كتب- آمال الشرقاوى لا أدري أو أدري (لا أدري) عندما طُلب مني كتابة هذه المقالة ارتبكت.. فروحي ترتدي حُلَّة الوجع. أكثر من ساعتين محاولة استجماع شتات قلمي، أضعه بين أصابعي.. ينزف.. يبلل أسطري لتستجديني بألا أرهقه.. تتصدر نقطة من العطف داخلي فأتركه ليرتاح ثواني. نسيت الألف والباء، وكأنني لم أكتب قط في حياتي وفجأة سيطر علي حرفان هما (الحاء) و(الباء) ليدفعاني لقول بعض ما عندي دون أن أجهز حواسي وعقلي أو أسوقهما إلي التفكير وليكن ما يكون.هنا نسيت فصيلة دمي الحقيقية.. كل ما أذكره أنها تأخذ وتعطي. وفي ظل هذه المحنة تيقنت من فصيلة دمي بحروفها الثلاثة (م ص ر)، ولكنها المعطي العام ولمعرفتها تكلفت الكثير، فألمها قطع أوصالي يتسلل أوردتي.. أعتلي شرايين عقلي ألم وطن يحمل داخله فصيلة دم كل الأوطان. منذ سنوات ليست بالبعيدة بجلسة مع أصدقائي في مصر وبعفوية قلت لهم : أريد أن أحتسي فنجانا من القهوة مع الرئيس. سألوني: من هو ؟ أجبتهم : الرئيس حسني مبارك. لربما أحسوا أن مطلبي هذا ليس جادا أو اعتبروه نكتة موسم. ولكنهم علي يقين أنني أملك الكرامة والعزة وعدم الحاجة لأية مطالب. إذن لماذا ؟ الآن يا سيادة الرئيس سيعرفون لماذا ؟ لا يشك أحد لا بحضارة مصر ولا بريادتها ولا بزعامتها ولا بطبيعتها ولا بثرواتها من العقول مما يؤهلها دائما أن تكون في أولي مصاف دول العالم الكبري، وهذا موضوع ليس مطروحا للنقاش، وبلا أدني شك أنك تملك من العقل والذكاء والحكمة ما يحقق لها هذا، فماذا جري أو يجري يا سيادة الرئيس ؟ من أهم معطيات أي دولة تحقيق الأمن القومي، وهو من أولويات الحقوق المشروعة للوطن والمواطنين، ولكن هل يتحقق الأمن القومي في ظل غياب الأمن الاجتماعي، فالأمن الاجتماعي هو الانتماء والانتماء هو الحب والحب هو المحافظة علي الوطن داخله وصد العدوان عنه. كيف لبلد بكل هذه الحضارة والثروات أن ينام أي مواطن به لا يمتلك قوت يومه ولا يمتلك مسكنا يحتضنه يموت من الجوع وغيره يموت من التخمة. هل أمست الكفاءة عارا للتعيين في الوظائف وحلَّت محلها المحسوبية والرشوة وضاق البلد بأناسه الشرفاء؟ -- سيادة الرئيس.. أنت أول من طالب بمكافحة الإرهاب.. هذا هو الإرهاب بعينه فلنكافحه داخل مجتمعنا أولا ثم نتصدي له بالخارج، والإرهاب المجتمعي هو الأقوي، هو الذي يولد العبودية، ولن يُطلب من العبد أن يعطي بحب واقتناع.. الحر فقط هو الذي يعطي. سيادة الرئيس : حكومات اخترتها، تعاقبت في عهدك منحتهم ثقتك، أحاطوا بك، ولكن هل أخلصوا لك ؟ أشك.. لربما عاشوا في برج عاجي. هل قاموا بواجباتهم تجاه هذا البلد الطيب والشعب الكريم ؟ أم أن أنانيتهم اعتلت منابر الحكم وتركوا هذا الشعب يتخبط ويئن إلي أن وصل أنينه إلي السماء ولربما لم يصل في ظل وجود سحابة سوداء.. حتي الهواء النقي حُجِب عنهم وحُرِموا إياه.. سواد داخلهم وسواد خارجهم. سيادة الرئيس، أين كان المثقفون والفنانون ؟ مجلس الحكماء الذي ظهر الآن ؟ أين كانوا عندما صافحوك والابتسامة تعلو وجوههم عندما يستمعون منك إلي كلمات الإطراء يتسلمون جوائز التقدير، هل طلبوا مقابلتك شخصيا وهل أطلعوك علي مطالب الشعب ومعاناته، وهل تكلموا معك بما يقولون الآن ؟ لا أعرف.. ربما حدث هذا أو لم يحدث. -- لا شك أنني أحترم كل هؤلاء لأنهم أسماء شرفتنا وشرفت بلدنا، ولكن أقدر وأحترم أكثر من اتفقوا معك أحيانا وعارضوك أحيانا ومنهم من دفع ثمنا غاليا أرشح هؤلاء ليكونوا عقلاء الحكمة. سيادة الرئيس لا أحملك المسئولية وحدك أيا كان؟ أحزاب المعارضة ؟ هل سمعتهم وسمعوك.. وإن سمعتهم هل فهمتهم وفهموك ؟ وإن فهمتهم، هل أوصيت بتنفيذ طلباتهم المشروعة من أجل مصلحة الشعب ؟ لا أدري فربما دور ( البرد) لازمهم سنوات ونصحهم الأطباء بأن يتكلموا في غرفة مغلقة طولها وعرضها متران.. أم أنهم تكلموا خارجها في الحدائق والمتنزهات، فاخترق الهواء أصواتهم المبحوحة وذهبت أدراج الرياح. قبل الخامس والعشرين من يناير، أي قبل المسيرة الأولي تحدثت مع مجموعة من الأصدقاء بأنني لا أحبذ أن تسير في هذه المسيرة الأحزاب. ولندع الشباب والمواطنين من جميع الأعمار يوصلون أصواتهم بعفوية وتلقائية إلي أب غاب عنهم سنوات. اعترض الجميع علي رأيي هذا وكمتابعة ومشاهدة من بعيد كان هذا إحساسي وصدق إحساسي من خلال الرؤية فقد تبدلت مطالبهم وحدث ما حدث بكل ما هو مؤسف. أنا أحترم وأقدر بعض أحزاب المعارضة الجادة ولكن كنت أود ألا ينتظروا مسيرة الشباب وألا يكونوا في حماية الشباب. كنت أود لو وفروا سنوات طوالا من معاناة المواطنين، وحركوهم مبكرا في مسيرات متحضرة. ترتقي بنا، لربما تحققت كل هذه المطالب منذ زمن. لربما هذا الطفل الذي مات من الإهمال الطبي والفساد كان سيبقي حيا الآن وصار شابا يافعا أو فتاة. الطفل الذي كان يملك الذكاء وينتظرالأيام ليكون شيئا ما، أصبح شابا عاطلا، فمن أين يأتي أهله بنقود من أجل درس خصوصي في ظل هذا الفساد الذي ينتهز الفرصة ويرفع سعر بضاعته فساد. فهل من المعقول أن يستيقظ المواطن في الصباح بدلا من أن ينعم بجو هذا البلد الجميل يقول اللهم كف عني الشر من الصباح حتي المساء، ويرجع بيته منهكا لينام ويخاف أن يستيقظ في الصباح وطعم الخوف في فمه. فمتي يضرب الفساد بأيد من حديد؟ -- سيادة الرئيس ربما تسألني، لم تكلمت الآن ؟ أنا تكلمت كثيرا وكثيرا فيما أكتبه الآن ولكنني كتبت كثيرا في مواضيع شتي وعندما أتيحت لي الفرصة الآن لم أتأخر وكان يهمني أن أكتب هذا في وجودك ولا أكتبه في غيابك. للأسف كان يجب أن تكون مسيرتي السلمية عبر قلمي وأوراقي مبكرا، ولكن كيف كان لي أن أكتب في مثل هذه المواضيع. فجواز سفري حجمه مختلف ولونه مختلف والأحرف الأبجدية عليه مختلفة، وحتي التأشيرات المصرية داخله تستعطفني، وأحيانا استعطفها، فليس عيبا أن استعطفها وكيف لا أستعطف وهذه الأرض في دمي وفي دم كل عربي، كيف لي أن أري عروس الأرض يُمزَّقُ ثوبها، تغمد الخناجر في حنجرتها، وقبل أن يخبو جزء من نورها يكون وهج أيامنا قد انطفأ، فهي لنا جميعا سنمسح عنها الدم والعرق. أنا لم أقل شيئا جديدا، ولم أضف كلاما جديدا، وهذا جزء من ثورة وغضب وألم داخلي، وأتمني أن يأتي يوم أحتسي به فنجان قهوتي مع كوب من عصير الفرحة والنشوة بعدما يطهر ثوب هذه العروس، وبإذن الله آت قريب. الأديبة والإعلامية الفلسطينية