الفنان «أحمد بدير» الذى عاش طيلة حياته الفنية ليقدم لنا أدوارًا كوميدية فى العديد من الأعمال، هو نفسه- لمن لا يعرف - الجندى الذى ذاق مرارة الهزيمة وعاش أيضاً فرحة انتصار 1973 .. ويبدو أن الحياة العسكرية الجافة أخرجت من بين أضلعه حس الفُكاهة وحب الحياة .. ونحن نحاوره اليوم ليس لأنه الفنان ولكن لأنه بطل من أبطال حرب أكتوبر . حدثنى عن مشاركتك كجندى فى انتصار أكتوبر.. كيف كان إحساسك وقتها؟ - قبل الانتصار وأثناء الاحتلال الإسرائيلى لسيناء كانت السنوات عصيبة، وكان لى الشرف العظيم أننى كنت فى هذا التوقيت جنديًا أخدم بلدى.. جميعنا كان يحمل روحه على كفه فداء للوطن.. من لم يعِش مرارة الاحتلال وفرحة النصر لم يشعر بحبها كاملا.. لكن قبلها كان يوجد إحباط شديد لدى المواطنين، وكنا كجنود فى الجيش المصرى ننتظر تفريغ هذه الشحنة الغاضبة، حتى جاءت لحظة العبور العظيمة، فانطلقنا جميعاً ونحن نهتف: «الله أكبر»، وتحولت كل الطاقة السلبية إلى فرحة مشتعلة، عارمة، تحلق فى سماء أرضنا، وانتقمنا لشهدائنا. كنت فى أى سلاح فى الجيش؟ - كنت فى سلاح «التوجيه المعنوي»، وحالياً «الشئون المعنوية»، ولو عاد بى الزمن للوراء كنت سأتمنى أن أدخل «سلاح الصاعقة» لأننى أشعر وكأننى كنت سأقوم ببطولات من خلاله.. لكن تظل كل ذكرياتى مع الجيش جميلة، لا تُنسى ولا تخرج من الذاكرة، حتى أنه عندما كان يسقط أحد زملائى شهيداً كنت أتمنى أن أكون مكانه. ما هى الأعمال الدرامية التى عبرت عن انتصار أكتوبر من وجهة نظرك؟ - كلها محاولات.. ومن قام بها نقول لهم: «شكرًا».. إنما فى الحقيقة لا يوجد عمل حتى الآن يوازى الأحداث والبطولات الحقيقية التى حدثت فى حرب أكتوبر.. هذا يحتاج لفيلم من إنتاج الدولة، توفر له كل الإمكانيات اللازمة، ويُترجم كى يكون منارة عالمية لهذا الحدث الضخم، وبالرغم من ذلك فلا يوجد فيلم أو مسلسل يستطيع أن يتوج ما حدث ويسرد الواقع، وأقول كأحمد بدير الجندى الذى شارك فى حرب أكتوبر وكفنان أيضًا أن المفروض نعمل 100 فيلم كى نحكى ونترجم براعة ما قمنا به فى تلك الفترة، ولكى يعلم هذا الجيل والأجيال القادمة معنى «البدلة الميري». صرحت من قبل أنه يجب أن نقدم أعمالاً كثيرة تليق بانتصار أكتوبر.. كيف يكون هذا برأيك؟ - لدينا قصص عديدة تستحق أن نرفع لها القبعة، سواء قصص الجنود أو القادة، وكل ضابط وجندى له دور عظيم يستحق أن يُجسد فى عمل قائم بذاته، كى يعرف العالم كله كيف جاء النصر ومن هو الجندى المصري. لو تحدثنا عن الأغاني.. ما هى الأغنية التى عبرت عن انتصار أكتوبر بالنسبة لك؟ - أيام حرب الاستنزاف كنت أسمع «ماتقولش إيه اديتنا مصر»، وكنت أبكى عند سماعها فى الراديو، ولهذه الأغنية سحر غريب يدغدغ مشاعرك نحو مصر، ولا أنسى أغنية النصر «الله أكبر بسم الله». موقف فى حياتك لا يُنسى أثناء الحرب وتتجدد ذكراه كل عام مع ذكرى أكتوبر؟ - لا أنسى فى هذا الوقت البيان العسكرى الأول بعد الانتصار.. برأيى كان أجمل حتى من الألحان الموسيقية. لو عقدت مقارنة بين الشعب المصرى وقت انتصار أكتوبر وبين ذات الشعب الآن.. ماذا ستقول؟ - إحنا شعب بسيط وجميل.. وكل الشعب المصرى يعشق تراب هذا البلد، وأى قلة مندسة فهم ليسوا مصريين، فهؤلاء لم يشربوا من مياه النيل.. إنما عموم الشعب المصرى هم الصابرون، الذين يتخطون جميع المراحل العصيبة بحب من أجل هذا البلد.. مشاعر المصريين لا تتغير فى كل الأزمنة، ومن يضر بمصر ليس منا، وأكبر دليل على حديثى هو الحالة الاقتصادية وغلاء الأسعار التى نعيشها الآن، ورغم ذلك فى لحظة نداء الوطن ستجدين الكل يزيح جانباً ما به، وسيكون الهدف الرئيسى هو مصر. رغم مرور سنوات على انتصار أكتوبر ومعاهدة السلام، فما زال الجدل حولها .. تعليقك ؟ - «السادات» عظيم، استطاع أن يعبر بالشعب المصرى فى وقت كل الناس كانت تقول أن الانتصار مجرد كلام وشعارات، إنما هو المصرى الوطنى، الذكى، والذى قام بالمعجزة .. و«السادات» فعل ما لم يستطِع غيره من حُكام العالم أن يفكر حتى فيه، ومن هاجموه قديماً يقولون الآن: «يا ريتنا كنا سمعنا كلامه».. لما يكون هناك سلام، هذا يعنى استقرار الدولة، وجميع الدول الآن تبحث عن السلام.. وإسرائيل يجب أن تعترف بحق الشعب الفلسطينى، وقتها سيعيش العالم العربى فى سلام.. ولما اتعملت المعاهدة لم يكن هناك تطبيع.. كان سلام بين دولة ودولة.. لكن حتى الآن يوجد عداء بيننا وبين إسرائيل، وسيظلون إلى أبد الدهر أعداء لأنهم قتلوا أبناءنا . رسالة توجهها للجيش المصرى؟ - أقول لهم: «أنتم خير أجناد الأرض.. الجيش المصرى العظيم جميعكم أبناؤنا.. وأنتم من تحافظون على هذا البلد.. أيها الجيش العظيم لمن لا يعرف من أنتم؟.. نحن أبناء هذا الوطن.. نعلم جيداً قيمتكم، وقدرتكم، وصمودكم، وقهركم.. أنت من أعطيت الدرس لمن يستحق، ويتباهى بعظمتك جميع الشعوب العربية.. ويخشاك العدو حتى الآن.. استمر بعظمتك».