(ارفعوا رؤوسكم حمدًا لله.. املأوا قلوبكم حُبًّا لمصر.. فاليوم أفضل من الأمس والغد أفضل من اليوم) هذه هى وصية (رجل الحرب والسلام) لجيل أكتوبر، ولخصت غرامى الجارف لهذا الزعيم الخالد، والذى لم ينمو من فراغ، ففى أجواء أسطورية فى بداية تشكيل وعيى السياسى تابعت بفخر لحظات النصر العظيم من مرحلة الطفولة والانتقال إلى الشباب، وتنامت هذه المشاعر مع كل لحظة جميلة بعد الانتصار الكبير على أعداء الوطن وترسخت هذه الانفعالات فى خطابه التاريخى فى مجلس الشعب. فى هذا الخطاب قال بحماسة وزهو: «حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياح خط بارليف المنيع وإقامة رؤوس جسور لها على الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنه فى 6 ساعات. لقد كانت المخاطرة كبيرة.. وكانت التضحيات عظيمة لكن النتائج المحققة للساعات الستة الأولى من حربنا كانت هائلة.. فقد العدو المتغطرس توازنه.. استعادت الأمة الجريحة شرفها فغيرت الخريطة السياسية للشرق الأوسط.. وإذا كنا نقول ذلك اعتزازا وإيمانا فإن الواجب يقتضينا أن نسجل باسم هذا الشعب ثقتنا المطلقة فى قواتنا المسلحة.. ثقتنا فى قياداتها التى خططت، وثقتنا فى ضباطها وجنودها.. ثقتنا فى سلاح هذه القوات المسلحة وقدراتها على استيعاب السلاح. وأضاف السادات: أقول باختصار إن هذا الوطن الجريح يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف أنه قد أصبح له درع وسيف». من هذا الكبرياء وهذا الفيض أدركت قيمة جيش مصر العظيم وخير أجناد الأرض وحجم المعاناة والوفاء لتراب هذا الوطن.. وتطلعت من وقتها لأداء فريضة الجيش وارتداء الزى العسكرى الخالد. طقوس هذا الحب تجددت فى ثورة 30 يونيو العبور الثانى لمصر والانتقام العظيم من قتلة هذا الرجل وكأننا على موعد مع لحظة الثأر من الخونة والفاسدين باسترداد مصر من أيدى المتاجرين بالبسطاء وبديننا العظيم. بين ذكرى النصر والعبور الثانى تتجمع صورة الزعيم الخالد أنور السادات وأذكر فى الثانوية العامة اختيارى خوض امتحان المستوى الخاص فى اللغة العربية ووقتها كنت ولوعا بعبقريات عباس محمود العقاد وفى هذه السنة درسنا (عبقرية عمر) وفى امتحان المستوى الخاص اخترت كتابة سؤال (المقال) ووضعت له عنوان: (عبقرية السادات).. طبقت فيه نفس المواصفات التى طبقها العقاد من العالم (لمبروزو) للعبقرية على رجل الحرب والسلام فى سطور لا أنساها، والمفاجأة أننى نجحت وبفرحة عارمة تجاوزت نجاحى فى الثانوية العامة وتضاعفت بهجتى أننى الطالب الوحيد بمنطقة شرق القاهرة التعليمية يحصل على 5 درجات إضافية فى المستوى الخاص ومن مدرسة العباسية الثانوية.. هكذا توغل عشقى وأبناء جيلى لسيرة ومسيرة هذا الرجل رغم الانتقادات المسمومة والطعنات المشبوهة أحيانا والتجاهل المتعمد له فى أحيان أخرى خلال سنوات ليست قصيرة لهذا الفلاح المصرى الأصيل الذى عشق تراب مصر حتى تحول إلى أيقونة النصر المبين بل من أولياء الشعب الصالحين.. والذى تتعاظم سيرته بتزايد أعداد الحريصين على إحياء ذكراه فى قبره من أنحاء العالم فى طريق النصر فى نفس الشارع الذى شهد فعاليات القضاء على أنصار الجماعة المضللة وكأن القدر يريد إنصافه وخلوده فى ذكرى النصر العظيم وذكرى رحيله. على جناح حلم مراوغ تسلم (السادات) الحكم بعد رحيل الزعيم الخالد جمال عبدالناصر فى مهمة شاقة وشبه مستحيلة.. وبعد معركة كبيرة داخليا انتفض على مراكز القوى إيذانا بالتفرغ للمهمة الكبرى وإنقاذ الوطن الجريح بعد مناورات ومغامرات ومعارك باردة مع العدو وانتصر فيها فى النهاية بعد جولات ومواجهات ثقيلة مع الرئيس الأمريكى (نيكسون) والأمم المتحدة واشتراط إسرائيل بعدم الانسحاب من الأرض المحتلة.. رغم النتائج المحبطة من أمريكا والتحالفات الخبيثة والإصرار على عدم تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 الشهير والانسحاب من بعض الأراضى المحتلة ونفاد صبر القائد لم يكن أمامه سوى الخيار الصعب بأن ما أخذ بالقوة لابد أن يسترد بالقوة، وأمام تردد الجانب الروسى أطلق قذيفته الأولى بطرد الخبراء الروس الحليف الوهمى والاستعداد للحرب بعد استنفاد كل الوسائل الممكنة.. وفى 6 أكتوبر 1973 وفى عيد الغفران تحققت معجزة النصر العظيم بعد التفاف خير أجناد الأرض حول القائد فى معركة خالدة فى تاريخ مصر واسترداد الأرض والعِرض والكبرياء. وبدهاء عظيم وبدبلوماسية العظماء فى الأرض وبشهادة زعماء العالم وفى درس تاريخى فى قلب تل أبيب أبرم معاهدة السلام الشهيرة من موقع القوة لاسترداد ما تبقى من الأرض الطيبة.. لتصل رسالة السادات إلى العالم والتى قال فيها : (لقد حاربنا ونحارب من أجل السلام القائم على العدل.. فالسلام لا يُفرض.. وسلام الأمر الواقع لا يدوم ولا يقوم.. إننا لم نحارب لكى نعتدى على أرض غيرنا بل لتحرير أرضنا المحتلة ولإيجاد سبل لاستعادة الحقوق المشروعة لشعب فلسطين.. فلسنا مغامرين إنما طلاب سلام). إن حرب أكتوبر المجيدة وقائدها الخالد.. تركت بشهادة المحللين الغربيين والإسرائيليين أيضا آثارا عميقة ليس فى الشرق الأوسط فقط بل فى العالم وبددت عدداً من الأساطير والأوهام، فهى وفقا للخبير الأمريكى العسكرى (إدجار أوبلانس) لم تترك آثارها على الاستراتيجية العربية والإسرائيلية والنظريات والتقنيات العسكرية بل أيضاً على عوامل أخرى مثل الروح المعنوية والتى كانت أفضل سلاح لقهر العدوان. الجندى المصرى - بشهادة الجنرال (شموائيل حونين) - كان يتقدم فى موجات تلو الأخرى وكنا نطلق عليه النار وهو يتقدم ونحيل كل ما حوله إلى جحيم ولكنه يظل يتقدم وكان لون القناة بلون الدم رغم ذلك ظل يتقدم.. بينما يلخص الجنرال (فاراموكلي) مدير تطوير القنال البريطانى أسطورة جيش مصر ودهاء قائدها بقوله: (إن الدروس المستفادة من حرب أكتوبر تتعلق بالرجال وقدرتهم أكثر ما تتعلق بالآلات التى يقومون بتشغيلها، والإنجاز الهائل الذى حققه المصريون هو عبقرية ومهارة القائد والقيادات والضباط الذين تدربوا وقاموا بعملية هجومية جاءت مفاجأة تامة للطرف الآخر رغم أنها تمت تحت بصره). مصر وفلسطين كانتا تمثلان جزءاً مهماً من قلب وعقل بطل الحرب والسلام.. ومع الاحتفال بالذكرى ال 44 لنصر أكتوبر والذكرى ال 36 على رحيل الزعيم الأسطورى يتحقق حلمه فى عهد الرئيس السيسى بعد نجاح الدبلوماسية المصرية فى إنجاز المصالحة بين الفصائل الفلسطينية فتح وحماس بعد صراع مرير وتعود (فلسطين) قضية العرب الأولى لتحقيق الحلم العربى الكبير هذا الحلم الذى طارد (ناصر) و(السادات) لفترات طويلة.. إن تقدير القيادة السياسية لمعجزة النصر رد الاعتبار للزعيم الشهيد الذى اعتلى عرش مصر 10 سنوات كانت مليئة بالتضاريس والجغرافية المعقدة فضلا عن الدروس الأسطورية فى حب الوطن حتى الشهادة، وهى جديرة بأن تتحول سيرة ومسيرة وتاريخ هذا الرجل إلى مادة مستقلة تدرس فى المدارس والجامعات. فى حياة هذا القائد على المستوى الإنسانى والعسكرى.. عظات ومواعظ تقديمها لأجيال مصر المستقبل فريضة واجبة.