خصائص الدراما الشعرية للأطفال أحمد سويلم نموذجا، هذا هو عنوان رسالة الماجستير التى سعدت بالإشراف عليها مؤخرا وتم منح الدرجة للباحثة سيدة السيد موسى نايل بدرجة ممتاز عنها، بقسم الدراما والنقد المسرحى بالمعهد العالى للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون، وهى تعد إضافة جادة ومهمة فى دراسات أدب وشعر ومسرح وفنون الطفل، وهو المجال النقدى الأندر فى مجال النقد الفني، وقد شارك بعمله وجهده الإشراف معى على الرسالة الكاتب الكبير يعقوب الشارونى فى مقدرة كبيرة واضحة على العطاء والاستمرار فيه، كما شارك بالمناقشة بعلمه ووعيه النادر عالم النفس والناقد الكبير وزير الثقافة الأسبق د. شاكر عبدالحميد ود. مصطفى سليم الشاعر والكاتب وأستاذ النقد والدراما. كان النقاش العلنى فى تقديرى هو محاولة لاستعادة الاهتمام بمسرح وثقافة الطفل، أما قيمة وأهمية الموضوع وعلاقته بالنشر العام فهى مستمدة أولا من ضرورة لفت نظر الوعى النقدى لأهمية إنجاز الشاعر الكبير أحمد سويلم، ولندرة الإبداع الفصيح للأطفال وخاصة فى مجال الشعر، فى إطار النظر للغة الأم العربية الفصحى كجوهر للثقافة والهوية المصرية والعربية.وهو إنجاز متراكم لشاعر مصرى يعرف أهمية دوره فى مجال المسرح الشعرى للأطفال، ولعل أبرز النتائج التى أرستها الرسالة هى الإشارة الواضحة إلى دور سويلم فى السعى الفنى نحو بناء المجتمع المتسائل، لأنه فى مسرحياته يقوم بحفز الأطفال للتعلم والمناقشة ليصبحوا متسامحين وعلى استعداد لتقبل الأفكار الجديدة. وهو الأمر المتاح على نطاق أوسع فى مسرح العرائس القادر على إدارة ونشر نسخ مسموعة مرئية من مسرحيات شاعرة وفصيحة مثل جحا والبخيل، والحارس الأمين وجائزة الحمار والثعلب الحسود، وحى بن يقظان، وهى مسرحيات تعتمد فى معظمها على عدد محدود من الشخصيات الرئيسية وشخصية محورية أساسية، وتتميز بالاهتمام الواضح بوصف دقيق مقترح للعناصر التشكيلية وغيرها، وتصلح للتقديم والعرض على تجمعات الأطفال المتعددة، ومنها المسرح المدرسى ومراكز الطفل بالأقاليم. كما يمكن نشرها على نطاق أوسع للمسرح التليفزيونى للأطفال، لموضوعاتها المهمة والمحلية وذات الصلة المباشرة بالثقافة الوطنية والعربية، ولعل الأمر هنا يكون إشارة لإنجاز متراكم فى المسرح الشعرى للأطفال لمن يتصرفون وكأن الحياة الثقافية للطفل المصرى والعربى يجب تركها للأفلام القائمة على الرسوم المتحركة بعالمها الافتراضى البعيد عن واقعنا المعاش، وهو أيضا بمثابة تذكير للفنانين الذين يخافون اللغة العربية الفصحى عند التمثيل للأطفال بأنها عالم جميل. فكم يحتاج الأطفال لأن يسمعوا من يخاطب حى بن يقظان الطفل المولود فى عالم لا يوجد به رعاية بشرية، لكنها الطبيعة ومخلوقاتها التى ترعاه وتشغله، لتقول للطفل حى اليقظان الشخصية التراثية الشهيرة أن تعليم الفلسفة للأطفال ضرورة ممكنة، لأنها طريقة فى التفكير وبداية لصنع الإرادة الإنسانية. سويلم يقول على لسان الشخصية المساعدة: اعرف نفسك يا حي.. تعرف كل الأشياء حسنا يا حي.. أنت الآن عرفت أن الله رعاك فلتعرف أكثر عن هذا العالم هكذا تهدف حى بن يقظان كمثال على تعليم الطفل الخير والحب والحكمة إن هذا الإخلاص النادر للشاعر الكبير أحمد سويلم يدفعنى لضرورة التأكيد على الاهتمام بأثره الشعرى المسرحى للأطفال، وهو أمر شديد الخصوصية والندرة فى أصداء عالية الضجة فى عالم الدراما والمسرح الضاحك والراقص والعامي، والنادر للأطفال وللناشئة، حيث الترجمة والعودة لمصادر أجنبية وإعادة صياغتها صياغة عامية، بل وادعاء التأليف لنصوص عالمية شهيرة، وشاشات العنف والقيم السلبية فى عديد من سلاسل الرسوم المتحركة، هو الإيقاع العام السائد فى فنون الطفل المسموعة المرئية فى غالبها ومعظمها إلا فيما ندر، ومن هنا تأتى ندرة أحمد سويلم وإخلاصه وخصوصيته، حيث حرص على المزج بين التاريخ العربى والإسلامى فى أزهى عصوره وأعظم شخصياته، والواقع المعاصر، وحرص على بلورة القيم العربية والإسلامية، مع يقظة وحساسية خاصة تجاه الحياة اليومية المعاصرة. ومصر رائدة فى هذا المجال فالمسرح الشعرى للأطفال يعود لتجربة الهراوى الشاعر الرائد منذ 1929 فى مسرحيته الطفل فى ليلة العيد، والعديد من المسرحيات الأخري، كما أنه يجدر الذكر فى هذا السياق أن أمير الشعراء أحمد شوقى خصص من إبداعه بابا شعريا للأطفال فى هيئة قصائد درامية فصيحة وقدم أيضا حكايات نادرة القيمة ففى أعماله الكاملة تجد (باب الحكايات وديوان الأطفال). وكان ذلك بين أعوام 1892-1898وفيها تأثر واضح بحكايات لافونتين فهل نتذكر الآن البدايات التأسيسية فى عهد محمد على الذى أمر بتنفيذ ما تعلمه رفاعة رافع الطهطاوى (1801-1873) والذى أمر بنقل أدب الأطفال من أوروبا إلى اللغة العربية وإنشاء باب جديد، بل وأصدر أول مجلة عربية للأطفال هى «روضة المدارس»، بالتأكيد ما أحوجنا إلى إدراك ذلك فى ظل محاولات تطوير التعليم الأساسى الدائرة فى مصر الآن حيث إن مسرح الأطفال، وندرة مخلصة من أمثال أحمد سويلم تؤكد أن لدينا إنجازا ثقافيا تراكميًا وتاريخيا فى مجال ثقافة الطفل، يحتاج لعقل استيعادى حتى لا يتلفت البعض يمينًا ويسارًا بحثًا عن فنون للطفل وكأننا نبدأ من فراغ، وفي مصر كنوز معرفية فى مجال فنون الطفل، وأجد منهما القابض على جمر الإخلاص للغة الأم العربية الفصحى وللكتابة للطفل، الشاعر الكبير أحمد سويلم.