«تجلس على مكتبها تتطلع إلى الحاسوب بترقب، يبدو أنها منهمكة فى العمل تشعل سيجارة خلف أخرى حتى إنها لم تلاحظ تطلعى إليها، ولم تكترث بتركيز كثير من الرجال مع شراهة تدخينها»، مشهد يتكرر يوميًا مع المئات من الفتيات والنساء المصريات اللائى خضن تجربة التدخين إلى أن أصبحن من تعداد المدخنات فى مصر، غير أنهن مع إشعال كل سيجارة إلى أن تنطفئ يعشن مشهدًا متكررًا مع نظرات من يعتبرون أن المدخنة عاهرة أو فتاة «سهلة المنال»، فالتدخين فى نظرهم حكر على الرجال، ومن تمتلك من الشجاعة ما يكفى لاتخاذ قرار التدخين والإعلان عن ذلك عليها أن تحمل نتائج جرمها. لم يعد التدخين عادة رجالية فقط، بل انتشر مؤخرًا فى أوساط النساء العاملات وربات البيوت، ولم يعد منظر المرأة المدخنة غريبًا أو مستفزًا، التدخين فى حد ذاته ليس قضية أخلاقية هو فقط عادة سيئة اشتهر بها الرجال، لكن بالعودة للخلف نجد أن جميع الإعلانات الخاصة بالتدخين كانت تقدمها النساء، وفى أفلام الأبيض والأسود كان إشعال السيجارة للسيدات أولًا هو من الإتيكيت، والتدخين فى الوسط النسائى ليس حكرًا على سن أو شريحة معينة. الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، تؤكد أن إجمالى عدد المدخنين فى مصر، يبلغ نحو 19.6 % من إجمالى السكان وأن التدخين يبدأ من سن 15 سنة فأكثر» مدخنون، وأن نسبة المدخنين بين الذكور تبلغ 41 %، أما بين الإناث فهى أقل من 1 % وأن 22.5 % من الشباب فى الفئة العمرية «25-44 سنة» مدخنون، وأن أكثر من 60 % من إجمالى المدخنين يدخنون من 15 ل25 سيجارة يوميًا. البداية من الرغبة فى التجربة روايات الفتيات حول تجاربهن مع السيجارة الأولى تباينت من حالة إلى أخرى، فإيمان أحمد، وهى طالبة بكلية الفنون الجميلة، بدأت التدخين منذ حوالى أربعة أعوام، وتقول: كنت قد قررت أن أجرب كل شيء والتدخين كان ضمن هذه الأشياء التى قررت تجريبها، فى البداية لم أتقبلها وألقيت بالعلبة فى سلة القمامة إلا أن أصدقائى جميعًا كانوا يلحون على حتى أجرب التدخين، وبعد شهر ذهبت لشراء علبة من تلقاء نفسى ومنذ ذلك الحين وأنا أدخن عن حب. نظرة المجتمع لم تكن أزمة حقيقية بالنسبة لإيمان، خاصة أن أغلب من حولها يدخنون ومن لا يدخن لديه فى عائلته سيدات كثيرات يدخن، وعن ذلك تقول: لم أواجه مشكلة مع المجتمع الصغير الذى ينحصر فى أصدقائى وعملى لكن الأزمة الحقيقية كانت فى أهلى فى الصعيد الذين لا يعرفون عن تدخينى شيئا لأن أسرتى منقسمة، فأنا أعيش أحيانا مع خالى وهو يعلم بأمر تدخينى ولا يمانع أما والدتى فكانت أكثر شخص أحرص على ألا يعرف ليس خوفًا منها ولكن خوفا عليها لأنها تضع كلام الناس نصب أعينها دائمًا. لا تواجه إيمان مشكلة مع التدخين فى الأماكن العامة التى غالبًا ما يرمق مرتادوها الفتيات المدخنات بنظرات سخيفة، وهى تؤكد أنها لم تتعرض لأى تعليقات سخيفة، فعلى العكس أغلب المطاعم الآن يسألون الفتيات إذا كن مدخنات أم لا، لتحديد أماكن الجلوس، أما فى مجال الدراسة والعمل فالجميع تقبل فكرة أننى مدخنة بالفعل. فوجئ الشاب الذى ارتبط به وهو مدخن عندما أصبحت أدخن أيضًا لكن لم تكن لديه مشكلة، ومن قبل الارتباط لم يكن موقف الشريك من القضية يمثل عائقا أمامى فأنا كنت قادرة على عدم ترك مساحة لمن أخوض معه أى تجربة عاطفية لأن يبدى أى رأى فى أمر يخصنى، وبالتالى لم يتدخل فى الأمر سواء بالرفض أو القبول. تسترسل إيمان وهى تنفث دخان سيجارتها بعيدًا عن وجهى متحدثة عن علاقتها بالسيجارة قائلة إنها تحبها وتكرهها فى الوقت ذاته، وأنها غير قادرة على فهم علاقتها بالسجارة حتى الآن ففى بعض الأحيان تشعر بالاشمئزاز من تناولها، وتظل لشهور متوقفة عن التدخين وأحيانا أخرى تصبح السيجارة هى الونيس الوحيد لها، وتستطرد: لا يهمنى أن أدخن أمام أى أحد حتى أمام فئات أعلم تمامًا عدم تقبلهم لهذا الأمر، ولن أتوقف عن التدخين والقرار لا يتطرق إلى معدل تدخينى علبتين فى الشهر وهذا المعدل وصلت إليه بعد تدريبات كثيرة ومجهود حقيقى. ضغط العمل دفعنى للتدخين ضغط تسليم تكليفات العمل كان سبب حكايتى مع أول سيجارة، قضيت ساعات طويلة من الضغط النفسى والجسدى كنت أكره رائحة الدخان كثيرًا وشعرت أن التدخين هو سبيلى الوحيد للتخلص من الأرق والضغط فبحثت عن رائحة السجائر بالشيكولاتة والفراولة وأشياء أخرى كثيرة، وهى سجائر مخصصة للسيدات، واشتريت فى الليلة ذاتها علبة سجائر بالشيكولاتة وظللت طوال الليل أشرب فى تلك السجائر، ومنذ ذلك الحين أصبحت من المدخنات. تمضى سعاد على الشابة الثلاثينية قائلة: وساعدنى أن أغلب من أعرفهم يدخنون فيمكن القول إن من بين كل عشر فتيات أعرفهن يوجد ثمان يدخن فأصبح غير المعتاد أن أجد فتيات لا تدخن، وفوجئت فى هذا العالم أن كل الفئات والأعمار والمستويات الاجتماعية تدخن ولا توجد فتاة واحدة حرفيًا لم تجرب إشعال سيجارتها الأولى وخوض هذه التجربة بينهن من أحبت الأمر واستمرت فيه والبعض الآخر لم يحب الموضوع، وبالتالى فمن لا تدخن هى فقط من لم تستمتع التجربة. التدخين بالنسبة لى ليس مؤشرا على المساواة فقط هو أمر أريده وفعلته، ولا يوجد أى شخص يمكن أن يمنعنى من ذلك، فأنا حرة ولا أخالف القانون فى شىء، كما أنى أحترم تمامًا رغبة الآخرين فى عدم التعرض للدخان، فأنا لا أدخن فى مكان مغلق أو بجوار الأطفال، ولا أدخن أمام أبى رغم معرفته أنى أدخن، احترامًا لكونه لا يدخن. تعرفت على السيجارة فى 23 ورافقتها حتى 34 سنة أمل فتحى أم لطفل تعرفت على السيجارة للمرة الأولى وهى بنت 23 عاما والآن وبعد أن أصبح عمرها 34 عاما، أصبحت ترافقها كظلها، هى تعمل فى الوسط الفنى وهو مجال كل من فيه يدخن بشكل أو بآخر، وتقول: رغم أن والدتى كانت تدخن وإخوتى أيضًا إلا أننى خشيت أن يعرف والدى بأمر تدخينى، لكن عندما علم لم يفعل شيئًا وتدريجيًا تطور الأمر حتى أصبح يشترى لى السجائر. ولم يشغلنى كثيرًا كون السجارة مرتبطة بالفتاة سيئة السمعة، فأنا تربيت على ألا يشغلنى رأى الآخرين على الإطلاق، وعندما كان بعض الأقارب يقول لى إننى لن أتزوج بسبب تدخينى، دائمًا ما كانت ردودى صادمة، كنت أقول إن والدى يرغب فى أن أكون «على حل شعرى» كما أن أحدًا لا ينفق على ولا يمنحنى من صحته وبالتالى عليكم أن تهتموا لشئونكم فقط. من المواقف التى لم تنسها أمل على الإطلاق، عندما كانت تبلغ من العمر 30 عامًا وينظر بعض المحيطين لها على أنها «عانس»، وقتها أتى لها خالها بعريس، لكن والدها لم يحبذ الفكرة على الإطلاق فهو كان يراها فتاة مستقلة ومسئولة فقرر أن يشعل لها سيجارتها أمام العريس، الذى أبدى دهشة وصدمة من الموقف وانتهى أمر الزيجة قبل أن يبدأ. لم تتعرض أمل لمواقف سخيفة فى الكافيهات والمطاعم العامة، ولكن واجهت مشكلة مع بعض سائقى التاكسى تتحدث عنها قائلة: بمجرد أن أشعل السجارة يبدأ حديث السائق فى الانحراف، وهنا يأتى دورى فى أن أوقفه تمامًا وفى بعض الأحيان كنت أمتنع عن دفع الأجرة. زوجى وشريكى لم يبد أى رأى فى الموضوع نهائيًا فهو تربى فى سويسرا، لكنى بدأت أقلل تناولها لأنى بدأت أتعب صحيا، ولا أتناولها أمام ابنى أو بالقرب منه نهائيًا كما فكرت كثيرًا فى أن أقلع عن التدخين.