ارتبط دائمًا بالحب والسلام، استُخدم قديمًا فى نقل الرسائل بين الناس، إنه الحمام.. هذا الطائر الذى لا يمتلك فقط قدرات خاصة على الطيران، بل قدرات فى جذب الناس إليه وتعلقهم به، ألم تنظر إلى السماء فى مرة وتحرص على متابعة أحد الأسراب المنتشرة وهى تحلق وترسم معا لوحة بديعة، بعد أن أطلق سراحها من «غيّة الحمام».. ألم تحن إلى هديلها وهى تتغنى بالقرب من نافذة منزلك فى صباح أحد الأيام. حكايات المصريين فى حب الحمام لا تتوقف.. فما بين هواية تربيتها أعلى أسطح المنازل، وبين عشقها باعتبارها من أشهى الأكلات المصرية، تدور العديد من الحكايات، مع هذا الطائر الذى أصبحت تربيته ليست بهدف نقل الرسائل أو الطعام فقط، إنما لأغراض ترفيهية مثل تنظيم مسابقات للطيور والمعارض. تعد سوق الحمام بمنطقة محطة مصر بالإسكندرية، والتى تقام كل يوم من أول شارع الخديو من أشهر الأسواق المتخصصة فى بيع الحمام والعصافير، ويتوافد عليها التجار والهواة من مختلف الأماكن والأعمار للبيع والتجارة، «روزاليوسف» تجولت داخل السوق للتعرف على الأنواع المختلفة والأسعار وسر انتشار هواية تربيته بين الشباب. فى عشق الحمام مصطفى محمد طالب بالفرقة الأولى (كلية نظم معلومات) يحرص على الذهاب للسوق كل يوم جمعة فى السابعة صباحًا لبيع الحمام الذى يقوم بتربيته فى المنزل، أما سمير عويس ويعمل (منجد أفرنجى) فيحرص على الحضور إلى شراء الحمام الذى تتفاوت أسعاره، وتبدأ من 20 جنيهًا وقد يصل سعر الواحدة إلى ثلاثة آلاف جنيه، فالحمام الذى يباع فى السوق ليس للطعام. أما أحمد محمد فهمى (حاصل على دبلوم فنى تجارى وبائع حمام)، فيقول إنه يهوى تربية الحمام، وكان له أصدقاء يقومون بتربية الحمام وكان يساعدهم وفى إحدى المرات منحه أحد أصدقائه زوج حمام هدية، فقام بتربيتهما وأنجبا له «زغاليل»، ومعهما بدأ تعلم تربية الحمام والتعرف على أصنافه المختلفة، وخصص لها غرفة بمنزله، وحاليًا يربى الحمام ويقوم ببيعه. ويضيف فهمى: أنواع الحمام كثيرة ومختلفة منها الملطى والنمسويات والجعفرة والعببسة الغوازير والأستراليات والكراكنديات وعنابرة وكامريات وشالبزيات، ويختلف كل نوع عن الآخر، وهذه الأنواع ليست للأكل، أما الحمام المخصص للطعام فهو «الفلاحى» و«الملطى» و«الكنجى»، أما باقى الأنواع فهى للتربية فتجد من يخصص عشة فوق منزله لتربية الحمام واقتناء الأنواع المختلفة ويقوم بتطييرها آخر النهار ويضع لها الطعام بالعشة لتعود مرة أخرى. محمد حامد بائع حمام يقول: « لى 30 عامًا أذهب للسوق كل جمعة لبيع الأنواع المختلفة، وهناك المئات من الأنواع المختلفة من الحمام، أهمها حمام الغيّة الذى يطير»، لافتًا إلى أن أعمار الحمام الذى يتم بيعه تبدأ من 6 شهور وهناك ثلاثة شهور يكون «زغلول» وحمام كبير عمره سنتان، موضحًا أن أقصى عمر للحمام 16 عامًا، ولكن إذا مر على الحمام خمس سنوات يفضل عدم أكله، مشيرًا إلى أنه يتعرف على عمر الحمام من فمه وأصابع يده وعدم قدرته على الإنجاب أو البيض، فالحمام يحتاج نوعًا خاصًا من التربية منها العيش فى «الطل» أى الأماكن المكشوفة. أسعار الحمام فى الإسكندرية تتفاوت، فهناك فرد يبدأ من 20 جنيهًا و30 جنيهًا و100 جنيه وألف جنيه وثلاثة آلاف جنيه و10 آلاف جنيه، منها الصوافة وهو نوع من الحمام ليس له منقار له محبوه، ويحرص الغالبية على تربية الأنواع الرخيصة من الحمام. الحمام الزاجل وعن الحمام الزاجل، أشار حامد إلى أن هذه الأنواع لديها قدرة فائقة على تعلم المسافات ويتم تمييزه من خلال دبلة توضع فى قدمه، وكانت الإسكندرية قديمًا رائدة فى تعليم الحمام المسافات، ونحن الآن نعلم الحمام الطير من الإسكندرية حتى القاهرة والصعيد، وهناك جمعيات متخصصة فى تعليم الحمام كيفية السفر والعودة بميعاد، لافتًا إلى أن هناك مئات الأنواع من الحمام منها الحمام الأسترالى والحمام الشقلباز والحمام العبسى والحمام الحلبى والحمام الكراكندى وحمام البلق وهو 13 نوعًا والمساوى وعنابرة ومراقعات وحمر وأزملة، موضحًا أن أكثر الأنواع التى يتم بيعها وتداولها بالسوق حمام الرومانيات والكنجيات يبدأ من 200 جنيه حتى ألف جنيه. تربية الحمام لا تتوقف عند الشباب وكبار السن فقط، فللصغار نصيب منها، حيث يقوم أدهم قبارى طالب فى الصف الثانى الإعدادى بتربية الحمام، منذ أربع سنوات، ويذهب كل جمعة للسوق للبيع وتعلم تربية الحمام من نفسه ويستخدم سطح منزل والده فى تربيته، ويقوم ببيع الحمام الأسترالى والحمام المسافات والحمام الهزار والحمام الصوافة والحمام المشمشى والحمام الشقلباز والأسترالى والمراسلة. ويحرص محمد اليابانى على الذهاب إلى السوق أسبوعيًا منذ 20 عامًا، حيث يقوم بتربية وبيع العصافرى، وهو له أصناف كثيرة تبدأ أسعارها من 20 جنيهًا وتصل ل 20 ألف جنيه مثل السنجبارى المدرب الذى يتكلم من خلال التدريب، وهناك نوع يسمى الأسترالى وآخر يسمى الإنجليزى. محمد رمضان يبيع العصافير والحمام منذ 10 سنوات، موضحًا أن عمر العصفور يصل إلى 7 سنوات ويختلف من نوع لنوع والبيض يتم من 9 شهور حتى سنة وثلاث سنوات وهناك مئات الأنواع من العصافير منها الكوكتيل والفيشر وميكاتوا والجنزبارى ويبدأ سعر العصفور من 10 جنيهات و40 جنيهًا، لافتًا إلى أن هناك نوعًا من العصافير يسمى زنجبرالى يصل سعره ل 250 ألف دولار، كما أن هناك أنواعًا نادرة من الحمام كالنفاخ الإنجليزى ميزته فى الألون النادرة التى توجد به ولايوجد فى السوق بكثرة وهناك نوع يسمى جعفرى إنجليزى ميزته فى شكله وسلالته تعد نادرة وسعره يصل إلى ألفى جنيه. وأوضح هانى أنور أنه يهوى تربية الحمام وبيعه، وهى ليست مهنته الأساسية، محذرًا من تدهور المهنة بسبب قيام بعض الشباب بتهجين الحمام بطريقة خاطئة، وهو ما ينتج حمامًا خليطًا وليس أصليًا، ويضيف الحاج على 66 عامًا - ويعشق تربية الحمام منذ أن كان عمره 3 سنوات، ويحب أكل الحمام - أن تربية الحمام أصبحت غير مربحة وبعض الشباب لحبهم فيها يتركون الدراسة من أجل التفرغ لها. عودة الهوايات القديمة ومن جانبه، أكد الدكتور عبدالعزيز الفضالى أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، أن كثيرًا من الهوايات المصرية القديمة عادت مرة أخرى للساحة، منها هواية تربية الحمام.. التى كانت موجودة بكثرة فى المجتمع الأندلسى والمجتمعات الريفية والعربية القديمة واختفت لفترة معينة وأصبحت حكرًا على بعض الناس.. لكن هناك ظاهرة إيجابية وهى انتشارها بين الشباب مما يدل على أنه ليس كل أفعال الشباب خطأً، وأن انتشار تلك الهواية بين الشباب أدى لانتشار الأسواق المخصصة للحمام فى قرى وريف مصر. ولفت إلى أن رواد سوق الحمام بالإسكندرية تتراوح أعمارهم من 10 إلى 15 سنة، وهو مؤشر جيد، فإذا كانت هواية تربية الكلاب والقرود انتشرت فى الفترة الأخيرة، وهى لها مساوئها، سنجد النقيض وهى هواية تربية الحمام تنتشر مما يمثل بشرة خير، مطالبًا منظمات المجتمع المدنى برعاية هؤلاء الشباب الذين ينقصهم الخبرة والتعليم فلابد من توجيههم بطريقة صحيحة، فالهواية لديهم نواة لمشاريع استثمارية توفر فرص عمل ووظائف برءوس أموال بسيطة ولابد من عمل حصة فى المدارس تتبع التعليم الزراعى لكيفية تربية الطيور المختلفة حتى يتعلم الطفل الصغير كيفية عمل مشروع بتكلفة 500 جنيه ويمكن عن طريق المشروع الصغير حل مشكلتين كبيرتين فى مصر، مشكلة التغذية وهى الحصول على الغذاء بأسعار زهيدة وتوفير فرص عمل.