا إلى 7000 دولار، مؤكدا أن كاميرا الفيلم تجعل المصور يركز فى عدد اللقطات لمحدودية عدد الصور فى الفيلم «36 صورة»، مما يلزم المصور التركيز لضبط إعدادات الكاميرا قبل الالتقاط، فضلا على قوة ومتانة الكاميرا التى لا تهلك مع مرور الزمن: «الكاميرا بيبقى عمرها أكثر من 30 و40 سنة ولسه شغالة أو فيها عيوب بسيطة». تجربة مصور إيهاب الصوفي، صاحب ال 25 عامًا، يقطن بدمياط، لم يكن التصوير فقط هوايته بل كانت مهنته أيضا، ومنذ عام تلقى كاميرا فيلم هدية، لتكون بدايته فى تصوير الأنالوج، وأعجب إيهاب بألوان الصور مما جعلته يفضل الأنالوج عن الكاميرات الرقمية، فضلا عن أن حجم الكاميرا صغير، ولكن لعدم انتشار ثقافة تصوير الأنالوج توقف عن التصوير فى الأفراح والمناسبات بها، وخصصها فقط لتصوير الشارع والتصوير الوثائقي.