هل انبهر القائمون على أجهزة الاستخبارات والدفاع بأفلام الخيال العلمى الشهيرة إلى حد أنهم قرروا تطبيقها فى الواقع؟ قد لا تبدو الإجابة عن هذا السؤال قاطعة فى ظل الأبحاث والتجارب المستمرة التى تقوم بها أجهزة الاستخبارات الغربية لضمان التفوق فى مجالى الاستخبارات والدفاع.. فالنجاح الذى حققته الأفلام التى اعتمدت مفهوم «الجندى الخارق» مثل «كابتن أمريكا» و«آيرون مان» يبدو أنه أغرى العالم بالسعى للوصول إليه.. الجديد أن الأبحاث هذه المرة لا تتعلق باستخدام أسلحة جديدة فى الحروب أو أجهزة تجسس متعارف عليها، بل تفكر فى استخدام النباتات فى عمليات التجسس، فكيف يكون ذلك؟
وكالة مشروعات أبحاث الدفاع المتقدمة فى أمريكا DARPA أعلنت مؤخرًا عن وسيلة تجسس ستقلب الموازين فى عالم الاستخبارات خاصة فى مجال جمع المعلومات فى أرض المعركة وقت الحرب، المشروع أطلق عليه اسم برنامج «التكنولوجيا المتقدمة للنبات»APT ، وهو مشروع بحثى سيحول النباتات إلى جيل جديد من أجهزة التجسس. يعكف القائمون على المشروع على تصميم أجهزة استشعار داخل النباتات يمكن التحكم فيها عن بعد، ويمكن لأجهزة الاستشعار هذه الكشف عن وجود أى مواد كيميائية ضارة أو مسببة للأمراض أو مواد مشعة، وكانت «وكالة مشروعات أبحاث الدفاع المتقدمة»DARPA قد أعلنت فى بيان صحفى أن البرنامج الجديد يعتمد على التعديل الجينى الذى أثبت بالفعل فعاليته فى مجال النباتات، وأن الوكالة تسعى حاليًا إلى جعل أجهزة الاستشعار النباتية دون أى تأثير سلبى على قدرتها على النمو الطبيعي. وترى الوكالة أن النباتات هى الوسيط الأمثل لجمع المعلومات ورصد المخاطر فى مناطق الخطورة المحتملة على الجنود، وبالتالى فهى تحافظ على حياتهم مع ضمان الوصول إلى المعلومات المطلوبة، وتشبه الوكالة المشروع الجديد بالطائرات بدون طيار التى ترصد وتجمع المعلومات دون أن تشكل أى خطورة على من يتحكم بها عن بعد. فى مجال الدفاع أيضًا طورت الولاياتالمتحدة عددًا من الأدوات التى لا تعتبر أسلحة بقدر اعتبارها أجهزة مساعدة وقت الحرب وجميعها تعتمد على الذكاء الاصطناعى بشكل كبير، فى إطار سعى واشنطن للوصول إلى الجندى الخارق «Super Soldiers». «كابتن أمريكا» هو شخصية جندى أمريكى تم حقنه بمصل ليتحول إلى جندى خارق يساعد الحكومة خلال الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك وقتها خلال القرن الماضى دربًا من الخيال الذى يجذب الأطفال وربما الكبار، لكن الجميع يعلم أن الأمر مجرد خيال يستحيل تحقيقه، واليوم أصبح الخيال أقرب إلى الواقع فالأبحاث الأمريكية متواصلة فى سبيل جعل الجندى الأمريكى جنديًا خارقًا أو Super Soldier. ابتكر الأمريكيون ما يعرف بالهيكل الخارجى أو exoskeleton ، وهى أجهزة يتم تركيبها على الجسم لتعزيز السرعة أو القوة، ومن بين هذه الأجهزة ما يعرف بالساق الهوائية وهو نظام ابتكرته وكالة مشروعات أبحاث الدفاع المتطورةDARPA مع جامعة أريزونا، يشمل النظام الجديد ساقًا هيكلية خرجية يتم تركيبها على ساق الجندى تحتوى على أسطوانات هواء تتحرك بسرعة بالغة، مما يعزز سرعة الجندى الذى يرتديها لتصل إلى 12 ميلًا فى الساعة. هناك أيضًا ما يعرف بجهاز «فورتيس» لتخفيف الحمولة على الركبة أو تعزيز قدرتها على تحمل الأعباء والحمولات الثقيلة، وبالتالى يستطيع الجندى رفع أحمال ثقيلة للغاية لم يكن ليستطيع حملها لولا الجهاز الذى يرتديه، هذا بالإضافة إلى ابتكار بدلة روبوت كاملة يرتديها الجندى ليتحول إلى روبوت معدني. بداية التفكير فى ابتكار سيقان تخفف إحساس الجندى بالأوزان التى يحملها جاءت أثناء حرب أفغانستان عندما كان مقاتلو طالبان يجرون ويقفزون بمنتهى السرعة مرتدين نعالًا مفتوحة، بينما يحمل الجنود حقائبهم، وكان الفرق فى السرعة كبيرًا وهنا بدأ التفكير لحل مبتكر يجعل الجنود قادرين على الحركة بسرعة وسهولة، وبالفعل سهلت الأجهزة الجديدة الحركة وأصبح الجنود يستطيعون القفز والجرى مهما كانت الأحمال التى تثقل ظهرهم ومهما كانت الأرض جبلية أو وعرة. الولاياتالمتحدة لديها منافس قوى فى هذا المجال وهو روسيا التى أعلنت فى يونيو الماضى عن نجاحها فى ابتكار سترة حرب تغطى الجسم بالكامل. السترة الروسية تشبه الزى الذى يظهر به أبطال سلسلة أفلام حرب النجوم Star Wars، وهى عبارة عن هيكل خارجى مجهز بحيث يعزز قوة الجندى وقدرته على الاحتمال إلى جانب دعمها بتسليح كامل حديث، كما يشمل الهيكل أو سترة الحرب خوذة وقناًعا معدنيين يغطيان رأس الجندى ووجهه بالكامل، وبالطبع توفران الحماية له من أى تهديد لحياته أثناء الحرب. السترة الروسية الحديثة يمكنها حماية الجندى من الإشعاعات الضارة وغيرها مثلما يحدث نتيجة لانفجار نووي. نتيجة للصدمة التى تعرضت لها الحكومة الأمريكية من وجود خصوم، فى مجال الأبحاث العلمية، التى تساند القوات المسلحة للدول المعادية لها، انطلقت الوكالات البحثية الأمريكية فى ماراثون لإثبات الذات، إلى أن وصلت بهم المرحلة فى التجارب إلى انعدام مفهوم الإنسانية، عندما يصبح الإنسان هو فأر تجارب ال«DARBA»، أى «وكالة مشروعات الأبحاث الدفاعية المتطورة» لتحسين جينات الجندى الأمريكي، وإذلال معارضيه. فإذا كان الدماغ الإنسانى مجرد مجموعة من الأسلاك والدوائر، فإنه يمكن ببساطة إعادة ربط تلك الأسلاك من أجل خلق ذكاء أفضل.. تعد تلك هى النظرية وراء مشروع جديد لوكالة ال«داربا» السرى العسكري، الذى تم الإعلان عنه مؤخرًا، والذى يهدف إلى تعزيز القدرة الإدراكية البشرية. ووفقًا لما قاله إخصائى التنمية البشرية «أندرو هير»، أنه عندما يطبق نظام الغذاء بشكل سليم، إضافة إلى المكملات الغذائية، والمنشطات القانونية مثل: «الكافيين»، فسيوفر فوائد ضخمة للتركيز، والانتباه، وحسن الأداء حتى للمحرومين من النوم». كما أشارت الأبحاث الحديثة إلى أن تحفيز بعض الأعصاب الطرفية - تلك التى تتابع الإشارات بين الدماغ، والحبل الشوكي، وبقية الجسم - يمكن أن تعزز قدرة الشخص على التعلم، من خلال إطلاق بعض الكيماويات الحيوية التى تعيد تنظيم الاتصالات فى الدماغ، أى إعطاء الدماغ دفعة، ليصبح أسرع بنسبة %30 عن العقل البشرى الطبيعي. وعليه تمول ال«داربا» ثمانية أبحاث مختلفة، تسعى إلى تعزيز التعلم من خلال استهداف تلك الأعصاب مع التحفيز الكهربائي، وتهدف هذه الأبحاث فى النهاية إلى ترجمة تلك النتائج إلى تطبيقات فى العالم الحقيقى بحيث يصبح الجندى قادرًا على تعلم لغة جديدة فى أشهر بدلًا من سنوات. وبالفعل ستركز إحدى الفرق الممولة من الوكالة بجامعة «جونز هوبكنز» أبحاثها على «الكلام والسمع»، أى سيجرى هؤلاء الباحثون تجارب تهدف إلى تحفيز «العصب المبهم»، وهو الوحيد من بين اثنى عشر عصبًا بالدماغ، الذى ينتهى بعيدًا فى الجهاز الهضمي، وتهدف التجارب إلى استكشاف إمكانية تسريع تعلم لغة جديدة. والمعروف أن العصب المبهم يتحكم فى أكثر من نشاط بالجسم من بينها سرعة ضربات القلب وحركة الأمعاء وعملية النطق، فضلا عن السيطرة على عملية التعرق. يركز فريق بحثى آخر فى جامعة «فلوريدا» على دراسة كيفية تأثير العصب المبهم على التصور، وصنع القرار، والمهام التنفيذية، أما فى جامعة ولاية «أريزونا» فاختار الفريق البحثى هناك دراسة «العصب الثلاثى التوائم»، وكيفية التحكم فيه بهدف التأثير على الوظائف البصرية، والحسية، والحركية للمتطوعين العسكريين، الذين يدرسون فى مجالات الاستخبارات، والمراقبة، والاستطلاع، والرماية، وصنع القرار. ولكن هل يمكن أن نصل فى يوم إلى استخدام الأسلحة البيولوجية، أو العصبية بهدف تعديل أفكار المعارضين مثلاً، أو مشاعرهم، وحواسهم، وصحتهم؟، وهل يمكن استخدام التقدم فى «علم الأعصاب» لإنشاء «جنود أمريكيين عظماء» كما تنادى الوكالة البحثية الأمريكية؟ أو هل ستفكر الولاياتالمتحدة يومًا فى استهداف زعيم سياسى أو عسكرى معادٍ، لإحداث تغيير فى أفكاره، وعواطفه، وسلوكه، مما يؤثر على آرائه، وأفعاله؟ على مستوى الخلايا، أنشأ الباحثون بطرق نموذجية «دم اصطناعي»، وأطلقوا عليه «الدم الذكي»، الذى يزيد من كمية الأكسجين التى تنقل فى مجرى الدم، مما يسمح للرياضيين أو الجنود بزيادة الطاقة، وتعترف الوكالة أن أبحاث «تعديل الجين»، هو المستقبل المحتمل الذى ستعيش فيه الولاياتالمتحدة، حيث تسعى الداربا إلى إنشاء «جيل جديد من الجنود الأمريكيين العظماء»، على الرغم من تحذير جميع أنحاء العالم فيما يتعلق بهذه التقنية، نظرًا لآثارها الأخلاقية والمعنوية السلبية. لكن العالم لا يتوقف كثيرًا عند الآثار السلبية فى صراعه من أجل الحصول على القوة والدليل هو تنافس الولاياتالمتحدة، وروسيا، والصين فى هذا مجال تعديل الجينات من أجل تحسين أداء الجنود. فقال نائب وزير الدفاع الأمريكى السابق «بوب وورك» منذ عامين، إن خصومهم (الصين، وروسيا) يسعون إلى تعزيز عمليات «تعزيز البشرية»، أى «تطور الإنسان داخليًا». مدعيًا أن سر دخول الولاياتالمتحدة هذا المجال، هو تنافس الدولتين الأخريين ضدها فى إنتاج ما أسماه «الجندى المتميز». وتعد أشهر حوادث التعديل الجينى هذا هى الحادثة التى اتهمت فيها روسيا باستخدام العقاقير فى عمليات «تعزيز القدرة البشرية» لاعبيها فى أوليمبياد 2014، حيث تعاطى لاعبو روسيا عقاقير عززت قدرتهم على الأداء، بناء على هذه الواقعة ألمح البعض إلى أنه إذا كانت روسيا تخترع أمصالاً لتعزيز قدرات الرياضيين فهى بالتأكيد لديها ما هو أكثر لكى تعزز به أداء جنودها. فى «الصين» نجحت تجارب التحسينات الوراثية التى أجريت على الكلاب، بالإضافة إلى الجهود البحثية لمكافحة الأمراض البشرية مثل: مرض «باركنسون»، أى «الشلل الارتعاشي»، و«الضمور العضلي» خلال السيطرة على جين «ميوستاتين»، وهو الجين المسئول عن عدم نمو العضلات. وأدى القضاء على ال«ميوستاتين» فى بعض حالات الحيوانات، بأن أصبح حجم عضلات الكلاب على سبيل المثال أكبر عدة مرات من حجمها الطبيعي، وبالطبع بل بالتأكيد أن هذه التجارب لا تستهدف الحيوانات، بل هى مجرد أجسام للتجربة والنجاح يعنى أنه من الممكن أن نرى جنديًا خارقًا ليس بسبب التدريبات المرهقة، ولكن بفضل التعديل الجيني. ولم تكن فكرة العقاقير يومًا بعيدة عن ال«داربا»، التى ابتكرت هى الأخرى لقاحًا يغير طبيعة الألم الجسمانى من العقل، أى بمجرد حقن الجندى الذى أطلق عليه الرصاص باللقاح، فمن شأنه أن يقلل نظريًا الألم الناجم عن الالتهاب والتورم، وبعد 30 ثانية من العذاب، فإن الجندى لن يشعر بأى ألم لمدة 30 يومًا. وطالما تم احتواء النزيف فإنه يمكن للجندى أن يواصل القتال بشكل طبيعى رغم إصابته البالغة. وتنصح الحكومة الأمريكية فى استمرار الوكالة وغيرها بضرورة تمويل الأبحاث، وبذل جهد متضافر لمتابعة البحوث المتعلقة بموضوعات مثل: العقاقير التى تعزز الأداء، والتكنولوجيا الحيوية التى تنطوى على إمكانية زيادة الفعالية التشغيلية للجيش. وكان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قد تحدث فى أكتوبر الماضى عن استخدام التكنولوجيا الحديثة والتعديل الجينى الذى جعل من السهل أن يكون هناك إنسان بخصائص غير بشرية من حيث قوته وعقله، وبالتالى يمكنه القتال دون خوف أو شفقة أو شعور بألم أو ندم.