يسجل شهر رمضان حضوره الرسمى بشوادر الفوانيس، وزينته، خاصة فى منطقة «تحت الربع» المعروفة بإنتاجها للفوانيس بأشكالها المتعددة، حتى أصبحت إحدى علاماتها فى ذلك الحى التاريخى. بالدخول إلى منطقة «تحت الربع»، تجد الجميع يسأل عن الفوانيس وأسعارها، وكانت أعداد الفوانيس تفوق أعداد الزائرين بغزارة، كما انتشرت أيضًا عربات النقل التى بدأت بنقل الفوانيس من الشوادر إلى سيارات التجار. محمد المصرى الشهير ب«بوسة» رجل خمسينى، يجلس على كرسيه الخشبى، يحمل بيده فانوسًا لم يكتمل بعد وأمامه طاولة يتوسطها شعلة لهب وبجانبها قطع زجاج ملونة كتب عليها «رمضان كريم»، ويحمل بيده الأخرى قطعة حديد مدببة الرأس يسخنها على اللهب ثم يضعها على صاج الفانوس لتلتحم معه. «محمد» أكد أن الفانوس يمر بخمس مراحل للتصنيع، إذ يبدأ أول فرد فى العملية الإنتاجية بقص الصاج باستخدام مقص حديدى، ثم يدخله إلى ماكينة لتفصيلها بشكل معين وهى «الأسطمبا» ثم بعد ذلك تبدأ مرحلة تصنيع «كعب» الفانوس وآخر يصنع «القبة» وآخر مهمته قص الزجاج وطباعته وآخر مرحلة هى التى يلحم فيها عم محمد كل أجزاء الفانوس مع بعضها وتركيب الزجاج. محمد، أكد أن لديهم أكثر من 1000 شكل للفوانيس من بينها «تاج الملك، برج، كابوزا، فاروق، لوتس» وهذه الأسماء تعرف بين التجار والمُصنعين فقط، أما الزبائن فلا يهتمون إلا بالأشكال والأسعار فقط، وكل عام نصنع شكلًا جديدًا، والعام الحالى أجدد شكل الفانوس؛ الصاج بلونه الفضى، والزجاج الأحمر والأزرق. لم تكن مهنة عم محمد تصنيع الفوانيس فقط، فقد كانت مهنته أيضًا الجزارة، لكنه دخل مجال صناعة الفوانيس سيرًا على درب أبيه وأجداده، ولأنه يحب الفوانيس وصناعتها، فقد بدأ محمد صناعة الفوانيس منذ صغره فهو يعمل بها منذ أكثر من 40 عامًا، موضحًا «كنت بروح الورشة مع أبويا وأنا ابن 10 سنوات». وأضاف: كان أشهر المواسم لنا شهرى رجب وشعبان، ويوم 5 من شهر رمضان تغلق أبواب التصنيع ونتفرغ للبيع ويكون الموسم بالنسبة لنا انتهى. كان تخزين الفوانيس للسنة القادمة هو ما يلجأ له عم محمد وجميع التجار للفوانيس التى لم تباع، قائلا «مش هتخسر كدا كدا هتتباع»، كما أن أسعار الفوانيس كانت تحسب على حسب حجمها والنقش والزجاج الموضوع بها، والأسعار تبدأ من 25 إلى 2000 جنيه، إلا أن الموسم هذا العام ليس على مستوى المواسم السابقة. «محمد» لم يعتمد على البيع بالجملة فقط، لكن كان يبيع بالقطعة «قطاعى» أيضًا، كما بدأ منذ عدة سنوات بإصلاح الفوانيس القديمة والمتهالكة، مشيرًا إلى أن الفوانيس المصرية يمكن إصلاح المكسور منها سواء كان من الزجاج أو من الصاج، وهذه كانت واحدة من المميزات التى تتميز بها الفوانيس المصرية المصنوعة من الصاج. ظهور الفوانيس المصنعة من قماش الخيامية أثر على بيع الفوانيس الصاج، بالإضافة إلى أشكال العرائس والشخصيات الكرتونية، لكن بعد وقف استيراد هذه الفوانيس عاد الزبون للمنتج المصرى مرة أخرى. العمل من 8 صباحًا حتى 12 مساءً لا يكون كافيًا لإنجاز عدد الفوانيس المطلوبة، وأوضح «محمد أن أبناءه لا يحتفلون بقدوم شهر رمضان بالفوانيس لأنهم عايشين فيها». وبالبحث عن مُصنعى الفوانيس التى تُضاء بالشمعة، أكد التحار أنهم قليلون، لكن بعضهم يبدأ التصنيع من بعد عيد الأضحى. فى منطقة تحت الربع أيضًا، وجد من يُصنع الفوانيس النحاسية، فبداخل محل لا تتجاوز مساحته 5 أمتار، وجدنا «فاترينة» بها صناعات نحاسية من «فوانيس وباجور الجاز وسيبرتاية»، أما الفوانيس النحاسية فهى من صنع ورشة شريف المصرى وأخيه. «شريف» قال ل«روزاليوسف» إن المحل وهذه المهنة كانت لأبيه وأجداده وورثها هو وأخوه، وحملنا على عاتقنا مهمة بقاء هذه الصناعة، فاستمرارنا يعنى الحفاظ عليها، وحتى لا نكون مرتبطين بموسم، قدمنا صناعات أخرى غير الفوانيس مثل الباجور والسبرتاية ولمبة الجاز. «شريف» أوضح أنه فى موسم الفوانيس كانت صناعتهما مختلفة، لأنهما لا يقدمان فانوسًا عاديًا، لكنه مصنوع من النحاس الذى لا يزال هناك من يُدرك قيمته، ونقدم منتجاتنا حسب الطلب، ودورنا تنفيذ التصميمات للزبائن، يعطوننا صورة نحولها لتجسيد فانوس، وعملية التصنيع لا تكون مجرد قطعة واحدة، بل تبدأ بتصنيع أكثر من قطعة لعمل أسطمبا للشكل. كانت الفوانيس التى تصنعها بقوالب زجاجية من نوع البايركس، وأوضح شريف أنه يمكن أن يكون الفانوس النحاسى به إمكانية وضع لمبة أو شمعة بداخله. أسعار الفوانيس النحاسية تبدأ من 300 إلى 400 جنيه أو أكثر حسب الحجم والشكل، وكل عام به أشكال مختلفة عن العام الذى يسبقه، وأكد «شريف» أن العام الماضى كانت موضته فانوسا على شكل «تفاحة»، وآخر كان مستطيلًا، أما العام الحالى فموضته فانوس به زجاج أبهر الزبائن تتراوح أسعاره بين 320 و380 جنيهًا. ورشة شريف لا تبيع منتجاتها بالقطعة أيضا فقد كان يبيع جملة للتجار، وهم من يتولون البيع بالقطاعى للزبائن، ولم تلجأ للتسويق، لأن المنتج له زبونه الذى يعرفه ويقدره. أوضح أن السنة الحالية تعتبر من سنوات الركود فى موسم الفوانيس، كما أن السبرتاية والكنكة عليهما أيضًا إقبال فى رمضان. أما عن البضاعة التى لا تُباع فى موسمها فأكد أنه يغلفها جيدًا، وتُباع فى السنة القادمة، وكل عام لدى ورشته هو وشقيقه الجديد.