تري، ماذا أكتب، في هذه الأيام، التي تمشي فيها، (مصر)، كلها، لتشيع الصمت.. والخوف.. واللا مبالاة، إلي مثواها الأخير ؟! ماذا أكتب، وقد أحرجتني (مصر)، بجميع تياراتها.. رجالا، ونساء.. صغارا، وكبارا.. شابات وشبابا.. لأن الكتابة، أصغر مما يحدث علي أرضها.. وحروف الأبجدية التقليدية، أضيق مما تتسع، لما يفعله الشعب المصري ؟! لأن مصر، في حالة استثنائية من التمرد، المبدع.. والثورة العفوية، التلقائية، فأنا - بلا شك - أحتاج إلي لغة استثنائية، تكون في قامة تمردها، وثورتها. ثورة شعبية من الطراز الراقي، التي انفجرت مطالبة، بحق الشعب المصري، في اختيار من يرضاه.. من يمثل تصوراته.. من يحترم إرادته.. من صدقت نواياه، وأفعاله، ومعاركه بوقوفها دائما إلي جانب الحرية.. والعدالة والكرامة.. وحق التعبير.. وحق التغيير. عشرات الآلاف، من نساء ورجال، وشابات، وشباب، وكل مصري غاضب، مما وصلت إليه مصر - وردة الوطن العربي - من ذبول.. وظمأ.. واعتقال.. وكل مصرية، خائفة، علي هذا الوطن، الذي استنزفه الكثيرون، علي مدي سنوات طويلة، ولم يتكلفوا حتي عناء كلمة اعتذار. يقول البعض، أنها ليست ثورة.. لا أدري ما مفهوم (الثورة) لدي هؤلاء، أيام من الاعتصام، والاحتجاج، والمطالب المحددة، من الآلاف الذين أقسموا علي استمرار التظاهر، حتي تتحقق مطالبهم.. آلاف، وآلاف، يتزايدون.. ومن كل صوب يتدفقون، علي ميدان التحرير، في القاهرة.. وفي مدن وقري المحافظات، والأقاليم.. قتلي.. وجرحي.. إذا لم تكن هذه (ثورة)، فماذا تكون ؟ هل ينتظرون، نزول ال 80 مليون نسمة، في الشوارع، حتي يصفوها بالثورة ؟! يقول البعض، إنها (تآمر) داخلي وخارجي، ضد أمن، واستقرار الوطن، لا أدري، أين هو ذلك الوطن، الذي يتكلمون عنه، إذا كان جميعه، قد نزل إلي الشوارع، غاضبا، حازما.. مصرا.. ومسالما ؟ أيقصدون وطنا هلاميا، لا وجود له، إلا في خيالهم، ويرسخ مصالحهم، هم، لا مصالح الوطن المتظاهر، في الشوارع. يقول البعض، إنها (انتفاضة)، من صنع مثيري الشغب، واللصوص، والبلطجية، والهاربين من السجون.. ولا أدري، ما هي دلائل هذا القول ؟ لقد نزلت بنفسي، إلي شوارع التظاهرات التي كسرت حظر التجول، ولم يتعرض أحد لي.. ولم أشاهد أي خناقة بلطجية.. بل رأيت، أروع صور التعاون بين الشباب من الجنسين، ومن كل المتظاهرين، وأهاليهم، وأسرهم، الذين شكلوا لجانا شعبية، تتناوب علي تنظيم المرور.. وحماية البيوت.. والمحلات.. وإغلاق الشوارع الخلفية، والطرق الجانبية، بالكاوتش والطوب الكبير.. والسيارات الخردة، للتصدي لقلة من اللصوص. نعم، هناك لصوص، محترفون في السلب والنهب، والتخريب، الذين يظهرون، فجأة، من خلف الكواليس.. يلبسون الأقنعة.. ومسلحون بأنواع مختلفة، في أي تجمع للناس هذا أمر طبيعي، ومتوقع، في هبات شعبية بهذه الضخامة التي نراها اليوم. كما أنني، لا أتفق، مع آراء، قالت إن الفقر المدقع.. والفجوة الخيالية بين من يملك، ومن لا يملك، وتردي أحوال المعيشة، هي الدافع وراء هذه التظاهرات.. محاولة فاشلة لإجهاض الثورة. لا.. ما رأيته.. وما يحدث هذه الأيام، علي أرض مصر، ليس ثورة شعب، محروم من الخبز.. إنها ثورة شعب محروم من الحريات العامة، والحريات الخاصة،ثورة شعب، ليس مشتاقا، إلي مذاق الوجبات الأمريكية، التي انتشرت في كل أنحاء مصر ولكنها ثورة شعب، يتوق إلي مذاق العدل. يقول البعض، إن مصر في أزمة، أو إن مصر، في خطر.. أو إن مصر تستغيث لإنقاذها.. أو إن سفينة الوطن تغرق. أعتقد أن هؤلاء البعض، هم الذين، في أزمة حقيقية.. وهم الذين، في خطر شديد.. وهم الذين يستغيثون للإنقاذ.. وهم الذين علي مشارف الغرق.. إن لم يكونوا قد غرقوا بالفعل. أعتقد أن التوصيف الصحيح، الدقيق، لما يحدث هذه الأيام، هو أن مصر، خلاص، قد استفاقت.. أن مصر كان خطرها الحقيقي هو الصمت والخوف واللا مبالاة.. وليس خطرها، في أنها اليوم تتكلم وتعلي من صوتها وتعوض سنوات طويلة، من الركود والخنوع ومصر لا تغرق، بل تخرج عفية من تحت الأعماق. وهي لا تستغيث بأحد لإنقاذها.. إنما هي تتحرك بطبيعة، مثل كل الأوطان، التي استحقت الكرامة والحرية، والعدالة. إذن مصر، ليست في خطر.. لكن مصر في عيد وطني كبير.. واحتفال شعبي هائل، بالقدرة، علي كسر جدار الصمت، والخوف. الخطر الحقيقي الذي أراه، والذي بدأ في الحدوث فعلا، هو محاولة البعض ركوب قطار الثورة الشعبية المصرية، ب (الأوطنة).. دون أن يكون قد دفع، ثمن ركوب هذا القطار الثوري.. في الماضي أو الحاضر. هناك الكثير من الأسماء، التي كانت في موضع قيادة الرأي العام، ولم تكن تكتب، إلا عن بركة السلطة الحاكمة.. وحكمة المؤسسات الرسمية.. ووطنية الخونة.. ومهربي الأموال.. وناهبي الأراضي.. وتستنفر السلطة الحاكمة، لأن تغتال معنويا، وأدبيا، الذين يراهنون دائما علي الورقة الرابحة للشعوب، دون الحكومات. كتاب، وكاتبات، شعراء.. أدباء.. ناس من الصحافة.. والإعلام وراء كل حائط حكومي الآن، يقفزون علي ثورة الشعب المصري، ويجرون علي منابر مستقلة، غير حكومية، لتنشر لهم المقالات، والقصائد، في مديح تمرد الشعوب. وهناك من أهل السياسة، من يحاول اختطاف قطار الثورة، لحسابه الشخصي، أو لحساب جماعة أيديولوجية معينة. وأعتقد أن الشعب المصري، بكل فئاته، وطبقاته، واتجاهاته، لديه من الذكاء، الكافي لإدراك هذه الحقيقة، ولغربلة من يدفع ثمن الحرية، ومن يسرق الحرية، تماما مثل بلطجية الازدحام، واللصوص المدربة باحتراف، علي النهب والسلب والخطف، إن ذاكرة الشعب المصري، الذي بدأ الشرارة الأولي، يوم 25 يناير ,2011 ذاكرة قوية، عادلة وتستطيع فرز الانتهازيين، في كل عصر، وكل عهد.. والذين يأكلون علي جميع موائد الحكم، أو هكذا أتمني. من بستان قصائدى إذا (مصر) يوما نطقت بالكلمة المحرمة وقالت (لا) فلابد أن نرهف السمع ولابد أن تذوب أعتى الصخور كأنها ألواح من الشمع