المتابع لسياسات مصر والسعودية والإمارات فى الأعوام الثلاثة الماضية يجد أن هناك تنسيقاً كاملاً ًوقدراً كبيراً من التفاهم والتوافق فيما بينهم بشأن إعادة التوازن للترتيبات الأمنية والاستراتيجية بالمنطقة، كما يلحظ أن التطورات السياسية التى شهدتها المنطقة العربية دفعت الدول العربية الثلاث إلى الإمساك بزمام الأمور والقدرة على توجيه ديناميات العملية السياسية والأمنية لحماية الأمن القومى العربى والحفاظ على ما تبقى من الدول العربية التى سقطت واحدة تلو الأخرى فى صراعات أهلية أو سيطرة تنظيمات إرهابية عليها بفضل الدعم المقدم من قطروإيران. لقد أدركت العواصم العربية الثلاث الخطر المحدق بالأمة العربية جراء أطماع دول الجوار العربى والتى استطاعت التوغل داخل عدد كبير من الدول العربية وبمساعدة أطراف عربية كان من المفترض أن تكون حليفا وداعما للقوى العربية الثلاث؛ إلا أنها اختارت أن تقف مع أعداء الأمة العربية، وكانت سياسة قطر ضد الأمة العربية وضد التحالفات العربية التى تحارب تلك الجماعات الإرهابية التخريبية سواء فى اليمن أو سوريا أو ليبيا، وحتى فى مصر- بعد ثورة 30 يونيو 2013 - ففى الوقت الذى وقفت فيه السعودية والإمارات بجانب مصر ضد جماعة الإخوان الإرهابية قامت قطر بدعم وإيواء عناصر الجماعة الإرهابية على أراضيها ووفرت لهم الدعم المالى والإعلامى لمحاربة الدولة المصرية. لقد كشفت التطورات والأحداث الأخيرة منذ أن دعت مصر خلال القمة العربية فى شرم الشيخ 2015 إلى أن هناك حاجة ماسة وضرورية لتحالفات عربية من أجل الحفاظ على الأمن القومى العربى. لقد استطاعت العواصم العربية الثلاث أن تشكل محوراً عربياً لمواجهة التحديات التى تواجه الأمة العربية والتى تتمثل فى أطماع إيرانية فى دول الخليج العربية أو دعم جماعات وتنظيمات إرهابية لزعزعة استقرار الدول العربية، وبرزت فاعلية المحور العربى من خلال نمطين أساسيين هما نمط السياسات ونمط التحالفات. نمط السياسات: كانت مصر من أوائل الدول التى دعت إلى ضرورة محاربة التنظيمات الإرهابية ومن يقف وراءها وقامت مصر بعرض رؤيتها لمحاربة الإرهاب وضرورة أن تكون محاربة الإرهاب عامة وشاملة وقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى عليها خلال القمة العربية الإسلامية الأمريكية فى الرياض الشهر الماضي، كما كانت مصر من أوائل الدول التى خاضت حرباً ضد التنظيمات الإرهابية وحذرت منها فى كثير من المحافل الدولية. ويمكن القول أن مصر وبالتعاون مع السعودية والإمارات استطاعوا كشف قطر أمام العالم وتحميلها مسئولية دعم التنظيمات الإرهابية من خلال الإجراءات العقابية التى فرضوها على قطر. كما كانت السياسات السعودية تجاه إيران منذ تولى الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم بداية لتحول جذرى فى طبيعة علاقتها مع إيران، فقد كانت الرياض تتبع سياسة امتصاص الاستفزازات الإيرانية التى تنتهجها ضد السعودية وغيرها من دول الخليج منذ الثورة الإيرانية عام 1979، كما طالبت السعودية فى المحافل الدولية إيران باحترام حسن الجوار؛ إلا أن إيران كانت نموذجاً للجار السيئ. لذلك كانت السياسة السعودية تجاه الاستفزازات والتدخلات الإيرانية فى عهد الملك سلمان مختلفة عما سبق، سياسة مواجهة وحصار للتدخلات الإيرانية؛ إذ قطعت السعودية علاقاتها مع إيران بعد اقتحام وحرق سفارتها فى طهران، كما أدرجت السعودية تنظيم حزب الله وشخصيات تابعة له على لائحة التنظيمات الإرهابية، كما جاءت تصريحات ولى ولى العهد السعودى التى كشف فيها عن قدرة السعودية على نقل المعركة إلى قلب إيران، لتمثل نهجاً سياسياً جديدا فى الدبلوماسية السعودية فى تلك المرحلة. أما نمط التحالفات: فقد استطاعت السعودية أن تنشئ تحالفات عسكرية هدفت فى المقام الأول من تشكيلها الحفاظ على الأمن القومي، تُرجم هذا فى تحالف عاصفة الحزم لعودة الشرعية لليمن بعد أن انقلبت واستولت جماعة الحوثى على السلطة فى اليمن بمساعدة ودعم إيران التى أعلنت أنها تمكنت من السيطرة على أربع عواصم عربية هى بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت من خلال وكلائها فى تلك الدول. ثم قامت المملكة بالإعلان عن تشكيل التحالف الإسلامى المكون من 34 دولة إسلامية وعربية لمواجهة الجماعات الإرهابية الشيعية فى المنطقة العربية، ثم كانت باكورة الجهد السعودى من خلال القمة العربية الإسلامية الأمريكية التى استطاعت من خلالها أن تجد صيغة مشتركة بين الدول العربية والإسلامية وأمريكا «إعلان الرياض» لمحاربة التنظيمات الإرهابية التى أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن إدارته تضع من ضمن أولوياتها محاربة تلك التنظيمات؛ إلا أنه أكد خلال كلمته «أن دول المنطقة العربية هى التى ستحارب الجماعات الإرهابية وليس أمريكا» ومن ثم فإن رد الفعل الأمريكى على السياسات التى اتخذت ضد قطر هو أمر طبيعى ومنطقى. لذلك ليس غريبا أن تكون تصريحات الرئيس الأمريكى على قرار الدول العربية بقطع علاقاتها مع قطر متماشية مع الرؤية العربية بشأن محاربة الإرهاب ومن يدعمه. إن المرحلة الراهنة ستشهد قدراً كبيراً من الحشد والاستقطاب والسياسات من أجل تنفيذ التزامات القمة العربية الإسلامية الأمريكية الأخيرة، وفى نفس الوقت فإن السياسات التى اتخذتها كل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين رسالة لكل طرف داعم ومساند للتنظيمات الإرهابية بأن لا توجد دولة بعيدة عن العقاب والحساب العربى. إن المرحلة الراهنة هى إعادة رسم المنطقة العربية وترتيبها وفقا لرؤية عربية باتت سياساتها وتحالفاتها واضحة بأن محور القاهرةالرياض أبوظبى قادر على إعادة التوازن الجيوستراتيجى فى المنطقة العربية.