د. ساهر رافع أولا وقبل كل شىء كل عام والجميع أيا كان مذهبه وعقيدته وإيمانه بخير بمناسبة بداية شهر رمضان، ذلك الشهر الذى أنزل فيه القرآن كوحى مقدس وحيد من الله تعالى إلى رسوله ورغم أن الكتاب للناس جميعا.. القرآن هو الوحى الوحيد الموحى من السماء إلى الرسول وفى سورة الفرقان الآية رقم 30 (وقال الرسول يا رب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجوراً). فإذا كان هذا حال الرسول وهو يعيش بين قومه، فما هو حالنا إذن الآن.
أعتقد أن الإجابة واضحة ولا تحتاج إلى تعليق للحالة التى نعيشها الآن إذ ابتعدنا عنه تقريبا بالكلية، وأصبح اعتمادا على ما دونه وكتبه البخارى ومسلم وباقى كتب الصحاح التى يعتبرها أغلب المسلمين الآن أنها عصب الدين وأنها المعين الذى يجب أن تأخذ منه مفاهيمنا. رغم أن هذه الكتب تم تصنيف محتوياتها التى تعتبرها أغلب الناس بما فيها مؤسسات ذات شأن فى العلوم الإسلامية أنها مقدسة، حيث نجد أن تصنيف الحديث كالتالى : صحيح، حسن، ضعيف، مرسل، منقطع، معضل، مدلس، شاذ، مسند متصل، مرفوع، موقوف، منكر ما له شاهد المضطرب المدرج الموضوع المقلوب المقطوع زيادة الثقة.. الخ ومن ثم يجب أن يسأل كل منا نفسه سؤالا هو بديهى فى ذاته، وهو هل لو كانت هذه الأحاديث وحيا من السماء هل تحتاج إلى مثل هذا التصنيف أم أن الوحى هو الذى ينقسم إلى صحيح وضعيف.. الخ. وفى هذا المقام يجب أن أوضح أن هناك مؤتمرا عقد تحت رعاية الأزهر بمركز الأزهر للمؤتمرات فى الفترة من 15-17 يناير 2012 وكان عنوان المؤتمر (السنة النبوية بين الواقع والمأمول) وكانت النتيجة الأبرز لهذا المؤتمر اعتبار أحاديث البخارى ومسلم - أى الصحيحين - غير قابلة للطعن فيها بأى حال من الأحوال، وأقول إن من قالوا بهذا الرأى تعاملوا فى قول الله تعالى (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا). وفى مقابل رأى الأزهر عام 2012 نجد أن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وهو أحد توابع الأزهر يصدر عام 1975 كتابا بعنوان «الحديث النبوى رواية ودراية» فى ص48 (ومع ما للجامع الصحيح - يقصد البخارى تحديدا من منزلة رفيعة بين كتب الحديث وشهرة ذائعة فقد تعقبه علماء الحديث فى رجاله وفى أحاديثه وفى طريقة تأليفه وأخذوا عليه بعض المآخذ أما الرجال فقد صنعوا منهم نحو ثمانين رجلا وأما الأحاديث فقد ضعفوا منها نحو مائة عابوا بشذوذها وما فيها من علل وقف أو قطع فقالوا أن فيها أحاديث موقوفة وأخرى مقطوعة وأخرى شاذة . وأزيد على ما قاله أعضاء مجلس البحوث الإسلامية أن الإمام ابن حجر العسقلانى اتهم كلا من البخارى ومسلم بالتدليس وذلك فى كتابه المعنون باسم طبقات المدلسين - راجع ص 16/17- طبعة 1992 رقم الإيداع 2670. وفى هذا السياق أوضح أن اصحاب الصحاح قد عاصر بعضهم بعضا ولم يعجب أى منهم جهد الآخر لذلك قام كل واحد منهم بتأليف وتدوين صحيح خاص به ولهذا نجد أن الإمام مسلم وهو تلميذ البخارى لم يعجبه عمل أستاذه وقام بعمل صحيحه الذى قام البخارى بعدم اعتماد 615 رجلا من رجال مسلم ولم يعتمد مسلم 343 رجلا من رجال البخارى، للاستزادة حول هذا الأمر رجاء الرجوع إلى مقدمة كتاب فتح البارى بشرح صحيح البخارى لابن حجر العسقلانى. ولهذا ونحن فى شهر القرآن الوحى المقدس الوحيد من السماء للإنسان أن نكون ممن تنطبق علينا تلك الآية من سورة يوسف 106(وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون). وما يؤكد ذلك نجد أن الشيخ محمد الغزالى وهو أحد كبار علماء الأزهر كتب فى كتاب له عنوانه السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث (ص63) (المصيبة أن بعض المتحدثين فى الإسلام لديهم مقدار هائل من قصر النظر وقلة الوعى والأدهى من ذلك أن يتحول هذا الفكر إلى مبدأ تؤلف فيه الكتب وتنبنى عليه المواقف) وحتى لا يتصور أحد أنه - يقصد من هم خارج الأزهر- علينا عندئذ أن نرجع إلى كتابه (الدعوة الإسلامية فى القرن الحالى) ص50. أما الأزهر فقد تقوقعت فيه علوم الدين واللغة العربية كما تدخل السلحفاة جسمها داخل ظهرها الصلب وتبقى مكانها دون حراك. وفى محاولة ممن لهم مصالح باستمرار قدسية الصحاح رغم ما بها من عوار وتعارض فى الأحاديث مع بعضها البعض، فضلا عن تضادها وكذلك تناقضها مع آيات القرآن الذى هو الوحى المقدس من الله فقط يقولون أن التشكيك فى السند يفتح الباب للتشكيك بالقرآن لكن أرد عليهم بالآتى : 1 - القرآن من حيث هو قد تم تدوينه على عين حياة النبى وبإشرافه. 2 - إن القرآن غير مختلف فى نصوصه. 3 - القرآن تكلم فى مواضيع تخص البشر جميعا بينما الأحاديث كانت مرتبطة بزمانه ومكانها ومن ثم فإن ذلك يعنى أن القرآن من حيث هو فهو نص مفارق لذلك هو مقدس. 4 - القرآن مدون من لحظة نزوله الأولى من السماء إلى الأرض. 5 - القرآن يتم التعبد به 6 - القرآن قطعى الثبوت قطعى الدلالة بينما الأحاديث ظنية الثبوت ظنية الدلالة 7 - الله تكفل بحفظ القرآن (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). 8 - الله تعالى هو الذى تكفل بجمع القرآن (إن علينا جمعه وقرآنه). 9 - القرآن به دلالات صدقه وأنه من عند الله وهى دلالات ظاهرة وموجودة ومشاهدة من الجميع سواء فى الكون أو فى الإنسان ذاته (وفى الأرض آيات للموقنين وفى أنفسكم أفلا تبصرون). 10 - القرآن له بداية معلومة ونهاية معروفة (الفاتحة / سورة الناس). 11 - القرآن لا يحتاج إلى شىء آخر يكمله كما يدعى من يروجون للصحاح وغيرها والدليل ذاته موجود فى القرآن حيث نجد فى سورة يوسف (111) (لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون). ونجد فى سورة النحل (89) (ويوم نبعث فى كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين). وأيضا فى سورة الأنعام (38) (ما فرطنا فى الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون). ونجد فى هذه الآيات الثلاث أن كل شيء يمكن أن يجول بخاطرك موجود فى القرآن وأنه مبين وكذلك مفصل. وللدلالة على أن الأحاديث - الصحاح - من حيث هى صناعة بشرية فإنها تحوى عوامل انحرافها أن الفقهاء قد اختلفوا فى تعريف السنة حيث نجد أن علم الحديث هو ما أثر عن النبى من قول أو فعل أو صفة خلقية أو خٍلقية أو سيرة سواء كان قبل البعثة أو بعدها. وهى عند علماء الأصول هى ما صدر عن النبى من قول أو فعل أو تقرير مما يصلح أن يكون دليلا لحكم شرعى، وهى عند الفقهاء هى ما يقابل الفرض والواجب فهى أحد الأحكام التكليفية الخمسة الواجب والحرام والسنة والمكروه والمباح. وأكثر التعاريف شيوعا هو تعريف المحدثين وللدلالة على عدم مصداقية ما ذكر فى الصحاح ما دونه أصحاب الصحاح أنفسهم والتى تؤكد حرص الرسول على عدم كتابة شى إلا القرآن فقط حيث نجد فى صحيح مسلم حديث رقم 5326 عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله قال(لا تكتبوا عنى ومن كتب عنى غير القرآن فيلمحه وحدثوا عنى ولا حرج ومن كذب على قال همام أحسبه قال متعمدا فليتبوأ مقعده فى النار) السؤال كيف يدعون حبهم وطاعتهم للرسول وأنهم ينفذون كلامه وكيف يعارضونه والدليل هو الحديث المذكور وغيره فى مسند أحمد 10670 وكذلك ما هو مدون فى البخارى حديث رقم 4631.. حدثنا.. قال دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس رضى الله عنهما فقال له ابن شداد بن معقل أثرك النبى من شيء قال ما ترك إلا ما بين الدفتين قال ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال ما ترك إلا ما بين الدفتين) - القرآن. ولهذا يجب أن يجول فى خواطرنا هذا السؤال: هل كان كل رواة الأحاديث عدولا أم منهم من لا يرتقى إلى مستوى المسئولية وما هى مخاطر الاعتماد على تلك الصحاح فى تشويه الدين حيث إنها عملت ما يمكن أن أطلق عليه الدين الموازى الذى نعيش به الآن وهذا يعنى أننا تركنا الدين الحقيقى الذى هو وحى السماء وتمسكنا بما كتبه البعض منا. ولذلك أعوذ بالله بأن أكون وكل من له عقل قادر على التفكير ممن تنطبق عليهم تلك الآية رقم 79 من سورة البقرة (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون).