«مشيناها خطى كتبت علينا.. ومن كتبت عليه خطى مشاها» هذا هو لسان حال الكثيرين من أصحاب الأحلام التى لم تقدر على الصمود.. خاصة إذا تعارضت مع طموحات الأسرة فى دخول أبنائها كليات القمة.. متجاهلين ما يريده هو لنفسه.. ففى اللحظة التى تضع الأم جنينها تتجاهل أنامله الصغيرة .. تبدأ هى منذ البداية فى رسم مسار حياته، بالتأكيد لرغبتها فى مستقبل أفضل لوليدها.. أو ربما ليحقق حلمها الذى لم تقدر على تحقيقه.. ويسير خطواته للوصول للمكانة الموضوعة له حتى لا يُعاقب بالحرمان من الدعم الأسرى المنتظر فى حال تحقيق أهدافهم لا أحلامه. بين جيل حالم يرغب فى تنفيذ رؤيته على أرض الواقع، وجيل له نظرية واحدة لا تتغير حول الشخص الناجح فى المجتمع «خريج كليات القمة»..أجيال كثيرة، دُفنت مواهبها وأحلامها سنوات وسنوات، لتسلط الأهل غير المبرر، وتوجيههم لكليات «المجموع العالي» دون غيرها، وإلا انفضوا من حوله، ووصموه بوصم الفشل إلى الأبد وإن نجح، وهو الفخ الذى يقع فيه الشباب الوردي، لتشتت ذهنهم بين الراغبين فيه، ورضاء الأسرة، فيلجأ الأغلبية لتحقيق رغبة «الكبار» لخوفهم من الوصم، لكن مع مرور الوقت، وتتابع الأيام، يدركون أن الحياة لم تكن عادلة أبدًا بالماضي، ماذا لو حاولنا إنقاذ الأيام، واسترجاع ما مضى، واستحضار الحماس من جديد لإنقاذ ما تبقى من الحياة ؟ من البرمجة لبيع الكتب تخرجت صفوة صلاح الدين من كلية الهندسة قسم حاسبات جامعة عين شمس، لتعمل فى الهندسة والتدريس لمدة 15 عاما متتالية، لتشعر فى لحظة أن المكان هنا ليس لها، أرادت الابتعاد قليلًا، للبحث عن ذاتها، وقررت التخلى عن كل ما يحاول إهدار حياتها فى أى شيء لا يخلد ذكراها بين الناس. قدمت صفوة استقالتها من العمل دون تجهيز عمل بديل لها، وخلال إجازتها المفتوحة، جاءتها فكرة العمل فى بيع الكتب المستعملة لصالح جيرانها ومعارفها من خلال فيس بوك واتس آب، ومع تطور المشروع وجدت الكثير من أصحاب الكتب لا يرغبون فى عائد مادى، بقدر أن تصل الكتب لمن يرغبون القراءة، بدأت ببيع الكتب لصالح مشروعات خيرية، ومرضى الجزام بشكل خاص، وهنا بدأت فى تطوير عملها على السوشيال ميديا، والمنصات المفتوحة، فساهمت الصفحة فى التبرع بالكتب إلى مكتبة الأزهر جامعة أسيوط، ومكتبات دور الأيتام والمسنين وكنيسة فى حلوان تحت الإنشاء. تهدى صفوة الكتب لمحبى القراءة غير القادرين على شرائها، ومن خلال عائدات بيع الكتب تمكنت الصفحة من المساهمة فى مصاريف طلبة المدارس و الجامعات غير القادرين، كذلك توفر المساعدات المادية لطلبة مدرسة ذوى الاحتياجات الذهنية فى السيدة عائشة، فتسعى صفوة للقاء مع محبى القراءة ممن يشترون الكتب، و تتناقش معهم فى الكتب التى يختارونها، لأنها تحاول بشكل غير مباشر مشاركة الشغف مع من مثلها، وخلق حالة من الأُلفة بين مجموعات تكبر و تزيد من القراء. فى ال 45 تلتحق بكلية الفنون الجميلة «ندمت على مجموعى الكبير يالثانوية العامة لأنه تسبب فى حرمانى من حلمي» هكذا وصفت منى رجب، الأستاذ المساعد بكلية الفنون الجميلة سنوات اللا شيء، بحسب تعبيرها، فى مجال لم يكن خيارها أبدًا، تخرجت عام 1978 من قسم العلمى بالثانوية العامة بمجموع 88 %، وكان مجموعا مرتفعا وقتها أهلها لدخول عالم الطب، حاولت بشتى الطرق تحقيق حلمها بالالتحاق بكلية الفنون الجميلة لشغفها بالرسم منذ الصغر، إلا أنهم رفضوا تمامًا موافقتها على تحقيق حلمها، وأرغموها على دخول مجال الصيدلة حتى لا تلقى بمجموعها أرضًا، نفذت الأمر فورًا، وتركت أحلامها على رفوف غرفتها المتهالكة. بعد تخرجها عام 1983 بعد سنوات دراسية فاقدة للشغف والحياة، وتزوجت بعدها مباشرة، وتمكنت من تأسيس صيدليتها الخاصة، قررت تحقيق حلمها من جديد، حين علمت من أحد الأساتذة، أنه يمكنها الالتحاق بكلية الفنون الجميلة الآن كانتظام، بعد 22 عاما من التخرج، فعاد الأمل، وشعرت وكأن الله سبحانه وتعالى يهاديها بعد أن كبر أبناؤها، وقررت قبول الهدية فى لحظتها، فالتحقت بالكلية بعمر ال45، اندهشت أسرتها من قرارها بالبداية، لكنها تمكنت من إقناعهم من خلال تقديرات الامتيازات التى كانت تحققها ترم تلو الآخر، متفوقة على زملائها فى الكلية ممن فى عمر أولادها. تخرجت منى، وهى فى ال 51 من عمرها، ولم تتمكن من التعيين كمعيدة لسنها الكبير، رغم أن القانون ليس به ما يمنع تعيينها، فقررت رفع قضية وتمكنت من استرداد حقها وتم تعيينها معيدة بالفنون الجميلة، وحصلت على الماجستير والدكتوراة بعد 5 سنوات من التخرج، لتصبح دكتورة بقسم التصوير، وقدمت 15 معرضا خاصا بها إضافة للأوراق البحثية وانتصرت بمعركتها المشتعلة منذ أعوام مضت، رغم كونها جدة الآن ترعى أحفادا ،لكنها قررت ألا تكن جدة تروى للأطفال حواديت عادية مستهلكة، وإنما حكايات شغف وبكاء وانتصار بالنهاية. أحلام سارة وصلت للسماء كلية العلوم، تحديدًا قسم الفلك، كان هدفها منذ أن كانت طالبة فى الثانوية العامة وضعت قدميها عل حافة الثانوية العامة، لكنها تكتمت على رغبتها حتى لا تنشغل بمحاولات الإقناع المميتة مع الأسرة والمحيطين، والذين أصروا أن النجاح يعنى كلية الطب، وتركت المواجهة حتى أتى وقتها عقب الحصول على شهادتها بمجموع يرضى الجميع، لكن لم تأت الرياح كما اشتهت وهو ما توقعته بالفعل. حصلت سارة خالد على مجموع مرتفع فى الثانوية، كان يؤهلها لدخول أي من كليات الطب، أرغمتها الأسرة على دخول كلية الصيدلة ولم تتمكن من المقاومة طوال فترة الدراسة، أما عن الحياة فلم تعد تمثل لها شيئًا دون هدفها وشغفها بالفلك المحطم طوال الفترة الدراسية. التخرج كان بمثابة المحطة الأخيرة، محطة التحرر من قيود الأسرة و«كلام الناس»، تمكنت من أخذ هدنة بسيطة للفصل بين عالم الدراسة والمستقبل المنتظر، أشرفت لفترة على مجموعة صيدليات تعمل لصالح العمل الخيري، حتى تخلت عن كل شيء وبدأت فى الاتجاه لدراسة الفلك شغفها القديم لتتمكن منه هو الآخر وتحقق حلمها القديم. كلية طب قسم آثار الدراسات العليا بكلية الآثار جامعة القاهرة، كانت طريق منال لدراسة ما أحبت يوما ، وحرمها منه شغف الفخر بالقمم، كملايين المصريين، أُرغمت على دخول كلية قمة لتكن الأفضل، ودرست الطب لسنوات طويلة وعملت به سنوات إضافية، وهنا قررت التوقف قليلا لترى إذا ما تفعله يليق بطموحها أم لا، كبر السن لا يعنى دفن الطموح والأحلام، كثيرًا ما يكون طريق البداية، وهنا اتجهت منال لدراسة السياحة وتمكنت من الحصول على ليسانس الآداب بهذا المجال، ثم الدراسات العليا بمجال الآثار. استكلمت الطبيبة الآثرية طريقها لتنهى الجزء الأول من ماچستير الآثار المصرية، وعلى وشك الانتهاء من الجزء الثانى قريبًا، لتعمل خلال هذه الفترة بمجال التدريس بمعاهد خاصة، وفنادق سياحية، متمنية التعيين بإحدى الكليات المهتمة بالمجال السياحى.