«الأحزاب الدينية الإسرائيلية ودورها فى صنع القرار السياسي» للدكتور محمد عمارة تقي الدين، ورواية «قنديلة» لعبدالرحمن الأبنودي، «رشدى أباظة.. دنجوان السينما المصرية» لأحمد السماحي، كلها عناوين بارزة صدرت أخيراً عن مركز الأهرام للترجمة والنشر الذي يتولّى مهمّته الكاتب والشاعر إبراهيم داود. خصوصية يتمتّع بها داود كونه أديبًا ومثقّفًا إلى جانب صفته الصحفية، تُحاول إدارته وخططه في النشر أن تصل «جهاز النشر الأهرامي» الذي يحمل سمعة أكبر مؤسسة صحفية عربية، بمنابع الثقافة المصرية الصافية. فى لقائنا به، تحدّث إبراهيم داود، رئيس مركز الأهرام للترجمة والنشر كثيرًا عن الحريّات والدعم باعتبار «الثقافة أكبر استثمار للدولة»، وأشار أيضًا إلى افتقار مؤسسات النشر القومية إلى خبرة التسويق، مثمّنًا دور المثقف المصرى فى خدمة بلده وقضايا الوطن، وأنهم أفضل صورة لمصر. ما هى الأزمات التى يُعانى منها قطاع النشر بالمؤسّسات القومية؟ - ارتفاع أسعار الطباعة والورق نتيجة تعويم سعر صرف الجنيه، فى الوقت الذى لم يُرافقه تعويض لهذا الفرق يُقدّم إلى هذه المؤسسات، كان طنّ الورق يتكلّف ثمانية آلاف جنيه أصبح بعد التعويم يتكلّف واحدًا وعشرين ألفًا، الجانب الاقتصادى أكبر أزمة، يليه الجانب التسويقي. مؤسسات النشر القومية تفتقر إلى آليات تسويق خبيرة فى السوق. فرغم عراقة مؤسسات عملاقة مثل الأهرام والأخبار والجمهورية التى تعمل تحت مظلّة الشركة القومية للتوزيع، فإنها تصطدم فورًا بأوضاع السوق بشكل عام، وتعجز أمام اللحاق بكل التطوّرات فى هذا المجال. كذلك الحال مع ثقافة الحريّة. نعم الحريّة فى مؤسسات الدولة أقلّ مما ينبغي. بمعنى أن الأدب الرائج المنشور فى مؤسسات الدولة محدود ومقنّن، بينما تتمتع منافذ النشر فى القطاع الخاص بحرية أكبر فى الاختيار، من السهل أن يصدر كتاب فى الدين والسياسة والجنس، بينما تتحسّس مؤسسات الدولة من هذه الموضوعات. هذا الأمر الواقع لا يجعلنا نغفل تجارب نشر تابعة للدولة وناجحة جدا. أيّ هذه التجارب تَعني؟ - هيئة قصور الثقافة مثلا، تصدر كتبًا مدعومة وعناوين محترمة تُحيى الذاكرة الثقافة فى مصر. هذا جانب إيجابى يُحسب للدولة فى تلك الفترة العصيبة فى تاريخ النشر، لابد من المزيد فى اتجاه دعم الكتاب، دعم الثقافة هو أنسب وسيلة لمواجهة الإرهاب والأفكار المتطرّفة. هل ترى تقصيرًا فى مشروعات دعم الكتاب؟ - بالطبع، لا يكفى ما هو حادث بالفعل. لو توقّف وهج مشروع عظيم كمكتبة الأسرة، صحيح عاد تحت إشراف لجنة مُحترمة يرأسها الكاتب الكبير دكتور فوزى فهمي، لكن بإمكانيّات أقلّ وأعداد نسخ أقلّ، فتحوّل المشروع إلى مبادرة رمزية أكثر من كونه مشروعًا فعّالًا باسم الدولة. يجب الانتباه والإيمان بأن الاستثمار فى الثقافة من أهم أنواع الاستثمار، فهو يصنع أرضية صلبة لمواجهة الإرهاب وتشجيع الخيال والإبداع بدلًا من تحوّل الشباب الصغير إلى اعتناق أفكار هى ضدّ طبيعة المجتمع المصري، ولا يُمكن أن يتحقّق ذلك إلا بدعم نشر الثقافة فى المجتمع. وكيف تُواجه هذه الأزمات فى مركز الأهرام؟ - مؤسسة الأهرام دار نشر عريقة تُعانى كغيرها من ظروف اقتصادية صعبة، لكن بقدر المستطاع نسعى لتحقيق التوازن بين المنتج والسعر، والاتّكاء على الدور التنويرى فى المجتمع المصري. تسير الأمور ليس كما نحلم لكن نُحافظ قدر الإمكان على التوازن، نقوم بدورنا وفقًا للإمكانيات المتاحة. كيف يتم تفعيل تطوير صناعة النشر بمؤسسات الدولة؟ برفع سقف الحريّات وبدعم المؤسسات فى مجال النشر تحديداً وما يتهدّده من مخاطر. مؤسسات مثل دار المعارف التى تعتبر أهم ناشر فى مصر وتمتلك رصيدًا كبيرًا من الكتب يجعلنا نصفها بأنها «ذاكرة مصر الفكرية»، ودار الهلال وروز اليوسف والأهرام جميعها من علامات الدولة المصرية، والتقليل من قدرها ليس فى مصلحة الدولة، ما الذى يمنع الحكومة من تحمّل فارق رفع أسعار الورق لتلك الدور، أو الاتجاه إلى تقليل نسب التوزيع. ما رأيك فى الرأى الذى يأتى على ذكر مؤسسات النشر القومية بوصفها عبئًا على الدولة؟ بالطبع لا، المؤسسات فى ذاتها ليست عبئًا، القائمون غير الماهرين فى إدارة تلك المؤسسات هم العبء. لو تكلّمنا عن الأعباء الواقعة على كاهل الدولة المصرية، نجد الصحافة والنشر فى ذيل القائمة، بإمكاننا اعتبار تربية الأطفال والعلاج وأوضاع المرأة عبئًا على الدولة. الحكومة غير القادرة على تلبية متطلبات مؤسسات الدولة التى تقدّم خدمات لمواطنيها يجب اتخاذ قرار فورى بحلّها. ومؤسسات النشر القومية وجه مهمّ من أوجه خدمات الدولة فى ما يخصّ التنوير والمساهمة فى تحقيق السلام الاجتماعي. والرقابة فى المؤسسات الحكومية.. كيف تتعامل معها؟ - لا يفرض القانون رقابة على الصحف، لكن الوضع الحالى يدفع الجميع إلى الحرص على ثوابت هذه الدولة، فلن نسمح بنشر مادة بها تحريض على العنف أو العنصرية أو ترويج للعدو الإسرائيلي، الذى سيظل العدو الأوّل، أو ترويج لأفكار متطرّفة مثل الأفكار الوهابيّة أو الشيعية المتطرفة. ليست رقابة، هناك ما يُسمّى «مسئولية العمل فى مؤسسة قومية». ما الأولويات التى يعتمد عليها المركز فى اختيار الكتب؟ - تحقيق التوزان بين جودة الكتاب وعامل الربح. الأهرام مؤسسة إنتاجية وليست ربحيّة، فكل كتاب يحوى مادّة جيّدة وفيها إضافة أسعى إلى نشره. الآن نُحاول إدخال سلاسل لكتب الأطفال وأدب الشباب. لكن النوعين الأخيرين مُكلّفان جدا ويحتاجان إلى الدعم. لكن حاولت الاستفادة من أرشيف الأهرام الهائل، فأعدنا طبع كتب هيكل فى سبعة أجزاء، ومختارات لداود بركات، أول رئيس تحرير للأهرام، ومقالات عبدالرحمن الشرقاوي. لو تتوفّر لدينا الأموال، لأصدرنا كتابًا كل أسبوع. هل اعتبارات المواقف والأزمات السياسية مع بلدان الجوار والعالم تتحكّم فى اختيارات العناوين التى ينشرها المركز؟ - الكتب الشائكة، هكذا أسمّيها، هذا النوع من الكتب يخضع إلى لجنة متخصصة من كبار المتخصصين فى المجالات المختلفة وهى التى ترفع تقريرًا بإيجاز النشر من عدمه. هل سيستفيد القارئ من المضمون أم لا. بالنسبة إليّ أتجنّب المضمون الذى يُحرض على التعصّب والكراهية. السياسات تتغيّر لكن العنف واحد، وأنا لا أحبّ أن يُقال عنّى أنّى أميل للكفّة الرائجة. تتمتّع بخصوصية فى منصبك كونك مثقّفًا وشاعراً، هل توجد فجوة بين المبدع كونه مبدعًا وبين مسئولية العمل التابع للدولة؟ - لمنصب رئيس مركز الأهرام للترجمة والنشر متطلبات إدرية أكبر من الأدبية، لكننى فى الأوّل والأخير صحفى يتعلّق عملى بنواحٍ تحريرية هى من صميم عمل الكاتب والشاعر أيضا. أيضًا أنا أجمع بين مهام عملى كرئيس تحرير متطوّع لمجلة إبداع، وهى مجلة ثقافية مدعومة من قبل وزارة الثقافة المصرية. إذن بصورة أو بأخرى لم أبتعد عن عالم الثقافة والكتابة. فقط يبقى على الدولة دور إتاحة المناخ الإبداعي. المثقفون هم أفضل ما يوجد بمصر، والتاريخ سوف يُثبت ذلك، فهم من صنعوا ذاكرة لتلك البلد بجهدهم وسهرهم وعملهم، ولم يحصلوا على منافع شخصية، وينتجون معرفة للمجتمع. حدّثنا عن خططك المستقبلية فى المركز؟ - أتمنى أن يتم نشر كتب جيدة يرضى عنها كل الناس وتحقق مكاسب لجريدة الأهرام فى كل المجالات سواء الموسيقى أو العمارة أو فن تلاوة القرآن. من أحلامى أن تنتهى طباعة المصحف الشريف من خلال مؤسسة الأهرام، الذى يعمل عليه الآن الخطّاط العظيم محمد حمام، وما زال أمامه سنتان حتى ينتهى من كتابته. ومن أحلامى أيضًا طباعة الإنجيل بالخط العربي، وبدأتُ بالفعل فى مُخاطبة الكنيسة لمساعدتنا فى تحقيق ذلك حيث ستكون التكلفة مُرتفعة. النشر صناعة ثقيلة ومسئولية النشر بالأهرام حمل ثقيل.