«من أجل عينيك عشقت الهوى..بعد زمان كنت فى الخلى..وأصبحت عينى بعد الكرى تقول لا للتسهيد لا ترحلى»..تلك كلمات قصيدة «من أجل عينيك» التى غنتها أم كلثوم وبرزت فيها آلة «التشيلو» وهى الآلة التى تميز بها عم عبدالفضيل وكان عنصرًا مميزًا فى فرقة الست، ومعروفا عنه براعته فى تدليل آلة التشيلو. بعيونٍ باكية، وقلب مشتاق، يتذكر «عم عبدالفضيل» آخر العازفين خلف أم كلثوم، وأحد عازفى فرقة الموسيقى العربية بالأوبرا قبل بلوغ سن المعاش عام 2001، ذكرياته وموقفه معها: «الست لم تمت، لكنها بعدت، ولا أفضل أن يقول أحد أنها ماتت، لأنها عاشت فى قلوب الجميع فهل هناك أحد لا يسمع الست». وأضاف «عبدالفضيل»: انضممت لفرقة الست وأنا فى العشرينات، واختبرنى الملحن رياض السنباطى بنفسه وأثنى عليّ، وقرر ضمى للفرقة على ضمانته الشخصية، وقال لأم كلثوم: لو ما عزفش زى أساتذة الفرقة وأحسن أنا همشيه. يقول صاحب «التشيلو»: «أم كلثوم تلقت دعوة من الملك الحسن ملك المغرب سابقًا، لحضور حفل عيد ميلاده بحضورى أنا والسنباطى،واستشارت السنباطى فى الأمر لعدم رغبتها فى حضور الحفل دون فرقتها، وقالت إنها وسط فرقتها وفنها ستكون ملكة أمام ملك المغرب والملوك الحاضرين، وبدونهم ستكون شخصا عادىا فرفضت الدعوة وكبرت فى نظرى جدًا بسبب هذا الموقف». حكاية أخرى من دفتر ذكريات الست مع عازف التشيلو يقول : فى إحدى حفلات أبو ظبى،كان من المفترض بداية الحفل فى تمام الساعة العاشرة مساءً بحضور الشيخ زايد، وكان لابد من حضوره عند فتح ستار الحفل، لكن الشيخ زايد تأخر عن موعده، ولم يأت فى تمام العاشرة كما من المفترض أن يحدث وأم كلثوم لو لم تغن فى العاشرة العالم يشعر بالقلق، وربط البعض بين التأخير وأحداث سياسية فى الإمارات وخارجها، لكن فى النهاية أمرت كوكب الشرق أمام وزير الثقافة بفتح ستار الحفل الساعة العاشرة والخمس دقائق بالضبط حتى وإن لم يصل الشيخ زايد، وترجاها الجميع فرفضت وأمرت بفتح الستارة فورًا وعامل الستارة كان سيسقط على ضهره من الخوف من الست، وحضر الشيخ زايد متأخرًا، واعتذر فى اليوم التالى فى جريدة الإمارات الرسمية عن التأخر على موعد الحفل». بداية التناغم بين «كوكب الشرق وعازف التشيلو»، مع قصيدة من ألحان بليغ حمدى وهى «الحب كله»، والسبب فى ذلك أنه من المفترض كالمعتاد تبدأ البروفة فى تمام العاشرة، لكن بليغ تأخر عن موعده، وكان على«القصبجى والحفناوى» أن يتذكرا اللحن، لكنهما لم يستطيعا، فرفعت يدى لسومة فأذنت لى بالكلام، فأخبرتها أننى أتذكر اللحن وبدأت عزف آنين بسيط حتى تذكر الأساتذة اللحن وبدأوا فى التناغم معه والتذكر وأداء اللحن مضبوط، ووقتها شكرتنى وأثنت علي كعادتها فى الثناء على الشاطرين، لأن الشاطر هو حياتها، وكل طلباته مجابة، إنما لو مش شاطر ماتبديش رأى،وأثنت علي لأنى كنت أصغر واحد فى الفرقة وأكتر واحد كان مركز فى اللحن وتذكرته، السنباطى عندما أدخلنى الفرقة كان متأكدا أنى سأترك بصمة وليس مجرد كمالة عدد». ويتابع «عبدالفضيل»: «أنا الوحيد فى فرقة الست الذى حصل على 10 جنيهات من أول مرة، وكله كان يحصل على 5 جنيهات، فهى كانت تحب شغلى وتعز السنباطى جدًا، ورفعت أجر عازف قديم فى الفرقة فأصبح يحصل على 12 جنيهًا، وأنا أحصل على 10 جنيهات، ورفضت رفع غيرى،وكانت الست تحصل على 700 جنيه، تأخذ لنفسها 400 جنيه من الإذاعة وتوزع الباقى،فلم تتمكن من رفع أجرة الجميع. وأضاف: «فى يوم سافرت لحفل خاص فى بلد عربى،وعند عودتى اتصلت بالست للعمل معها فى قصيدتها الجديدة، والحقيقة عمرى ما طلبتها واعتذرت لأى سبب» وبالفعل كانت تجرى بروفات على قصيدتها الجديدة مع عبدالوهاب «ليلة حب»، وطلبت منى الذهاب للاستوديو للتسجيل مع الفرقة، وذهبت وسجلت معه وحفظت المقدمة والكوبليهات التالية بسرعة كبيرة، وباليوم التالى سألت عنى وقالت: حفظت إيه، فقلت اللحن كله فشكرت السنباطى على أنه أدخلنى الفرقة، ومرة تأخرت عن موعد بروفة سامحنى السنباطى فيما لم يسامح فيها ابن عمه الذى كان عازفًا معنا وأخرجه من الفرقة. وتابع عن حكايات الست: أثناء البروفات على قصيدة «القلب يعشق كل جميل»، لم تتمكن السيدة من إعلاء طبقة صوتها فى إحدى الجمل مع لحن السنباطى،لكنه كالمعتاد رفض تغيير طبقة الصوت وبدأ فى تشجيعها لتتمكن من إعلاء الطبقة وكانت تحاول بأقصى جهدها، والتفت لى وطلب منى إخراج الفرقة من الغرفة وقال لى: «عبدالفضيل خلى الفرقة تشرب شاى بره ويقعدوا شوية وفضل اليوم كله مع الست لحد ماجابت طبقة الصوت». كان الملحن رياض السنباطى حسب رواية العازف المسن عاتبًا على عبدالوهاب، بسبب تخفيضه طبقة الصوت للست عند طلبها، وهو ما يضر فنها من وجهة نظره، فكانت رؤيته تكمن فى الضغط على كوكب الشرق لفتح صوتها مع اللحن لأنها تتمكن من ذلك وعدم التهاون من صوتها العذب لأنه قادر على أداء أى شىء. بات العم عبدالفضيل فخورًا بالعمل ما يقرب من ال10 سنوات خلف كوكب الشرق وهى تغرد على مسارح العالم أجمع ، فكانت تعمل دون «نوتة موسيقية»، أو كتالوج كانت تعشق من يحفظ اللحن ويغرده بعذوبة دون رقيب، فكانت الست هى قائد الفرقة الأول «كان اسمنا فرقة أم كلثوم هى القائد والمايسترو، كنا حافظين إشارات إيدها إمتى نعلى وإمتى ننزل، ذات يوم كان عازفى التشيلو غير قادرين على عزف جملة من تلحين السنباطى،فاستعان بالعازف المحبب له لعزفها أمامهم «كانوا كلهم أساتذتى لكن أنا تعليمى كان أحدث فقدرت أجيب الجملة وأعزفها كويس قدامهم وعزفوها من بعدى وكان السنباطى فخورا بى». على إحدى أريكات منزل العازف المُسن، كانت ورقة متهالكة، لا يمكن التعامل معها بحدة وإلا انقطعت فى لمح البصر، لا يلفت النظر بها سواه إمضاء بخط صغير «أم كلثوم» عند الاستفسار عن الإمضاء وحقيقتها بدت السعادة على وجهه عند تذكر الموقف «هذا إمضاء الست على جواب لى عشان يسمحوا لى أسافر معها وأنا جندى فى الجيش»، البداية كانت مع الإعلان عن إقامة حفلات مجهود حربى بأبو ظبى لفرقة أم كلثوم، وكنت جنديا بالجيش وقتها، وكنت أريد السفر لهذه الحفلات مع الفرقة، فطلبت منها ذلك، فأعطتني جواب استثناء بإمضاء يدها للسماح لي بالسفر مع الفرقة أثناء أجازتي، وتم قبول الجواب بالفعل وطلبوا من الجوازات عدم الإغلاق للانتهاء من جواز سفر عسكرى لعازف التشيلو فى نفس اليوم ليتمكن من السفر فى صحبة ثومة «ومين غير الست كان يقدر يعمل كدا؟!». ذات مرة ذهب عازفو الفرقة دون الاستئذان للسفر فى حفلات خارج مصر تزامنًا مع حفلة لكوكب الشرق فأجرت مكالمة لإحدى القيادات الحكومية وأنزلهم من الطيارة لاستكمال حفلتها «مايقدروش يسافروا من غير إذنها ورضاها ونزلتهم من الطيارة». انتهت جلسة الذكريات بصحبة رفيقة رحلته «سعاد» وزوجته أثناء تصفح مجموعة من الصور بصحبة أعضاء الفرقة، ومقطع كامل من أغنياته المعزوفة على اليوتيوب «أغدا ألقاك..القلب يعشق كل جميل..من أجل عينيك»، أثناء عزفه للتشيلو، متباهيًا بالمشاهد التى يظهر خلف الست أثناء الغناء «كان السنباطى يقول على « عبدالفضيل اللى يتفك بخمسة» إكمنى كنت بالنسبة لهم العازف اللى لما يحب يبدله هيبدله بخمسة غيره لأن مفيش واحد لوحده يقدر ياخد مكان آلته».