جولة خاضتها «روزاليوسف» داخل جامعة الأزهر ومكاتب كلياتها للتعرف على الأبحاث العلمية والتى تُعرف قديمًا ب«رسائل العالمية»، التى ارتبطت بأسماء عملاقة وتقابل هذه الرسائل الآن الدكتوراه والماجستير، والتى يزخر بها الأزهر الذى يعود تاريخ نشأته إلى أكثر من 10 قرون، والصدفة وحدها فجرت هذه المفاجأة وهى أن الشيخ محمد متولى الشعراوى لم يحصل على شهادة «العالمية» وهى الشهادة التى ارتبطت بسيرة إمام الدعاة ويعرفها تلاميذه ومريدوه. فى واجهة مكتبة كلية اللغة العربية، تستقبلك لافتة كبيرة، مكتوب عليها مكتبة «الشيخ محمد متولى الشعراوي»، وسُميت بهذا الاسم، فى عام 1984 لأنه أبرز خريجيها. محمد محمود، أمين مكتبة كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، قال إنه يعمل بالمكتبة بعد تأسيسها ب3 سنوات، والتى كانت قبل ذلك، «معهدا للدراسات العربية»، وأوضح أن مكتبة الكلية، بمفردها تستأثر، ب328 بحثا خطيا ضمن رسائل «العالمية»، منحت أول درجة العالمية من كلية اللغة العربية، فى عام 1929 لمحمد يوسف مرسى، بينما آخر رسالة فى شهادة العالمية عن كلية اللغة العربية، كانت فى عام 1960 فى الأدب، للدكتور محمود رزق سليم، وذلك قبل أن تُلغى العالمية نهائيًا فى عام 1964. واستعرض «محمود» أسماء بعض من حصلوا على العالمية ومنهم د.محمد الطيب النجار رئيس جامعة الأزهر الأسبق، عبدالحسيب طه عميد كلية اللغة العربية الأسبق والذى حصل عليها فى عام 1943 بعنوان «الأدب فى القرن الثانى الهجري»، الشيخ إبراهيم محمد ندا بعنوان «المذهب النحوى البغدادي»، محمد نائل عميد الكلية الأسبق برسالة البلاغة بين العهدين، الشيخ أحمد حمروش عن أصول اللغة العربية، الشيخ محمد إبراهيم العطار، شيخ الأزهر الأسبق رسالة بعنوان «فى حياة جرير وشعره ومقارنة ما بينه وبين الفرزدق»، محمود رزق سليط عميد كلية اللغة العربية الأسبق رسالة بعنوان «مذكرة وجيزة فى النقد والأدب». وبسؤاله عن الإمام محمد عبده قال إن الإمام محمد عبده خريج كلية اللغة العربية، لكنه حصل على الرسالة بالخارج وعند عودته لمصر تم تقييم الرسالة للتأكد من موافقتها لمنهج الأزهر الشريف، وبدون اتجاهات متطرفة وتم قبول رسالته. سألناه وماذا عن رسالة الشيخ الشعراوي؟ فأجاب: «الشيخ الشعراوى لم يحصل على العالمية، بل حصل على إجازة شهادة العليا التى تعادل «البكالوريوس» أو «الليسانس» فقط، لأنه تقدم لنيل الدراسات العليا ورسب، وبالتالى لم ينل شهادة العالمية، ولذلك لم يُدرس بجامعة الأزهر أبدًا». وتابع: كل من حصلوا على شهادة العالمية مسجلون فى جامعة الأزهر وليس من بينهم «الشعراوي»، لكن يحق لمن يحصل على إجازة العليا أن يُنتدب للاستفادة بعلمه، ولذلك عُين «الشيخ الشعراوي» بعد تخرجه فى 1940 بالمعهد الدينى بطنطا، ثم انتقل بعد ذلك إلى المعهد الدينى بالزقازيق، ثم سافر للعمل بجامعة أم القرى بالسعودية، عام 1950 ليعمل أستاذًا للشريعة ثم مادة العقائد رغم تخصصه باللغة، وهذا فى حد ذاته يشكل صعوبة كبيرة إلا أن الشيخ الشعراوى أثبت تفوقه فى تدريس هذه المادة لدرجة كبيرة. اطلعنا، أيضًا، على رسائل المكتبة المركزية لجامعة الأزهر، لم نجد بها «عالمية» للشعراوى، وهى المكتبة التى تضم رسائل الدكتوراه منذ عام 1974 حتى الآن، وبذلك تكون شهادته المثبتة فى أوراق جامعة الأزهر إجازة التدريس التى حصل عليها فى عام 1943. د. محمد سالم عميد كلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر الأسبق قال ل«روزاليوسف» إن الشيخ الشعراوى لم ينل الشهادة العالمية، لكنه حاصل على الشهادة العليا فى اللغة العربية، ولذلك عمل بمعاهد طنطا والزقازيق والإسكندرية، وهى معاهد لا تشترط الحصول على العالمية، ومن خلال عمله بالمعاهد الأزهرية، قدم دروسًا عبر الإذاعة، ومن هنا سافر إلى السعودية للتدريس بجامعة أم القرى، فالسعودية لم تكن تشترط درجة الدكتوراه بقدر الاهتمام بالعلم، وكانوا يعلمون أنه خريج لغة عربية وليس أصول دين، وعندما عاد إلى مصر لم يدرس بكلية أزهرية، وربما هذا سبب عدم تعيينه شيخًا للأزهر فى أى وقت. المعروف أن شهادة العالمية فى الأزهر كانت تُناقش شفهيًا فقط، ولا تدون حتى 1929، وانطلاقًا من ذلك التاريخ أصبحت تُكتب بخط اليد، وأطلقوا عليها «رسالة خطية»، وكانت اللجنة المشرفة على منحها تتكون من مشرف ومشرف شرفى وعضوين باللجنة أحدهما عضو هيئة تدريس من الكلية وآخر من خارجها. عرف الأزهر شهادة الدراسات العليا، التى تحولت بعد ذلك إلى درجة الدكتوراه فى عام 1964، ثم أضيفت درجة الماجستير لدارسى علوم الشريعة من خريجى الأزهر، فى عام 1970. واستعرض أمين مكتبة كلية اللغة العربية دولاب التراث فبداخله تتراص أبحاث رسائل العالمية ولا تخرج إلا للاطلاع فقط، ومعظمها فى موضوعات الأدب والنقد واللغويات، وأبحاث أخرى فى التاريخ والحضارة، ويصل متوسط عدد صفحات الرسائل إلى 400 صفحة، وهناك رسائل لا تتجاوز 20 صفحة، ولم تكن تُمنح إلا للباحث الذى يقدم اكتشافا جديدا فى موضوع البحث، على العكس من النظام الذى أصبحت عليه الرسائل العلمية المحكمة من الجامعات بعد ذلك، معتمدة فيه على جمع المادة موضوع الرسالة، واستخراج استنتاجات وفرضيات. وفى عام 1977 قرر الإمام الأكبر الدكتور عبدالحليم محمود، إلحاق مكتبة علمية داخل أروقة كلية أصول الدين. وهى الآن أقدم مكتبة من حيث التراث العلمى، والأكثر من حيث عدد الرسائل طبقا لشهادة «العالمية»، فهناك أكثر من 500 رسالة خطية لدرجة «العالمية»، وأغلب الأبحاث قدمت فى أصول الفقه والشريعة الإسلامية، لكن بعضها تعرض للسرقة. وأشار «محمود» إلى أن أبرز من حصلوا على «العالمية» أصبحوا شيوخًا وعمداء للكليات، ومنهم مصطفى عبدالرزاق شيخ الأزهر فى الفترة من 1945 إلى 1947، وكانت رسالته عن الإمام الشافعى أكبر مشرعى الإسلام، محمود شلتوت شيخ الأزهر فى الفترة من 1958 إلى 1963 فكانت رسالته عن الأزهر فى حاضره ومستقبله وصلته بالعالم. وكانت مكتبة مشيخة الأزهر تعرضت للسرقة فى 2011، وسُرق بحث من الأبحاث الخطية يرجع تاريخه لعام 1938، ولذلك قرر رئيس الجامعة آنذاك، عبدالله الحسينى، بوضع سجل خاصة بكليتى أصول الدين واللغة العربية لتسجيل أسماء رسائل العالمية والباحثين وتاريخ الرسالة، خاصة أن الأبحاث الخطية لا تقدر بثمن، فهى تراث علمى نادر، وقيمة بحثية عالية، ولذلك قررت جامعة الأزهر توفير نسخ إلكترونية، بديلة، للأبحاث العلمية ضمن مشروع رقمنة الأبحاث العلمية التراثية بالأزهر. وفى عهد الشيخ محمد مصطفى المراغى، أعدّ مشروع القانون رقم 49 لسنة 1930، لكنه صدر بعد ذلك فى عهد مشيخة الشيخ محمد الأحمدى الظواهرى، يقضى بمسايرة الأزهر للتقدّم العلمى والثقافى والمعرفى، وبمقتضاه حُدّدت مراحل التعليم بأربع مراحل: ابتدائية لمدة أربع سنوات، وثانوية لمدة خمس سنوات، وثلاث كليات للشريعة الإسلامية، وأصول الدين، واللغة العربية، مدة الدراسة بكل منها أربع سنوات، ثم تخصص مهنى مدته سنتان فى القضاء الشرعى والإفتاء، وفى الوعظ والإرشاد، وفى التدريس، ثم تخصص المادة لمدة خمس سنوات أخرى تؤهل الناجح للحصول على «العالمية» مع درجة أستاذ. و«العالمية» هى الشهادة التى كانت تطلق فى الماضى على حملة الماجستير والدكتوراه، فهما مصطلحان حديثان نسبيا. وهو نفسه القانون، الذى أنشئت تبعا له الكليات المنتمية للأزهر، كليات مقسمة بحسب ما اندرج على تسميته ب«العلوم الإسلامية». فالعلوم التى تتعلق باللغة العربية لها كلية اللغة العربية، والعلوم التى تتعلق بالإفتاء والقضاء خصصت لها كلية الشريعة، وأما علوم أصول الدين وما يتصل بها من تفسير وعقيدة وحديث فقد أنشأوا لها كلية أصول الدين.