لم تكن أستراليا تمتلك مجتمعًا استخباراتيّا قويّا قبل انضمامها إلى تحالف «العيون الخمس»، وذلك نتيجة لطبيعتها الجغرافية التى جعلتها شبه منعزلة، لكن بعد انضمامها إلى التحالف تطورت قدراتها الاستخباراتية بشكل مذهل حتى أصبحت تتفوق على كندا . تحظى أستراليا بمكانة خاصة بين دول التحالف، حيث إنها المسئولة عن تزويد التحالف بمعلومات حول دول شمال شرق آسيا والدول المطلة على المحيط الهادئ، كما أن أستراليا لها وضع خاص داخل التحالف، إذ تضم قواعد استخباراتية فى غاية التطور وعلى رأسها قاعدة «باين جاب» التى تديرها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA). كما أنها الدولة التى انفردت الصحف الغربية الأسبوع الماضى بأحدث تسريبات تخص علاقتها بدول «العيون الخمس».الوثائق الجديدة تكشف قيام جهاز الاستخبارات الأسترالى (ASD) بتعقب رسائل البريد الإلكترونى للمواطنين الأستراليين وحساباتهم البنكية إلى جانب رسائلهم النصية وغيرها من المعلومات والبيانات الشخصية بالمخالفة للقانون. جدير بالذكر أن جهاز (ASD) هو فى الأساس جهاز استخبارات عسكرى كان يعرف بDSD واختص باعتراض الاتصالات المختلفة لملايين الأشخاص ومراقبتها وتسجيلها، وذلك فى إطار عمليات التجسس الخاصة بتحالف «العيون الخمس». وتواجه الحكومة الأسترالية انتقادات واسعة من وسائل الإعلام والنشطاء الحقوقيين والقانونيين بسبب هذه العملية، خصوصًا أن الدستور الأسترالى يشترط أن يقوم الASD بالتجسس على الحكومات والمواطنين الأجانب فقط ولا يتم التجسس على أى مواطن أسترالى إلا من خلال تصريح رسمى، لكن الواقع يشير إلى أن أستراليا تشارك حليفاتها الأربع جميع المعلومات الاستخباراتية التى تصل إليها ومن بينها معلومات تخص مواطنين أستراليين، مثلها فى ذلك مثل باقى دول التحالف. الوثيقة التى تم تسريبها مؤخرًا عبارة عن خطاب من «مايك بيزيولو» المسئول الداخلية الأسترالى إلى «جريج مورياريتى» المسئول بوزارة الدفاع، الذى أوضح أن الحكومة تخطط لعمليات تجسس واسعة على الشعب الأسترالى ضاربة عرض الحائط بجميع القوانين التى تحظر مثل هذه العمليات. الخطاب تضمن خطة الحكومة للضغط على البنوك وشركات الاتصال وغيرها بهدف إجبارهم على تسليم بيانات عملائهم من مواطنى أستراليا. والخطاب المسرَّب يمثل دليلاً مؤكدًا على محادثات طويلة حول هذه المسألة جرت بين وزير الداخلية «بيتر ديوتون» ووزير الدفاع «ماريس باين»، رُغم نفى الطرفين حدوث أى مناقشات بينهما بخصوص عملية التجسس الموسعة تلك. وقد أصدر باين ومورياريتى وبيوزوو بيانًا مشتركًا نفوا فيه وجود أى مخطط للتجسس على المواطنين أو الحصول على بياناتهم الشخصية. الغريب أن هذا النفى يأتى رُغم وجود وثائق قديمة سرّبها العميل السابق لوكالة الأمن القومى «إدوارد سنودن» عام 2013 التى أكدت بالفعل وجود عمليات تجسس واسعة تقوم بها الاستخبارات الأسترالية ضد مواطنيها، كما أكدت الوثائق التقارب الاستخباراتى القوى بين أسترالياوالولاياتالمتحدةالأمريكية حتى إن واشنطن تتسلم بانتظام كل ما تصل إليه أجهزة الاستخبارات الأسترالية من معلومات وبيانات ناتجة عن عمليات تجسس داخلية على مواطنين أستراليين. كما كشفت وثائق سنودن عن قيام أستراليا بالتجسس على حكومات العديد من الدول الآسيوية وشعوبها وتشارك ما تصل إليه من تسجيلات لاتصالات هاتفية ورسائل نصية ورسائل بريد إلكترونى ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعى، مع وكالة الأمن القومى (NSA) وأجهزة استخبارات كندا وبريطانيا ونيوزيلندا. رُغم أن التحالف منذ تأسيسه فى الأربعينيات من القرن الماضى لم تخرج منه دولة أو تنضم إليه أخرى، فإن الحلفاء الخمسة يحتاجون من وقت لآخر إلى طرف ثالث كما يطلقون عليه، يسهل مهمتهم الاستخباراتية فى وقت معين مثلما انضمت فرنسا مؤخرًا إلى التحالف كعضو غير أساسى. وقد لجأت أستراليا إلى سنغافورة منذ سنوات لمساعدتها فى تنفيذ عملية لمد كابلات تحت البحر بهدف رصد الاتصالات والتجسس. وفى فبراير الماضى تعرضت أستراليا وتحالف «العيون الخمس» لموقف كاد يفضح الكثير من أسرارهم دون تسريب، حيث أعلنت الاستخبارات الأسترالية عن مجموعة من الوثائق السرية التى تخص تحالف «العيون الخمس» قد فُقدت. لم يلتفت موظفو الوكالة إلى الوثائق الموجودة داخل وحدة الإدراج قبل أن يبيعوها بمبلغ 20 دولارًا أستراليّا. الوثائق ظهرت فى شبكة ABC التليفزيونية الأسترالية، وبعد محاولات ومفاوضات طويلة نجح مسئولو الاستخبارات الأسترالية (ASIO) فى استرجاع الوثائق دون نشر أى من تفاصيلها. التحالف الدبلوماسى بين «العيون الخمس» ولا يتوقف التحالف بين «العيون الخمس» على الاستخبارات فقط، بل يشمل جوانب أخرى وعلى رأسها الجانب الدبلوماسى، فمن المعروف أن بعض العاملين بالسفارات يتبعون أجهزة الاستخبارات، وكانت إحدى الوثائق التى سربها «سنودن» قد كشفت عن قيام جهاز الاستخبارات الأسترالى بالتنصت على اتصالات الرئيس الإندونيسى «سوسيلو بامبانج يودهويونو». والأكثر أن الوثائق فضحت تحول السفارات الأسترالية فى آسيا إلى شبكات تجسس وتنصت تقودها الولاياتالمتحدةالأمريكية. الوثيقة كشفت عن موافقة أستراليا على مشاركة كم هائل من المعلومات الاستخباراتية التى تتعلق بالاتصالات التليفونية وما شابه مع دول التحالف، وذلك خلال اجتماع بين الدول الخمس عقد فى مقر الاستخبارات البريطانية (GCHQ) عام 2008 وحضره كبار مسئولى الاستخبارات فى الدول الخمس. وأكدت الوثائق أن أسترالياوفرنساوكندا إلى جانب الولاياتالمتحدة يستخدمون عددًا من سفاراتهم وقنصلياتهم فى التجسس على الدول التى توجد بها هذه السفارات، ويُعرف برنامج التجسس هذا باسم «ستاترووم» وتتم إدارته، وفقًا للوثيقة التى نشرتها صحيفة «دير شبيجل» الألمانية عام 2013 ، من خلال السفارات الأسترالية. لكن التجسس واعتراض الاتصالات أو مراقبة النشاط الإلكترونى وجمع المعلومات الذى أثبتته الوثيقة لم يكن الواقعة الأولى التى تتدخل فيها سفارات إحدى الدول الخمس فى شئون الدول المضيفة، فقد رصدت وثيقة نشرتها «روزاليوسف» بتاريخ 2 سبتمبر 2017 فى حلقات «تفكيك الشرق الأوسط» بقلم رئيس التحرير، عن تدخّل دول التحالف فى الشأن المصرى من خلال اجتماع عُقد مع «سعد الكتاتنى» و«سعد الحسينى» كممثلين عن جماعة الإخوان المسلمين، وذلك بمنزل السفير الأسترالى «بوب بوكر» بالزمالك عام 2007. الاجتماع المريب حضره «فيليب ماكينون» السفير الكندى و«رينيه ويلسون» السفير النيوزيلندى. لم يكن الاجتماع بالطبع وديّا كما وصفه ممثلو جماعة الإخوان بعد انتهائه، ولم يكن اجتماعًا مع أعضاء برلمانيين، بل كان اجتماعًا يهدف إلى تحقيق المزيد من الفهم للجماعة والتواصل مع أعضائها فى القاهرة، وبالطبع لم يكن تحالف «العيون الخمس» بعيدًا عن هذا الاجتماع، فبينما كان الكتاتنى والحسينى يتناولان الغداء بمنزل السفير الأسترالى كان هناك لقاء آخر بين «كلير هالبرين» سكرتير السفارة البريطانية ومجموعة أخرى من النواب الإخوان، وهم: «أحمد أبوبركة» و«حازم فاروق» و«على فتح الباب» و«محمود عامر» و«مصطفى عوض الله» و«أشرف بدر الدين». الحرب الإلكترونية كما كشفت مجموعة من الوثائق التى سربها «سنودن» عام 2015 أن أستراليا قامت بتعيين أعداد كبيرة من الموظفين فى جهاز الاستخبارات وجميعهم متخصصون فى مجال الكمبيوتر والإنترنت وتقنياتهما، وذلك استعدادًا لحروب المستقبل التى لن يكون السلاح فيها هو سيد الموقف، بل المعلومات التى يتم الحصول عليها عبر الإنترنت وأدوات الذكاء الاصطناعى التى تساعد على الاختراق وجمع المعلومات بشكل سريع.