طيلة أكثر من نصف قرن تمكنت الثقافة الشعبية السينمائية من صياغة مصطلح للأفلام الجماهيرية التى تحصد أقصى ما تستطيع حصده من جوائز خاصة جائزة الأوسكار التى تعتبر بمثابة «نوبل» سينمائى،فعلى الرغم من أن هذه الأفلام غالبًا ما تكون متواضعة فنيًا سواء فى نظر الجمهور أو النقاد، إلا أنها مع ذلك تحظى بنجاح جماهيرى أو«أوسكارى» منقطع النظير. هذا المصطلح هو «Oscar bait»، وقد عاد للظهور مجددًا داخل الأوساط السينمائية العالمية والأمريكية بوجه خاص، على مدار الأسبوعين الماضيين، بيد أن أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة «الأوسكار» أحدثت جدلاً واستياءً واسعًا بين صناع السينما من جميع أنحاء العالم، بعد أن اتخذت جملة قرارات مثل تقصير البث المباشر للحفل إلى ثلاث ساعات، وتحديد موعد مبكّر للحفل ليكون فى شهر فبراير من كل عام وليس مارس، إلا أن القرار الأهم كان استحداث جائزة جديدة لأفضل فيلم ناجح جماهيريا «popular film». جاء هذا القرار مبهمًا للدرجة التى جعلت الجميع يتساءل عن أسباب هذا القرار الغريب فضلاً عن تعريف محدد وواضح للفيلم الناجح جماهيريًا، إذ أن الأكاديمية أكدت أن مدى شعبية العمل الفنى يحددها الجمهور ومدى إقباله عليه بغض النظر عن النقاد أو التقييمات الفنية، لكنها مع ذلك لم تضع المعايير المطلوبة لتلك الفئة من الأفلام. وتقريبًا أجمعت الآراء على أن الفئة الجديدة ستشمل تلك الأفلام التى حققت نجاحًا جماهيريًا فى شباك التذاكر لكنها لم تدخل فى ماراثون الأوسكار بثقلها، مثل أفلام الأبطال الخارقين على غرار أفلام مثل «Avengers» و«Black Panther» الذى لا يزال حتى الآن يحصد إيرادات هائلة، وأيضًا الأفلام التى على شاكلة «Mission Impossible» و«A Quiet Place». ولكن ما الذى دفع الأكاديمية إلى اتخاذ مثل هذا القرار الغريب؟ الإجابة تكمن فى الإيرادات! فالأكاديمية تعانى من نسب مشاهدات ضئيلة جدًا، فالحفل الماضى والذى قدمه المذيع الشهير «جيمى كيميل» حقق حوالى 26 مليون مشاهدة فقط، وهو رقم منخفض عن العام الماضى بنسبة 20 %، وعن عام 2014 الذى شاهده أكثر من 40 مليون شخص من مختلف أنحاء العالم. السبب الثانى هو الضغط الذى تعرضت له الأكاديمية طيلة سنوات عديدة من قبل شبكة «آيه.بى.سى»، صاحبة حقوق بث حفل توزيع الأوسكار حتى عام 2028، والمملوكة لشركة «ديزنى»،فبحسب تقرير نشرته مجلة «فارايتى» الأمريكية فإن الشركتين كانتا تسعيان لجذب نسب مشاهدات عالية منذ فترة طويلة، خاصة مع ارتفاع نسب مشاهدات حفلات تقديم الجوائز الأخرى مثل الجولدن جلوبز والإيمى. ونقل موقع «لايف مينت» الترفيهى أن القرار اتخذ دون استشارة أعضاء أكاديمية الأوسكار، البالغ عددهم 7 آلاف عضو والذين اعتبروا أن إضافة فئة الأفلام الشعبية لجوائز الأوسكار، يعتبر «إهانة» لقيمة الجائزة، وهو بالضبط ما أكده العديد من الإعلاميين الأمريكيين مثل «جيف سنايدر» الذى قال : إن «الأوسكار قد ماتت»! وقال الموقع الأمريكى إن المسئولين فى «آيه.بى.سى» و«ديزنى» والأكاديمية رفضوا التعليق على كل هذه الانتقادات، بل نقلت «فارايتى» عن مصادر من داخل «آيه.بى.سى» قولها إن مسئولى الشركة لم يتأثروا بحملات النقد الشديدة الموجهة إليهم. ومع كل هذا، لا يزال سبب الجدل قائمًا، ألا وهو عدم وجود تعريف محدد لمصطلح الأفلام الشعبية، وهو الأمر الذى سيكون له عواقب سلبية فادحة، خاصة أن هناك عرفًا هوليووديًا قائمًا مفاده أن الأكاديمية لها سمعة عدم ترشيح الأفلام الجماهيرية على حساب الأفلام الفنية، وإن كان هناك استثناءات لترشيح أفلام جمعت بين النجاح الفنى والجماهيرى،كفيلمى «Titanic» و«Avatar» وسلسلة «Lord of the rings»..هذه الأفلام أصبحت مع الوقت جزءًا من الثقافة الشعبية الأمريكية، ومع ذلك يبقى |أن نجد مثلا فيلم«The Dark knight»، المحفور فى الذاكرة الشعبية وله قيمة فنية كبيرة وحقق إيرادات خيالية، لم يترشح لجائزة أفضل فيلم. وبالتالى يصعب على الأكاديمية إقصاء عامل النجاح الجماهيرى من المعادلة، حتى ولو كان على حساب النجاح الفنى،أى أن إيرادات شباك التذاكر هى التى تحدد مدى شعبية الفيلم من عدمه، وبالتالى مدى قابليته ليصبح جزءًا من الموروث الشعبى.