لو أن أحدًا تعمد تشويه قيمة تاريخية ووطنية بحجم الزعيم الراحل أحمد عرابى لما فعل أكثر من العبث الذى تحالفت الجهات الرسمية والشعبية فى محافظة الشرقية على صياغته بدقة شديدة. فى مثل هذا اليوم، وتحديدا فى 9 سبتمبر 1881، تحرك الأميرال أحمد عرابى يقود عددًا من الوحدات العسكرية نحو قصر عابدين، لعرض مطالب المصريين على الخديوى توفيق، وهى «عزل وزارة رياض باشا، إنشاء مجلس نواب على النسق الأوروبى، زيادة عدد الجيش إلى 18 ألف جندى»، وما إن وصل عرابى إلى قصر عابدين حتى خرج الخديوى توفيق ومعه القنصل البريطانى والمراقب المالى البريطانى وسط حرسه الخاص. رفض الخديوى المطالب فى بادئ الأمر، وبعدها بعدة أيام استجاب لها وعزل رياض باشا من رئاسة الوزارة، وكلف شريف باشا بتشكيل الوزارة. «روزاليوسف» انتقلت إلى قرية الرية بمحافظة الشرقية لتفقد ما تبقى من آثار زعيم الثورة العرابية بعد 136 عاما على حركته والتى أطلق عليها البعض «هوجة عرابى». تمثال تشويه عرابى المشهد الأول بعد خروجك من محطة الزقازيق تجد مجسمًا كبيرًا للزعيم أحمد عرابى يمتطى حصانه الشهير وسط ميدان المحطة يرحب بالزائرين، إلا أن الوضع اختلف فى قرية «الرية»، فما إن تطأ قدماك مدخل القرية، حتى تصطدم بتمثال صغير وبسيط لا يشبه أحمد عرابى سوى فى طربوشه، هو تمثال أهدته كلية الفنون التطبيقية بجامعة الزقازيق للقرية حتى يتعرف المارة على قرية الزعيم أحمد عرابى. يرى أهالى القرية أن التمثال إهانة للزعيم عرابى، فهو لا يشبهه أبداً لا فى اللون ولا فى الشكل ولا فى الهيئة، هو مجرد تمثال لضابط يركب حصانًا ويلبس طربوشًا، وحاولوا إسقاط التمثال وطالبوا المسئولين بالشرقية ووزارة الآثار بهدمه ولكن وزارة الآثار أصرت على وجوده. متحف الزعيم مهجور وعلى بعد خطوات من تمثال عرابى عند مدخل القرية، يقع متحف عرابى المهجور، حيث تجرى حرق القمامة على مداخله، ويحيط به سور متهالك، فعلى الرغم من المساحة الشاسعة له حيث يقع على مساحة 5140 مترًا، إلا أن المتحف يعانى من إهمال شديد، فواجهته سوداء وزجاج المبنى مكسر وتحول إلى مرتع للكلاب. خالد على، مدير المتحف، قال إن المتحف قائم على أرض تبرع بها أهالى قرية رية الرزنة لمحافظة الشرقية فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ولكن فى العام 2006 تنازلت محافظة الشرقية عن المتحف، حيث أصدرت الهيئة الهندسية بوزارة الآثار قرارا بإزالة للمتحف بعد إصدار 5 تقارير تفيد بأن المبنى متهالك وغير صالح لإقامة متحف فيه، ثم صدر قرار من رئاسة الوزراء بنقل ملكية المتحف من محافظة الشرقية لوزارة الآثار. وأشار إلى أن المتحف كان يحوى صورًا حديثة للزعيم أحمد عرابى وتماثيل له، بالإضافة إلى كافة المقتنيات الأثرية الخاصة بمحافظة الشرقية، كالآثار التى يتم استخراجها من أراضى المحافظة وصور لعرابى وتاريخه وبقايا قنبلة مدرسة بحر البقر وبعض مقتنيات التلاميذ يوم الحادثة وملابسهم المكسوة بالدماء وكتبهم وشنطهم وأحذيتهم التى كانت ملطخة بالدماء. المتحف كان يشهد العديد من الزيارات السياحية التى كان يقوم بها الأجانب فى مصر أو المدارس المصرية التى كان يحرص بعضها على اقتفاء الأثر التاريخى للزعيم أحمد عرابى، وكان المتحف صوة حية للثورة العرابية، وشاهدًا على فترة مهمة فى تاريخ مصر. جمعية عرابى وتعد جمعية عرابى الأشهر بين أهالى القرية، حيث تقع فى الشارع الموازى لمنزل عرابى، وتتكون من طابقين، معلق عليها لافتة مكتوب عليها جمعية أحمد عرابى، وصورة كبيرة له وزملائه بالزى العسكرى وخلفهم جنود الجيش المصرى، وصورة أخرى عريضة للثورة العرابية ولكنها متهالكة وملامحها أصبحت غير واضحة. عزت مصطفى، أحد أهالى القرية ومدير عام سابق بوزارة التربية والتعليم، ومؤسس جمعية أحمد عرابى، والتى أنشأها لعشقه للزعيم أحمد عرابى، حيث إنه درس بكلية آداب قسم تاريخ لعشقه لعرابى منذ صغر سنه، رجل فى السادسة والستين من عمره، أصيب بجلطة فى المخ، أصابته بشلل نصفى، فهو لا يتحرك إلا بمساعدة زوجته، إلا أنه يحرص على التعريف بتاريخ عرابى وتاريخ الجمعية. يقول: الجمعية تم إنشاؤها فى القرية فى العام 1986، وتقوم بشكل أساسى على سرد تاريخ الزعيم أحمد عرابى والثورة العرابية، وتنظم الندوات والمحاضرات والمسابقات لأهالى القرية عن حياة أحمد عرابى منذ ولادته حتى وفاته، مشيرا إلى أن الزعيم الراحل كان له ثلاثة أشقاء، أحفادهم من تبقوا للعائلة فى الشرقية، كما أنه تزوج من أربع نساء الأولى مصرية وأنجب منها تسعة أبناء، وتزوج فى المنفى من اثنتين سريلانكيتين، ولديه ولدان فى سريلانكا، أما أحفاده فى سريلانكا فأحدهما بروفيسور فى جامعة سريلانكا والآخر وزير للبيئة فى سريلانكا، وهو الذى كان مرشحاً لشغل منصب وزير للحربية، ولكن نظراً لأصوله المصرية حرم من تقلد أى منصب سيادى فى سريلانكا، وذكر أن عائلة عرابى فى سريلانكا احتفلوا بالعيد المائة للثورة العرابية، وكان ذلك آخر حضور لهم فى القرية لإحياء ذكرى الثوة العرابية، كما ذكر أن عرابى لديه ابنان سودانيان. وأكد أن مقتنيات عرابى جزء كبير منها قام الإنجليز بالتخلص منه قبيل مغادرتهم الأراضى المصرية، بينما يوجد الجزء الآخر من مقتنياته فى متحف عرابى فى سريلانكا، مشيرا إلى أن تمثال القرية إحدى محاولات تشويه عرابى التى تطاله فى ذكرى الثورة العرابية، وأنه أرسل مؤخراً خطابًا للرئيس عبدالفتاح السيسى قال فيه أن هذا التمثال لا يليق بالزعيم أحمد عرابى، وأنه لا بد من إنشاء تمثال يليق بعلامة منه كما يوجد مثيله فى مدخل محافظة الزقازيق وهو الذى أنشأه الزعيم جمال عبد الناصر تكريماً لأحمد عرابى، حينما قال جملته الشهيرة «نحن أولى بعرابى من سريلانكا». فى منزل قائد الثورة يقع منزل الزعيم أحمد عرابى فى حارة ضيقة، وأمامه منزل قديم ولكنه ليس أثريًا كمنزل عرابى، وبجواره كومة كبيرة من القمامة، ورغم ذلك فالمنزل يحتفظ بملامحه حيث تم ترميمه من قبل وزارة الآثار ثلاث مرات، آخرها كانت منذ 13 عاما، ويقول جيران عرابى إن المنزل عمره 200 عام، فهو منزل جد والده، وبه 44 موظفا تابعين لوزارة الآثار، يباشرون أعمالهم 3 ساعات يومياً ماعدا أيام الإجازات. المنزل قائم على دور واحد، وهو مبنى من الطوب اللبن، باب المنزل مسجل عليه عدد من الرموز والأرقام التى ترمز لتاريخ إنشائه، يتم تنظيفها باستمار من قبل وزارة الآثار من السوس والحشرات والأتربة، بالإضافة لدهانها وتركيبها مرة أخرى أعلى باب المنزل. يتكون المنزل من غرفة عرابى والتى تتضمن الفرن، وهى كانت فراش عرابى خلال طفولته، بالإضافة لغرفة أخرى على الجانب الأيسر خلف المندرة وحمام فى بهو المنزل، وغرفة أخرى تحتل المساحة الكبرى على سطح المبنى، كانت مخصصة لاستقبال الضيوف فيها. أحد المجاورين للمنزل يقول إن المنزل كان مزاراً سياحياً من كل أنحاء العالم، ولكن منذ غلق المتحف فى العام 2006 لم يأت سائح واحد ولا مصرى لمنزل أحمد عرابى. أحفاد الثائر الأول سيد عرابى أحد أحفاد عرابى بالشرقية يقول إن عائلة عرابى منتشرة فى جميع أنحاء الجمهورية، حيث يوجد بالشرقية 20 بيتا لعائلة عرابى كلهم أحفاده من جانب أبناء العمومة، فعرابى تزوج فى القاهرة وأنجب 9 أبناء وأبناؤهم متواجدون حاليا فى أكثر من محافظة ولا يربطهم ببعض سوى اللقب عرابى فقط، مشيرا إلى أنه لا يوجد علاقة بين عائلة عرابى بالشرقية وباقى العائلة فى المحافظات الأخرى، فضلا عن انقطاع الاتصال مع أحفاد عربى فى سريلانكا أو السودان. أهالى القرية أكدوا أن الحاج سمارة رحمه الله كان آخر من يمثل أحمد عرابى فى القرية، حيث إنه كان يفخر كونه أحد أفراد عائلة عرابى وكان يملك شبهًا كبيرًا مع جده الزعيم أحمد عرابى فى الشكل والهيئة، فكان يحرص على تقليده فى ذكرى الثورة 9 سبتمبر من كل عام ويرتدى طربوشا وينظم شاربه كشارب عرابى ويمتطى حصانا، ويقوم بتقليد حركات وإيماءات عرابى.