يبدو أن الحكومة أعلنت الاستسلام ورفع الراية البيضاء، بعد أيام قليلة فقط من إظهار العين الحمراء لأصحاب الكافيهات والمقاهى المخالفة فى أحياء القاهرة والجيزة، وأن شبكة المتربحين من هذه الأوكار صاروا أكثر قوة من الحكومة بكل مؤسساتها وسلطاتها. فلقد عادت كل المقاهى والكافيهات المغلقة تقريبا إلى العمل من جديد، بل إن أغلب الكافيهات التى جرى غلقها بالشمع الأحمر خاصة فى مصر الجديدة ومدينة نصر سارع أصحابها بفض الشمع بأنفسهم وفتح أبواب محلاتهم على مصراعيها ليل نهار للزبائن، معلنة أنها أقوى من أى قانون وأى قرار قد صدر. فى الوقت الذى احتفلت غالبية تلك الأوكار بانتصارها على سبع جهات رقابية تشرف على تلك المقاهى بحكم القانون، وانتصارها على غضب الناس بسبب مقتل الشاب محمود بيومى فى كافيه «كيف» بشارع النزهة على يد بلطجية الكافيه، لا يزال المسئولون يطلقون التصريحات الجوفاء عن استمرار حملات غلق الكافيهات المخالفة وفحص جميع العاملين بها للتأكد من عدم خروجهم على القانون، من باب ذر الرماد فى العيون. اللواء محمد أيمن نائب محافظ القاهرة قال إن الحملة مستمرة للقضاء على جميع الظواهر السلبية وغلق كل المقاهى التى تدار بدون ترخيص لإعادة المظهر الحضارى للشوارع والميادين وإحكام الرقابة على المحال والكافيهات، مؤكدا أنه لن يتم السماح بإعادة فتح المقاهى التى تم غلقها. مشددا على أنه فى حال قيام أصحابها بإعادة فتحها سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيالهم وفق أحكام القانون رقم 72 لسنة 2017 بفرض غرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه والحبس لمدة ستة أشهر. «روزاليوسف» قامت بجولة فى عدد من الأحياء التى شهدت حملات مكثفة لغلق الكافيهات المخالفة وغير المرخصة، وتبين أن كلام نائب المحافظ مجرد حبر على ورق جرائد، حيث عادت كافة المقاهى المغلقة للعمل بنشاط أكبر مما كانت عليه، إلى حد عمل تندات واحتلال مساحات من الأرصفة والشوارع، بل ولاحظت بدء نشاط تأجير الواجهة لعدد من عربات الأطعمة السريعة، فيما يشبه عمل تجمع تجارى كامل أمام المقهى أو الكافيه، وظهر هذا بوضوح فى عدد من شوارع مدينة نصر، خاصة الحى السابع والحى السادس وحى السفارات والعاشر والثامن وبجوار طيبة مول وجنينة مول، وعمارات مايو. المحافظة بأجهزتها مستمرة فى مكافحة الإشغالات، هذا ما أكد عليه نائب محافظ القاهرة، فى حين أظهرت كاميرا «روزاليوسف» انضمام محلات وسلاسل مطاعم كبرى لمخالفى الإشغالات، ومنها مطعم «أرابياتا» بفروعه فى مساكن شيراتون والكوربة والحى السابع، ففى فرع مساكن شيراتون خلف فندق فيرمونت وعلى قرب أمتار من مطار القاهرة وعدد من المنشآت الحيوية والأمنية فرضت إدارة المطعم على جميع السكان إخلاء الشارع من سياراتهم فى محيط المطعم لتخصيص كل المساحة لسيارات الزبائن التى تسد مدخل المنطقة منذ الصباح الباكر وحتى ساعات الفجر الأولى كل يوم، بل واحتلت الأرصفة المقابلة لعمارات صقر قريش وعمارات شركة مصر الجديدة، الأمر الذى يشل المرور فى المدخل الوحيد للمنطقة طوال اليوم تقريبا، دون تدخل من أى جهة رقابية، فضلا عن شكاوى السكان من الأدخنة المتصاعدة على مدار الساعة من مداخن المطعم والتى تصب نواتج الطهى وحرق المخلفات فى صدور السكان وأطفالهم، وعندما شكا المواطنون والسكان ادعى عمال المحل أن أحدا لا يستطيع إزالة هذه المخالفات أو الاقتراب منهم لأنه صاحب المطعم على صلة بمسئول أمنى كبير. وقد نقل «أرابياتا» مخالفاته من مسكان شيراتون إلى فرع الكوربة الذى يحتل محلين مواجهين لبعضهما، وبينهما يحتاج المارة بسياراتهم إلى معجزة قبل التمكن من العبور بعد استئذان عمال المطعم الذين احتلوا الشارع وخلقوا ساحة تجارية كبيرة لخدمة المحل بعد افتتاح عدد من المقاهى على النواصى الأربعة المجاورة للمطعم، يتحول الشارع كله الواصل بين شارعى الأهرام والثورة قرب الكنيسة إلى ساحة خاصة تفوح منها روائح الأطعمة والمعسل ويتجمع فيها مجموعات الشباب من مناطق مختلفة، وكثيرا ما تنشب مشاجرات تستخدم فيها الأسلحة بسبب معاكسة الفتيات أو محاولة سرقة المارة بالإكراه، فضلا عما يخلفه المترددون على هذه الساحة المفتوحة من مناظر قبيحة بسبب مخلفات الأطعمة والقمامة، وهذا ما فعله «أرابياتا» أيضا فى الحى السابع الذى تحول إلى موقف سيارات سرفيس وموقف خاص لسيارات المطعم التى تنقل مستلزمات المطعم فى أى ساعة من ليل أو نهار، ولا تبالى بما تسببه من ازدحام وغلق لشارع الطيران الرئيسى وشل حركة المرور. وقد سمح تراخى المحليات والأجهزة الرقابية فى انتشار الفوضى على نطاق واسع فى أنحاء مصر الجديدة ومدينة نصر وعدد من الأحياء الراقية أيضا، ولم يقتصر فشل الحكومة على مواجهة الكافيهات فقط، فقد تحولت الأكشاك أيضا إلى جماعة مصالح قوية تفرض سيطرتها على الشوارع بالقوة والمشاركة مع بعض موظفى الأحياء، وبجولة واحدة فى الحى السادس تبين وجود ما يزيد على 17 كشك سجائر فى محيط جامعة الأزهر والمدينة الجامعية للطالبات كلها غير مرخصة حيث تسرق التيار الكهربائى من أعمدة الإنارة أو وصلات ممتدة من داخل أسوار المدينة الجامعية، وقد لاحظنا تردد مجموعات من الشباب سيئ المظهر على تلك الأكشاك، علما بأن المدينة لا يسكنها إلا الفتيات، وكشف بعض الخفر فى مواقع عمل قريبة عن أن بعض هذه الأكشاك تتاجر فى الأقراص المخدرة وتوفرها للطلاب وشباب الأحياء الشعبية الذين يترددون على المنطقة لمعاكسة طالبات الجامعة، أو لسرقة حقائب أيديهن بواسطة دراجات بخارية، وهى الظاهرة التى نشطت فى الآونة الأخيرة فى منطقة مدينة نصر ومحيطها، رغم وجود قسمى شرطة وعدد من الجهات الأمنية ومنازل عدد من الشخصيات المهمة والمسئولين. وينافس الأكشاك فى التعديات على حرم الشوارع والأرصفة فى محيط المدينة الجامعية وعدد من شوارع مدينة نصر الأخرى عربات الفول التى تحولت إلى محلات ثابتة بعد أن اطمأن أصحابها إلى عدم مطارة موظفى الحى وشرطة المرافق لهم، حتى إن صاحب عربة فول فى محيط مستشفى التأمين الصحى قرر عمل موقف انتظار ومبيت يومى لها داخل أسوار المستشفى نفسها، بمساعدة الخفر وعمال الأمن، فى غياب أى جهة رقابية. وفى ظل تصاعد هذه الفوضي، شهدت منطقة عمارات الفتح فجر الأحد الماضى ثلاث حوادث سرقة سيارات فى وقت واحد وفى مربع واحد، حيث جرت سرقة سيارة هيونداى ألنترا نبيتى اللون وسيارة ماتريكس فضية اللون مملوكة لزوج وزوجته من سكان عمارة رقم 11 فى اللحظة ذاتها التى جرت سرقة سيارة نقل تويوتا من الشارع الموازي، ولم تتمكن الشرطة من الوصول للجناة حتى اليوم، رغم أن صاحب السيارة تلقى اتصالا فى ظهيرة اليوم التالى من أحد اللصوص وطالبه بدفع فدية عشرين ألف جنيه لإعادة السيارة، لكن الصدفة وحدها تسببت فى عودة السيارة الأولي، حيث عثرت دورية لقسم شرطة قصر النيل فى الليلة التالية على سيارة متوقفة تحت كوبرى أكتوبر فى غير أماكن الانتظار فشكت فى الأمر وقامت بسحب السيارة بالونش، ليتبين فى القسم أن بيانات السيارة وردت فى بلاغ سرقة بقسم مدينة نصر قبل 24 ساعة، وبذلك تمكن صاحب السيارة من إعادتها بينما اختفى طالب الفدية واختفت السيارة الثانية، رغم تحديد مباحث قسم مدينة نصر مصدر مكالمة طلب الفدية فى منطقة المرج. الطريف أن عمارات الفتح هى عمارات ضباط الشرطة التى يمتلك وحداتها ويسكنها ضباط شرطة وعائلاتهم، ويشرف عليها صندوق صاد لإسكان ضباط الشرطة، كما أنها ليست المرة الأولى التى تتعرض فيه المنطقة لعمليات سرقة سيارات بل وشقق أيضا خاصة فى الأعياد، حيث جرت سرقة سيارة أمام كشك الكهرباء فجرا أسفل منزل مدير مباحث الأموال العامة السابق، ولم تعد السيارة إلى صاحبها حتى اليوم. وبعد واقعة السرقة الأخيرة، شعر السكان بالخطر، ودعت اتحادات الملاك إلى اجتماع عاجل لسكان نحو 120 عمارة، لوضع خطة أمنية لتأمين منازلهم وممتلكاتهم فى غيبة الأمن، حيث اقترح بعضهم تشكيل فرق أمن من حراس العقارات والبوابين لتبادل السهر على حراسة المنطقة فيما يشبه دوريات الدرك، خاصة بعد أن نشط موجة تأجير الشقق لأجانب وعمال وغرباء من جنسيات مختلفة بأعداد كبيرة يسكنون الشقة الواحدة، مما يثير مخاوف السكان من وجود تشكيلات عصابية تتستر خلف السكن فى المنطقة لإدارة علميات السطو والسرقة المنظمة، ويضيف إلى مخاوف السكان عودة المقاهى للسهر حتى الصباح وجلوس غرباء ومشبوهين ومسجلين عليها بما يشبه القيام بأعمال رصد للشقق التى يغيب عنها أصحابها لأى سبب للسطو عليها. جدير بالذكر أن الكافيهات والمحلات التى ترتكب هذه المخالفات تشرف عليها سبع جهات رقابية هى المجالس المحلية والأحياء وشرطة المرافق وجهاز البيئة ومباحث المصنفات الفنية التابعة لوزارة الثقافة والحماية المدنية وهيئة السلامة والصحة المهنية بوزارة الصحة والأمن العام. ورغم كل هذه الجهات، تواصل تلك البؤر تحديها للجميع، فى الوقت الذى أصبحت تشكل نقاط انطلاق يومية لتهديد السكان وإزعاجهم والاعتداء على أرواحهم وممتلكاتهم، وقتلهم أيضا كما جرى فى حق ضحية الكافيه المملوك لرجل الأعمال أسامة النجار المحبوس حاليا على ذمة التحقيق فى جريمة قتل محمود بيومي.