عشرات المارة يتوقفون لالتقاط الصور مع قطار قديم أمام «محطة مصر» فى منطقة رمسيس، ما يسترعى الانتباه هو ملامح القطار التى تشبه لوحة فنية نادرة، تجد تفاصيلها مدونة على قطعة جرانيت عند المقدمة، تكشف أن تاريخ المركبة التى أخذت رقم «986» يعود إلى عام 1856م، وهى تمثل الجيل الثانى للقطارات فى العالم، صُنعت فى إنجلترا وتم بيعها لمصر فى التاريخ المذكور. القطار المكون من 43 عربة، الذى توجد نسخته الأخرى بالمتحف العالمى بلندن، يقف على بُعد خطوات من متحف «السكة الحديد»، وهو على استعداد ليأخذك فى رحلة عبر التاريخ من خلال المتحف، تتعرف خلالها على مجموعة نادرة من القطع والمقتنيات تحكى كل منها قصة تستحق أن تُروى. يتميز المتحف باللون الأبيض الهادى، وأعلى المدخل وضعت لافتة حجرية من اللون ذاته تؤكد «هنا متحف السكة الحديد.. أهلاً وسهلاً». فى مدخل المتحف، الذى يأخذ اللون الفضى، يجلس ثلاثة عمال يرتدون زيّا رسميّا رمادى اللون، فى حرص شديد تمر الحقائب للتفتيش عبر ماكينة إلكترونية، ثم يستوقفك عامل الاستقبال مرّة أخرى لتحديد جنسية الزائر إذا كان مصريّا فله تذكرة مدعمة لا تتجاوز ال5 جنيهات، وإذا كان أجنبيّا فالسعر مختلف، وإذا كان الزائر طالبًا فتذكرته رمزية تقدر بجنيه واحد، وفى حالة التصوير لا بُدّ من قطع تذكرة أخرى قيمتها10 جنيهات وإمكانية التصوير متاحة أمام الجميع. تبدأ مواعيد الزيارة من الثامنة صباحًا حتى الساعة 2 ظهرًا، وأمام الزائر عدة خيارات، منها دخول مرشد سياحى معه لمشاركته الرحلة أو الاعتماد على النفس فى الرحلة من خلال الشرح المفصل الموجود على كل قطعة موجودة فى الداخل. رحلة عبر تاريخ مصر اصطحبنا فى الرحلة لشرح تفاصيل المتحف المرشد السياحى «عمرو»، وهو أحد المرشدين السياحيين ال«4» الدائمين فى المتحف لمساعدة الزوار فى الرحلة. قال «عمرو» إن المتحف مكون من طابقين، يشمل جميع وسائل النقل، الطائرات والسفن والقطارات، ويبلغ عدد المعروضات نحو 300 نموذج، علاوة على مجموعة من الوثائق التاريخية والبيانات والإحصائيات عن مظاهر تطور صناعة النقل، بداية من العصر الفرعونى حتى العصر الحديث. يُعد المتحف معهدًا تاريخيّا وفنيّا، فهو يضم سجلاً وافرًا من المجسمات والآثار التى تمثل ذاكرة الشعب وتاريخ الأمة، على امتداد 150 عامًا، بدأت فكرة إنشائه بالتزامن مع انعقاد المؤتمر الدولى للسكة الحديد فى بداية الثلاثينيات من القرن العشرين وبدأ تشييده فى أكتوبر 1932، وتم افتتاحه أمام الجمهور فى 15 مايو 1933، وكان محمد على باشا الكبير أول من فكّر فى إنشاء المتحف قبل هذا التاريخ بنحو قرن، لذلك توجد صور زيتية عظيمة فى المتحف لمحمد على باشا، والمتحف هو الأقدم من نوعه فى الشرق الأوسط والثانى على مستوى العالم بعد متحف «يورك ببريطانيا». النقل فى العصر الفرعونى يضم المتحف وسائل النقل فى العصر الفرعونى، من خلال الصور والمجسمات الصغيرة التى يصل عددها إلى 6 قطع، تشرح اعتماد القدماء المصريين على الدواب والعنصر البشرى فقط فى وسائل النقل، وهم أول من اكتشفوا وسائل النقل سواء بالعربات أو الدواب أو المراكب. من النماذج البارزة فى المتحف لوسائل النقل الفرعونى سفينة ترجع للأسرة ال12، وعربة أحمس، ونماذج أخرى لطرق نقل التماثيل فى عهد الفراعنة عبر استخدام الحبل والخشب الذى كان يضع عليه التمثال، وربط الحبال بالجنود، وكل مجموعة مسئولة عن حبل لجر التمثال مكونة من 44 جنديّا، ويقوم الكاهن بمتابعة الجنود أثناء انتقال التمثال. داخل المتحف مجسمات وصور لمحطات السكة الحديد فى مراحل متنوعة من التاريخ، كمحطة القاهرة عام 1856، ونماذج لعربة ركاب درجة ثانية صناعة يوغسلافية ترجع لعام 1963، بداخلها 64 مقعدًا، ودورة مياه، ونموذج آخر لعربة ركاب درجة ثالثة لسكة حديد مصر لعام 1932 مصنوعة من الصلب، إضافة لنموذج لعربة برلمان استعملت لأعضاء الحكومة، ولوحة مخصصة لتذاكر السكة الحديد قديمًا، وأول رخصة للقيادة ل«دابة» حيث كانت تستخدم عربات بدائية للنقل فى شورع مصر قديمًا. الطائرات وأجراس القطارات يتدرج المتحف من القسم الفرعونى مرورًا بالنقل فى العصر الحديث وصولاً إلى قسم الطائرات التى استخدمت فى النقل، حيث يعرض المتحف نموذجًا لأول طائرة استخدمها الطيار المصرى محمد مصطفى فى الطيران من أوروبا إلى القطر المصرى عام 1930، وعدد من الطائرات تابعة لعدد من شركات الطيران كشركة الطيران العربية ومصر للطيران، ولا يخلو المتحف من نماذج الطائرات الحربية التابعة للسلاح الطيران. بالمتحف ركن مخصص لعرض نماذج متنوعة للأجراس التى كانت توجد فى محطات السكة الحديد، والخاصة بدخول القطار للسكة الحديد، فهناك جهاز «الإسطاف» وهو عبارة عن اسطوانة مرتبطة بتليفون طراز قديم، وهناك أشكال لمصابيح لإضاءة المحطات وطرق القطارات. القطار الملكى بصحبة المرشد السياحى للمتحف «عمر» ننتهى من النصف الأول للطابق الأول لمتحف السكة الحديد، لننتقل إلى الجزء الثانى فى الطابق ذاته، وهو خصص لقطارين فقط للسكة الحديد لكن من طراز خاص. استقبلنا فى مقدمة القسم الثانى لوحات ضخمة ل «محمد سعيد باشا» الابن الرابع لمحمد على باشا، وعلى بُعد خطوات توجد قاطرة ملكية كتب عليها «قاطرة محمد سعيد باشا» القاطرة كان يستخدمها فى التنزه بين قصر رأس التين بالإسكندرية وتتميز القاطرة باللون الذهبى الهادئ المزخرف، وإلى جوارها أول قاطرة إنجليزية دخلت مصر تم تجميع قطعها وتركيبها بأيادٍ مصرية فى ورش بولاق. مكتبة وألبوم صور فى نهاية الجزء الثانى للمتحف يوجد جزء أثرى خاص بالمتحف وهو مكتبة مليئة بالكتب القديمة، وهى مكتبة تضم 500 مجلد ووثائق وكتب نادرة وقيمة، ومجموعة متكاملة من الدراسات والمراجع والوثائق المجسمة والمكتوبة التى تُعد قيمة فنية وتاريخية كبيرة، كما تضم المكتبة كتابًا عظيمًا ونادرًا وهو كتاب «وينر» عن السكة الحديد فى مصر والعالم كله باللغة الفرنسية. فى أحد الأركان تجد فاترين زجاجيًا يحوى ألبوم صور لافتتاح محطة قطار الأقصر وأسوان بوجود الملك فؤاد الأول، وسنترال التليفون الأوتوماتيكى بالقاهرة، وألبوم صور آخر لافتتاح كوبرى بنها، إضافة لألبوم صور لنماذج بيوت عمال السكة الحديد، ويحتوى الدولاب أيضًا على مفتاح محطة الملك فؤاد، وميدالية خاصة به. وفى دولاب آخر، يحتوى ألبوم افتتاح مركز مدينة التليفونات، وألبوم افتتاح محطة الجيزة، وتعليمات بخصوص القطار الملكى. زوار المتحف وتطويره وبعد الانتهاء من الطابق الأول للمتحف، توقف المرشد السياحى ليتفاخر بزوار المتحف قائلًا: المتحف نال إقبالاً كبيرًا من الزائرين من يوم افتتاحه بعد أن تم تجديده وتطويره فى مارس 2016، والزوار من كبار السّن والمتخصصين والطلبة، وهم يتوافدون على زيارة المتحف بشكل يومى. سلم صغير فضى اللون يقودك للطابق الثانى من المتحف، وهناك أسانسير للصعود باللون نفسه، وتميز الصعود على السلم بوجود صور لأبناء محمد على وأحفاده وعصر النقل فى العصر الحديث. وتمثال نصفى للملك فؤاد، الذى أمر بإنشاء المتحف فى 26 أكتوبر 1932 وتم افتتاحه 15 يناير 1933، والتمثال مصنوع من البرونز، إضافة لصورة ضخمة للخديو إسماعيل. يستقبل الزائر فى مقدمة الجزء الأول فى الطابق الثانى، نموذج للقطار الكندى يرجع لعام 1983، ونموذج لكوبرى الفردان الجديد الذى افتتاح سنة 2001، يصل إلى بئر العبد، نموذج عربة قصب السكر بالسكة الحديد وهى مخصصة لنقل قصب السكر 1872 استعملت المصلحة 233 عربة من هذا النوع، ونموذج للعربة القاطرة استاندرات مكشوفة، وعدد من نماذج قاطرات البضائع. نموذج لأول قاطرة وردت إلى القطر المصرى وهى من إحدى القاطرات الست التى قام بصنعها الخواجات بناء على طلب من الحكومة المصرية وافتتاح أول خط سكة حديد عام 1852. كما ضم المتحف نموذجًا آخر لقاطرة ماثيومواى ترجع القاطرة لعام 1812، وتبين القاطرة التى وضع تصميمها بإحلال البخار محل الخيل فى نقل الفحم من المناجم، وكان وراء نجاح التجربة أن أصحاب المناجم استعملوها، وهناك عدد من نماذج لجهاز طراز جوى لتوزيع البخار المستعمل فى المحركات العربات البخارية، إضافة ميزان من النحاس لقياس حجم الورق. عرض الطابق الثانى، آلة طبع المطبوعات سنة 1870، وهذه آلة يدوية وكانت مستعملة قديمًا بمطابع السكة الحديد لخدمة الطباعة، وصورة لأول مطبعة للسكة الحديد 1877، بجوارها آلة طبع تذاكر السكة الحديد عام1890، وتقوم بترقيم التذاكر مسلسلة حُولت لتشغيل باليد بدلاً من الكهرباء لإمكان استعمالها أمام الزوار، كما توجد لوحة مُعلقة على الحيطة بها أسعار قيمة التذاكر منذ تأسيس محطة السكة الحديد، ولوحة عليها أشكال التذاكر، بها تذاكر خاصة بالعسكريين والأطفال من ركاب القاطرة. نموذج ماكيت للكوبرى المتحرك بالدوران على النيل يرجع تاريخه للعام 1894 وماكيت لمحطة أدفو ويرجع تأسيسه للعام 1928، وماكيت أول قاطرة أوتوماتيكية تستعمل فى عربات السكة الحديد، وماكيت عربة القاطرة الإسبانى يرجع تاريخها للعام 1983، وماكيت محطتىّ أدفو ونجع حمادى اللتين تم إنشاؤهما عام 1928، إضافة إلى ماكيت افتتاح محطة أسيوط وألبوم ليوم الافتتاح بتوقيع من الملك فاروق. ونموذج ماكيت مبانى محطة سراى القبة والاستراحة الملكية التى أنشئت سنة 1940، والتى تحوّلت محطة مترو حاليًا، وماكيت محطة طنطا التى أنشئت عام 1930 وماكيت آخر لمحطة سيد جابر يرجع تاريخه 1948.