ثلاثة قطاعات تابعة للدولة مسئولة عن إنتاج الأعمال الدرامية، هى: قطاع الإنتاج، صوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامى، وعلى الرغم من أن هذه القطاعات كانت هى المصدر الرئيسى لإنتاج معظم المسلسلات وتمكنت على مدار سنوات طويلة من التحكم في الإنتاج الدرامى إلا أنها أصبحت منذ عدة أعوام راقدة في قاع الهرم الإنتاجى للمسلسلات، تاركة الساحة والصدارة للشركات الخاصة. وعلى هامش هذا التحقيق الذى حاولنا من خلاله معرفة ما الذى حدث لهذه القطاعات، ولماذا تراجعت عشرات الكيلومترات عن الإنتاج؟ قال لنا «أسامة هيكل» رئيس مدينة الإنتاج الإعلامى: إن الصحافة تريد دائما تصدير عناوين من نوعية أن «الدولة لا تنتج» ونحن نرد عليه هنا بأننا لا ندعى أشياء وهمية بل نرصد حقيقة أصبحت مؤكدة وهى غياب الدولة عن الإنتاج والدليل أن رصيد الأعمال التى أنتجتها القطاعات الثلاثة لهذا العام تساوى صفراً. حاولنا البحث عن الأسباب والحلول. من أهل الثقة من المسئولين عن الإنتاج الرسمى وأهل الخبرة من الفنانين الذين تعاونوا لسنوات مع القطاعات الثلاثة، وكانت البداية من الكيان الأضخم «مدينة الإنتاج الإعلامي» وبالحديث مع رئيس مجلس إداراتها «أسامة هيكل» قال: «الإنتاج في مصر يحتاج لإعادة نظر، فأجور المنتجين عالية جدا، وفرص تسويق الأعمال خارج مصر تكاد تكون منعدمة بسبب رداءة الأعمال التي تمس الأخلاقيات والقيم، فأصبحت سمعة الأعمال المصرية سيئة جدا لدى باقى الدول، وحلت محلها الدراما التركية التي تتميز بكونها أرخص وأجمل وأرقى، فأصبح سوق الإنتاج المصري خاسرا وهذا يفسر قلة عدد الأعمال الدرامية في رمضان هذا العام 2018 أما عن الإنتاج بالمدينة فهو ليس متوقفا، ولكننى لن أنتج إلا إذا كنت رابحا، والإحصاءات تؤكد أن 90 % من إنتاج المدينة كان خاسرا، ونحن كشركة نهدف للربح ولا نرغب في الخسارة، فهناك الكثير من الأعمال التي تقدم إلينا ونقوم بعرضها على لجنة خاصة للتقييم والدراسة ونبحث حول فرص تسويقها، والأعمال التي ليس لها فرصة تسويق لن نشارك فيها.ويضيف «لما حد يقولى خد العمل دا ب50 مليون وألاقى نفسى هكسب فيه 30 مليون، بقوله مع السلامة إحنا مش عبط». أما «خالد السبكي» مدير عام بالقطاع الاقتصادى بالهيئة الوطنية للإعلام فتحدث عن سبب الأزمة قائلا: «منذ ثورة يناير عام 2011 والقيادات التي تولت مسئولية الاتحاد وقطاعاته قامت بعمل كارثة حقيقية، وهي توزيع التمويل المخصص للإنتاج الدرامى على قطاع التليفزيون والفضائية والنيل المتخصصة، بالإضافة إلى سحب بعض الاستديوهات المخصصة للإنتاج مثل استديو 1 واستديو 3 واستديو 10 وتخصيصهم للبرامج، مما تسبب في وقف القطاع بفعل فاعل، هذه القيادات المختصة بالبرامج، لم تكن تفهم شيئا، فقد استبدلت عصب الحياة في ماسبيرو وهو المواد الدرامية والفيلمية التي تجذب الإعلانات ويعاد استثمارها بقيمة مليار و400 مليون جنيه سنويا بالبرامج التي لا تربح شيئا. وفي محاولة فاشلة لإنقاذ الوضع الذي وصل إليه الإنتاج في ماسبيرو، أدخل «اسامة الشيخ» فكرة الإنتاج المشترك مع الشركات الخاصة فسمح للمنتج الخاص بالدخول إلى السوق والصعود على أكتاف التليفزيون، بالإضافة إلى الطامة الكبرى التي تسبب بها وهي وضع بند ينص على أن يدفع التليفزيون قيمة العرض على شاشاته التي كانت أكبر من قيمة مشاركته في الإنتاج، مما تسبب في خسائر فادحة، فلجأت شركات الإنتاج الخاصة لبيع أعمالها للقنوات الخاصة وشركات الإعلان حتى أصبح التليفزيون خارج السوق تماما، مما نتج عنه الأعمال السيئة التي لا تهدف سوى للربح بأى وسيلة، وللأسف كل ضرر أصاب «ماسبيرو» هو من صنع المسئولين عنه والقيادات غير الواعية التي لا تبذل أى مجهود أو تقوم بأى عمل، ومن هنا أتساءل: لماذا لا يحاول المسئولون توفير 3 أو 4 ملايين جنيه مثلا وإنتاج «سيت كوم» كأضعف الإيمان، بدلا من الوقوف كمتفرجين، أو تنفذ أحد الاقتراحات التي عرضت عليها مثل ترجمة أو دبلجة الأعمال الدينية والتاريخية الموجودة بالمكتبات إلى اللغات الصينية والماليزية والأندونسية، لأن دول شرق آسيا -بالتحديد- تسعى وراء هذه الأعمال ولكن بشرط أن تكون متوفرة بلغاتهم. وقد طالبت أكثر من مرة، بعض القيادات بالعودة إلى حقوق الملكية الفكرية والحصول على مستحقات الهيئة المالية من الجهات الخاصة المتعدية على الإنتاج الرسمي، ولكن للأسف هناك بعض المحاباه لبعض الجهات على حساب المصلحة العامة. واقترحت قبل 3 أو 4 سنوات الدخول في إنتاج مشترك مع الجهات الحكومية الخليجية مثل السعودية والبحرين والكويت وعمل «بروتوكولات تعاون» تتمثل في تقديم الخدمات الفنية والإنتاجية اللازمة مقابل التمويل الخليجي، ولكنهم طالبوا ببعض التعديلات في القصص المعروضة عليهم بما يتناسب مع قيمهم وعاداتهم، فرفض المسئولون، ووقف غرورهم وفكرهم العقيم المتعصب أمام المصلحة العامة مرة أخرى. واقترحت أيضا عمل قناة وثائقية والتركيز على إنتاج الأفلام التسجيلية، كما كان يفعل ممدوح الليثي، والتعاون مع هيئات السياحة والآثار وترجمة هذه الأعمال بما يتناسب مع متطلبات السوق ولكن لم يستجيب أحد». المخرج «أحمد صقر» رئيس قطاع الإنتاج بالهيئة الوطنية للإعلام، أكد أنه لا يوجد إنتاج لرمضان هذا العام 2018 وموقف الهيئة من شراء المسلسلات من الإنتاج الخاص سيتم الإعلان عنه قبل شهر رمضان مباشرة، وقال: «لست متفرغا في الوقت الحالى للإدلاء بأى تصريحات آخرى عن وضع الدراما بالتليفزيون المصري»! أما «حسن النحاس» رئيس القطاع الاقتصادى بالهيئة الوطنية للإعلام، فكان كلامه مطابقا لما قاله «صقر»، حيث قال: «إلى الآن لم تتعاقد الهيئة على شراء أى أعمال، وهناك بعض العروض ولكنها تحت الدراسة والتقييم، ولا يمكن أن أفصح عن ميزانية القطاع المخصصة لشراء الأعمال». القطاع الثالث المسئول عن إنتاج الأعمال الدرامية هو شركة «صوت القاهرة» التي أوضح رئيس مجلس إداراتها «محمد العمري» أسباب عدم رصد ميزانيات للإنتاج، بسبب ذهاب كل المخصصات المالية التي يحصلون عليها كأجور للعاملين. وقال «إن الدراما هي أكبر مؤثر في شخصية المشاهد والمشكل لوجدانه، وسابقا شكلت مصر وجدان المنطقة العربية كلها، وعليها أن تعيد الإنتاج الدرامى كمسئولية عن العقل المصري. ولا يمكن أن نلقى باللوم على القطاع الخاص لأنه يعمل بمعيار المكسب والخسارة، ولدينا في الأدراج نصوص للكثير من الأعمال الهادفة المفيدة مثل «طلعت حرب» و«نجمة سيناء» و«الطريق لرأس العش» وغيرها ولكنها تنتظر التمويل من الحكومة». وبعيدا عن المسئولين فقد كان لأهل الفن الذين تعاونوا مع قطاعات الإنتاج الثلاثة رأيا فيما يحدث، حيث قال المخرج «جمال عبدالحميد»: «من المهم جدًا أن تكون الدولة موجودة على الساحة، فالوضع الحالى مشوش جدا، ونعانى من حالة إنفلات سواء في الدراما أو التوك شو، بنسبة لا تقل عن 95 % من المعروض، وقد تعرض قطاع الإنتاج بالتليفزيون للانهيار من بعد انتهاء عصر عباقرة الإنتاج مثل ممدوح الليثى الذي أنشأ القطاع، ثم أتت قيادات بأفكار خاطئة تسببت في هبوط الاتحاد وانهياره، مثل الإنتاج المشترك والمنتج المنفذ. ومع ذلك فهناك أمل في الإصلاح -مستقبلا- خاصة مع وجود قيادة واعية مثل رئاسة عبدالفتاح السيسي، وهي قيادة قادرة على أن تجعل الدولة تسيطر على حالة الانفلات العام وتراقب ما يدخل للبيوت، فالمحتوى الموجود في منتهى الانحطاط والانحدار». المؤلف «يسرى الجندي» شارك برأيه قائلا: «لا يمكن أن تعود الدراما للحالة الجيدة التي كانت عليها سابقا إلا إذا عاد ماسبيرو لمجده، فماسبيرو كما صعد سلم الريادة الإعلامية درجة تلو الأخرى حتى وصل للقمة على مستوى العالم العربي كله، هبط أيضا خطوة خطوة حتى أصبح في القاع، ويجب أن نعرف ما هو دور الهيئة الوطنية للإعلام إذا كانت لم تأخذ على عاتقها مهمة إعادة ماسبيرو لعصره الذهبى وإصلاح ما أفسده السابقون؟ أما الفنان «يوسف شعبان» والذى عمل لسنوات طويلة بالتمثيل في مسلسلات من إنتاج الدولة فقد قال: «الدراما الآن لا يوجد بها محتوى يبقى في الأذهان، وهي غير مناسبة للمجتمع ولا تعبر عنه، فمصر ليست كلها «قهاوى وسكاكين ومطاوي. وكل واحد معاه قرشين، يعمل أى حاجة، ويجيب أى حد يمثلها، ويبيعها، وبيلاقى اللى بيشتري» وهذا مستوى غير لائق بمصر، ونحن نشعر بالحزن والحسرة الآن لأن الدول العربية أصبحت ترفض شراء الأعمال المصرية واستبدلتها بأخرى، فالدول «مبقتش تعبرنا» بسبب تدنى المستوى، فالدراما الهادفة تحتاج لمسئولية جماعية، وإشراف جيد وقيادة واعية ولذلك نناشد وزارة الثقافة أن تقوم بدورها كما ينبغي».