اتفقت الهيئة الوطنية للإعلام مع نقابة الإعلاميين الجديدة بموجب ميثاق شرف افتراضى أو ضمنى على تضافر جهودهما وشحذ همتهما وتوطيد عزيمتهما وإحساسهما الوطنى والمهنى والسياسى والتربوى على حماية حمى الفضيلة المستباحة من الفوضويين.. والشرف المهدر من قلة منفلتة.. وحمل راية الأخلاق المرعية.. وفرض الوصاية الاجتماعية.. وصيانة الحياء العام من خدش أدعياء الحرية غير المسئولة وغير الملتزمة. خلط شائن بين الخطاب السياسى والإعلامى والخطاب الأخلاقى على غرار ما كان ينتهجه «المطوعون» أيام سنة الإخوان السوداء.. فقد سبق أن فكروا (مجرد تفكير لم يصل إلى حيز التنفيذ حيث لم يسعفهم الوقت بسبب قيام ثورة 30 يونيو التى تقدمها المثقفون أنصار حرية التعبير) فى تكوين لجنة رقابية صارمة حازمة مانعة لإقصاء كل من تسول له نفسه.. ويسمح له ضميره.. ويزين له الشيطان أن يساهم فى بث أى مادة تليفزيونية سواء كانت أفلاماً أو مسلسلات أو أحاديث ذات طابع إعلامى تمس ثوابت الأخلاق الحميدة أو دعائم السلوك القويم.. وأذكر وقتها أيضاً أن رئيس مجلس الشورى أقام الدنيا وأقعدها حينما شاهد فيلما سينمائيا على شاشة تليفزيون طائرة يركبها بطولة «نيللى» رأى أنه يثير الغرائز ويستدعى الشهوة الجنسية.. ويدعو إلى الفحشاء والمنكر ولم يهدأ له بال إلا عندما تم إغلاق كل شاشات التليفزيونات فى الطائرة. أما الآن وفى إطار إحكام السيطرة على ما يظهر على الشاشة الصغيرة فقد اتفقت الجهتان (نقابة الإعلاميين الوليدة والمجلس الأعلى للإعلام الوليد أيضا) على ضرورة عقاب تلك المذيعة المارقة التى لحست «رمزا» للهروين وهو السكر البودرة فى مواجهة المشاهدين باعتبار أنها بذلك تحض الشباب الغض البريء على الانحراف وتروج لاستخدامه.. والعقوبتان هما الإيقاف عن العمل لمدة أسبوع والإيقاف لمدة ثلاثة شهور..ولا تستهينوا أرجوكم أيها السادة الأفاضل والسيدات الفضليات بالواقعة فالنار تشتعل من مستصغر الشرر وإذا كانت الآثمة تحاكى اليوم «الشمامين» فماذا بالله عليكم يمكن أن تفعل غدا!؟ الواقعة الأخرى هى إقرار المجلس الأعلى للإعلام بعد الاطمئنان إلى ضميره المهنى العادل «ضمير المجلس» إلى وجوب منع المذيعات من نشر صورهن على الشاطئ بالمايوه أو الفساتين القصيرة على وسائل التواصل الاجتماعى وسقط سهوا من قرارهم ارتداء البنطلون الممزق فى بعض الأجزاء منه (وهو الموضة المنتشرة فى هذه الأيام) باعتبار أن تلك الملابس تعتبر مفتاح جهنم للتحريض على الرذيلة الذى تقوم به المرأة رمز الغواية والتى هى من أهل النار.. وكيف تجرؤ على تلك الفعلة الشنعاء وهى أصلا عورة من رأسها حتى أخمص قدميها.. بل إن أحد رواد شيوخ الفتاوى قد أفتى بأن وجهها مثل فرجها عورة وينبغى إخفاؤه.. وقد أشار دكتور خالد منتصر فى مقال له إلى المفارقة المدهشة وقال إن الإجراءات الأمنية المفروض أن تمنع المنتقبات من دخول ماسبيرو وليس أن تمنع المايوهات من «مارينا».. «فالمنتقبات يملأن استوديوهات وطرقات ماسبيرو دون أن تعرف ملامحهن ولو حدث أى انفجار أو اعتداء فلن تتعرف الكاميرات على هوية الجانى أو بالأصح الجانية.. لم يطلب أحد من الهيئة أن تسمح لمذيعة بدخول ماسبيرو بالمايوه.. لكن المنتقبة حرة فى بيتها ومن ترتدى المايوه حرة على الساحل. المدهش فى الأمر دون الدخول فى تفاصيل مؤلمة تبعث على الانقباض واليأس من تلك الردة الحضارية التى نعيشها رغم أننا غنينا ورقصنا وشملتنا الفرحة الغامرة بانتصار ثورة 30 يونيو على الظلاميين وإحساسنا ببداية تحقيق خطاب مستنير. ونتساءل إذا كان التمسك بظواهر الأمور يستوجب التوقف والغضب والمساءلة.. ألم يلحظ أعضاء هيئة الوصاية الموقرة تقزم ذلك الكيان الكبير شكلاً وموضوعاً.. فنظرة خاطفة إلى المبنى قبل الدخول تثير الإحساس بالأسى والحسرة.. الواجهة الجميلة البراقة والتى تشهد ببراعة التصميم لمهندس معمارى عبقرى صارت صورة تراثية لا وجود لها.. إلا فى فيلم «سعاد حسنى» الشهير «صغيرة على الحب» إخراج «نيازى مصطفى» أيام أن كانت المدارس الابتدائية والإعدادية تصطحب التلاميذ فى رحلات سياحية إلى المبنى ليشيدوا فى موضوعات التعبير بجماله ورونقه وشموخه وعظمة هذا الاختراع الحديث.. «التليفزيون».. الذى يبث إرساله الأول عام 1960، ويصبح مفخرة إنجازات ثورة 1952.. أنه الآن يئن من آثار تهدمات وأطلية قديمة كابية.. وتشوهات غارق فى الأتربة التى تعلو نوافذ مهشمة وقذرة.. كان محاطا حتى وقت قريب ومنذ ثورة يناير بأسلاك شائكة وكأنه ثكنة عسكرية وفى الداخل مكتظ بحجرات كئيبة ومكاتب قبيحة متهالكة وروائح كريهة تسيطر على الطرقات منبعثة من دورات مياه تعاف النفس دخولها واستوديوهات تبكى وتنتحب من فقر الديكورات والمقاعد وضعف الإمكانيات.. تبث برامج هزيلة لا خيال فيها ولا ابتكار ومذيعون ومذيعات يسألون الضيف نفس الأسئلة ويجيب نفس الأجوبة التى أتحفوه بها عشرات المرات التى تمت استضافته فيها طوال سنوات عديدة.. وإذا حاول أن يبوح مباغتا بتصريحات يشتم منها أنه سيتجاوز ما يرونه خطوطا حمراء بينما يراه هو حقا إنسانيا من حقوق حرية التعبير التى كفلها الدستور.. ما يلبث أن يتراجع موثرا السلامة وهو يرصد نظرات المذيع أو المذيعة المذعورة المصحوبة بارتجاف الشفاه وبياض لونها وانتفاضات عصبية تشنجية وعرق غزير وتقلص شديد فى الملامح فيغمره إحساس بالشفقة والأسف ويغادر الاستوديو دون أن يطرح رأيا مختلفا أو وجهة نظر لها قيمة. لم يعد الضيف الذى يحترم مكانته الفكرية ويعتز بأطروحاته التنويرية يرحب بالظهور على شاشات القنوات المحلية ويفضل القنوات الخاصة المختلفة التى تحولت - للأسف - فى الآونة الأخيرة إلى دكاكين مفروشة ببرامج التوك شو فى سيرك كبير يغص بالمهرجين والحواة والأراجوزات ولاعبى الثلاث ورقات وكذابى الزفة ولابسى المزيكا والمطبلين والمداحين والأبواق الجاهزة بالتبرير والتلويث.. والمتسلقين وأصحاب الأجندات من كل لون والذين يستخدمهم أصحاب القنوات وأصحاب الاتجاهات لتحقيق أهدافهم.. وأصبح من المعتاد أن ترى من يطلق على نفسه خبيرا استراتيجيا أو محللا إيديولوجيا أو حنجوريا نخبويا يدلى برأيه فى قضية مثارة ويخرج مهرولا من البلاتوه ليدخل بلاتوه آخر وقد غير الكرافات والجاكيت ليقول الرأى المعاكس. أما إذا تكلمنا عن الدراما فحدث ولا حرج فقد اختفت تماما مراقبة إنتاج أفلام التليفزيون.. ماتت بالسكتة القلبية بعد أن قدمت 164 فيلما يعتبر معظمها من كلاسيكيات التليفزيون المصرى الراقية المحتوى والمضمون.. كما توقف قطاع الإنتاج بالتليفزيون عن الإنتاج تماما منذ سنوات سواء كان إنتاجًا مباشرا أو بمباركة القطاع الخاص بنظامى المنتج المنفذ أو المشارك وأهملت الدولة كليا التدخل لإيجاد حلول لسداد ديون القطاع المتراكمة وخواء ميزانيته ثم تصبح المقارنة بين ماسبيرو زمان وماسبيرو الآن تثير الألم والحنق وتستدعى مشاعر الأسى والحزن وتضاعف الإحساس بالاكتئاب واليأس. مذيعات جميلات لا يخجلن من جمالهن وأنوثتهن.. يرتدين ملابس عصرية تعتبر بمقاييس هذا الزمن «غير ملتزمة» وهو مصطلح سخيف يتكرر دائما ويربط بين الملبس والأخلاق ربطا مجحفا ورجعيا.. برامج متنوعة وطريفة ومفيدة.. الضيوف أدباء كبار ومفكرون عظام.. ومذيعون ومذيعات مثقفون ثقافة رفيعة لا ينزلقون لتوافه الأمور ولا يزعجهم سقف لحرية التعبير ولا تسيطر عليهم ثقافة الحلال والحرام ولا يطاردهم المطوعون. إن ماسبيرو «زمان» هو ماسبيرو «المستقبل» المأمول وماسبيرو الآن هو ماسبيرو ماض يعيش فى كهف ردة حضارية مفزع.