«بشترى راجل»، فيلم أثار جدلا واسعًا وانقساماً فى الأوساط السينمائية والجماهيرية، لطرحه لفكرة جريئة وجديدة، البعض يرى أن الفيلم يعالج قضية مهمة ومسكوت عنها وهى تأخر سن الزواج لدى قطاع كبير من الفتيات الرافضات للارتباط خوفا من الفشل وعدم الثقة، واحتياجهن فى نفس الوقت لتحقيق حلم الأمومة، والترحيب بلجوء بطلته لحل غير تقليدى عبر إعلان إليكترونى تطالب بشراء «حيوانات منوية» لأحد الرجال مقابل مبلغ مادى. بينما يرفض البعض الفكرة ويرى أنها تهدم المجتمع وتتنافى مع العادات والتقاليد الشرقية. روزاليوسف توجهت إلى الطرف المؤمن بالقضية وهى مؤلفة الفيلم «إيناس لطفى» لتتحدث عن تجربتها السينمائية الأولى وترد على النقد الموجه لها وطرح وجهة نظرها فى قضايا المرأة عموما. كيف جاءت فكرة الفيلم، وهل كانت هناك قصص واقعية استلهمت منها الحدوتة؟ - الفكرة فى رأسى منذ أربع سنوات استلهمتها من خلال جلسة جمعتنى بمجموعة من الصديقات ما بين متزوجة ومخطوبة وكانت بينهن صديقة تجاوزت الثلاثين وأخفقت فى عدة تجارب عاطفية، إلا أنها تحدثت فى قضايا أثرت فى تفكيرى وقتها، حيث قالت بمنتهى الصراحة إنها لم تعد تفكر فى الزواج ولا الارتباط وأن حلمها أن يكون لديها طفل فقط حتى لو أصبحت مطلقة بعد ذلك! فكلامها أوجعنى جدا، وشعرت بمدى احتياجها للأمومة والحب بشكل عام، ولم تكن الصديقة الأولى التى طرحت الفكرة بل سمعت كثيرا من القصص تدور فى نفس السياق، ونتيجة تجاربهن واحدة غياب الثقة والأمان، ومن هنا ولدت الفكرة، وقررت كتابتها، وبالمناسبة كثيرون يتحدثون عن ارتفاع نسب العنوسة فى مصر، ولكن لا يعلمون أن قطاعاً لا يستهان به من هؤلاء البنات يقررن الوحدة وعدم الارتباط باختيارهن وليس إجبارا، ونفس الشيء يحدث أيضا مع بعض الرجال. وما السبب فى رأيك من الاختيار الصعب للوحدة؟ - ربما يكون اصصخوف من المسئولية والارتباط وعدم نجاح طرف فى تحقيق ما يحلم به الطرف الآخر. أثار الفيلم ردود فعل غاضبة وتم اتهامه بأنه يهدم المجتمع الشرقى وتقاليده، من شراء فتاة لحيوانات منوية لرجل للإنجاب، ما تعقيبك؟ - لم أطالب فى فيلمى بالإنجاب أو علاقات غير شرعية خارج مؤسسة الزواج، وكان شعارى الذى تتبناه نيللى كريم أو «شمس» بطلة الفيلم لتحقيق رغبتها فى الإنجاب هو «مأذون، أنبوبة» إشارة لطفل الأنابيب، فهناك الكثير من البنات تحلم بالأمومة ولكن لديهن خوف من عدم نجاح العلاقة مع الطرف الآخر، بسبب عدم الثقة والطمأنينة، ولكن ليس لديهن سوى طريق واحد فقط لتحقيق حلم الإنجاب وهو الزواج بطريقة شرعية رسمية وهو ما طرحه الفيلم، لأننا لن نهرب من عاداتنا وتقاليدنا، فلن نهرب من مجتمعنا وحياتنا، لذا «شمس» تخرج لسانها للمجتمع وتقول له إنها ستنفذ ما يريده من ضغط عليها للزواج قبل أن تصبح «عانس» وخوفا من الوحدة وضغط أمها المستمر عليها بأن تراها بالفستان الأبيض، ولكن «شمس» أعلنت أنها موافقة ولكن هتتجوز بطريقتها. ولكن هناك من يرى أن فكرة single mother تتنافى مع مجتمعاتنا العربية، وخاصة أن الفيلم عُرض عقب قضية «هدير مكاوى» التى أثارت جدلا شديدا؟ - فى الحقيقة موقعة هدير مكاوى كانت «صدفة» ولكنها خدمت الفيلم، وبالمناسبة هى نفس مشكلة زينة وأحمد عز وأحمد الفيشاوى وهند الحناوى، أى تتعلق بقضية إثبات نسب فقط، وارتبطت بفكرة الsingle mother عندما أعلنت الفتاة رغبتها فى الاحتفاظ بالطفل وتربيته بمفردها، ومن هنا تم اختزال هذا المصطلح من سياقه الحقيقى وتم ترويجه عبر السوشيال ميديا بطريقة سيئة، وبالمناسبة أرى شخصيا أن ال single mother ليست كلمة سيئة السمعة أو منحرفة، فالأرامل والمطلقات اللاتى يتولين مسئولية تربية أبنائهن بمفردهن والإنفاق عليهم ينطبق عليهن مصطلح «السينجل مازر»، وهناك ملايين من «السينجل مازر» متزوجات ولهن أزواج يعيشون معا فى نفس المنزل، ولكن لا يتحملون المسئولية إطلاقا، ويتركون السيدات بمفردهن فى العمل والإنفاق على الأسرة بل وعليه شخصيا! وبما تفسرين الهجوم على الفيلم طالما تؤكدين حرصه على عدم الخروج عن العادات والتقاليد الشرقية؟ - الفكرة الصادمة التى يطرحها الفيلم، والتى تعود لأن من أعلنت هذه الرغبة بوضوح فى وجه المجتمع كانت «بنت»، فالمجتمع دائما ما يكرس فكرة أن البنت صوتها «واطى» وليس لها الحق فى طلب شيء، ولكن «شمس» أعلنت بقوة وضوح الشمس أيضا، أن تقول «أنا عايزة أكون أم وأتزوج بطريقتى»، وهذا جانب من صدمة المجتمع من فكرة الفيلم، وهذا لا يمنع أن هناك مشكلة لا يجب غض النظر عنها، فهناك ملايين البيوت، تقوم النساء فيها بدور الأم والأب معا، فكرة الزواج تم تفريغها من مضمونها ولم يقدم المجتمع سوى النفاق والازدواجية. ولكن لم تنتصر النهاية لرغبة «شمس» بطلة الفيلم بأن تصبح «سينجل مازر»؟ - جمال السينما أصلا يعود بقدرتها على زعزعة ثوابت الأمور فى نفس المشاهد ثم تعيدها من جديد لمكانها الصحيح، وهو ما حاولت تقديمه فى فيلمى، زعزعة ثقة الجمهور فى أول الفيلم فى الأسرة وبنائها الطبيعى الذى يتكون من أب وأم وأطفال، وعندما تحقق هدفى من هذه الصدمة للجمهور وللنفاق والازدواجية بشكل عام، ثم عدت به مرة ثانية للثوابت الطبيعية والفطرة الأصيلة. هل يعنى ذلك أنك ضد فكرة «السينجل مازر»؟ - أنا على المستوى الشخصى منحازة للطبيعة والفكرة السليمة، ولكن المجتمع هو الذى ابتعد عنها وبالتالى ظهرت مشكلات النفاق والازدواجية، لذا أنا لست مع فكرة السينجل مازر ولكن مع الأسرة الحقيقية المتماسكة، ولكن الواقع هو الذى يؤكد أنه يعيش بيننا ملايين من النساء ينطبق عليهن مصطلح «السينجل مازر»، مع تأكيدى أن كلمة «السينجل مازر» مش عيب وغلط، ولو المجتمع بيتضايق منها يستطيع استبدالها بمصطلح المرأة المعيلة، فالإحصائيات تؤكد أن 36 % من ستات مصر معيلات. لماذا أخذت فكرة السينجل مازر كل هذا الترويج السلبى هل لأنها كما يصفها البعض مجرد أفكار مستوردة من الغرب؟ - ليست أفكاراً غربية حتى مشكلة «هدير مكاوى» هى مشكلة إنسانية بحتة بغض النظر عن رأينا فى الأطراف، وتتكرر آلاف المرات، ولكن الستات دائما هم اللى بيتشتموا مع أن الراجل شريك أساسى فى القضية، لكن مجتمعنا الشرقى دائما ما يجلد الحلقة الأضعف فى هذه القضايا وهى المرأة. كيف ترين إعلان مفتى الجمهورية بأن «السينجل مازر» تتنافى شرعا مع المجتمع الإسلامى والعربى وتفككه؟ - المفتى تصريحاته لا تمس فيلمى، فأنا لم أمس الشرع أو طالبت بهدم العادات الشرقية والتقاليد، بل فيلمى ينتصر للأسرة ووجودها والفطرة الإنسانية الطبيعية بين زوج وزوجة وأطفال من خلال رباط شرعى رسمى لأى علاقة، والبطلة تقوم بذلك وتعلن ذلك صراحة فى الفيلم، ولكن هذا لا يمنعنى من التأكيد للمرة الثانية أن كلمة «سينجل مازر» ليست كلمة سيئة! رغم أن الفكرة جادة وتناقش قضية شائكة، إلا أنه تم تقديمها بشكل كوميدى ساخر؟ - لأننى شعرت أن قبولها هيكون أكثر عند تقديمها بشكل كوميدى، وسوف يتجاوب معها قطاع كبير، حتى لو لم تمسه المشكلة بل يتابعها مع أصدقاء حوله مثلا، وفضلت عدم تقديمها بشكل تراجيدى جاد ومباشر أيضا حتى لا يتم اتهام الفيلم بأنه «فيمنست» يدافع عن حقوق المرأة والجميع يعلم الصورة السلبية التى يتم بها تنميط الفيمسنت، ولكن أردت الخروج من هذه الدائرة بطرح مشكلة تواجه الطرفين الرجل والمرأة اللذين تقدمهما شمس وبهجت ويقوم بدورهم نيللى كريم ومحمد ممدوح، فكلاهما يرفضان فكرة الزواج والارتباط التقليدى، وفى النهاية تمكنا من خلال حبهما من إنجاح الزواج والتجربة، ودائما أرى أن معالجة أى فكرة بشكل كوميدى سوف يجعلها تصل للجمهور سريعا وتكون أكثر تأثيرا. فى رأيك لماذ تتأخر فرص البنت الناجحة فى الزواج، هل يحب الرجل المرأة الفاشلة؟ - المجتمع لديه صورة خاطئة أن المرأة الناجحة فى شغلها هى فاشلة فى بيتها، وأغلب الرجال يحبون الإحساس بأنهم أقوى والمسيطرون، وهذا إحساس ذكورى شرقى طبيعى، وأعتقد أنه آن الوقت أن تخرج الأجيال الجديدة خارج هذه النمطية، فأى علاقة هى علاقة شراكة، لا أحد فيها يرأس الطرف الثانى، بل يتشاركان لإنجاح العلاقة، بمسئوليات مشتركة. بمناسبة المسئوليات المشتركة، طرح الفيلم فكرة أن المرأة يمكن أن تكون ضد المرأة، وظهر ذلك واضحا فى مشهد عريس الخارجية المتقدم ل«شمس»؟ - قديما كنت مقتنعة أن الرجل هو السبب وراء مشكلات المرأة، ولكن الآن فى غاية اقتناعى، أن المرأة مسئولة بنسبة 80 % عن مشكلات المرأة وشريك أساسى فى التنميط والتمييز الواقع عليها، ولو الفكر الذكورى هو اختراع الرجل فهو أعطاه للست وطلب منها الحفاظ عليه، وهى لم تتأخر عن ذلك، وهذا دور يقع على أمهات اليوم عند تربية بناتهن وأبنائهن أن يتخلصن من هذه الأفكار البائدة، ويخلعان الأفكار السلبية ويقمن بالتربية الصحيحية. هل تعتقدين أن «شمس» يمكن أن تكون نموذجاً لبنات كثيرات نقابلهن بشكل متكرر فى حياتنا مستقبلا؟ - فى الحقيقة شمس موجودة بالفعل بيننا، وتلقيت تعليقات كثيرة وردود فعل من الجمهور بأن تقول لى إحدى الفتيات «شمس هى أنا» ومشكلتها مشكلتى، ولكن أتمنى أن ينتصر الحب فى حياتهم كما انتصر الفيلم فى النهاية لفكرة أن لسة فى أمل الحب، وأن الحب فى الآخر هينتصر. ذكرت أن الفكرة ظلت حبيسة الأدراج 4 سنوات، لماذا؟ - لأننى لم أكن أتصور أن يتجرأ منتج ويتبنى إنتاج فيلم يحمل فكرة صدامية مثيرة للجدل مثل ما طرحه الفيلم، إلى أن أعلنت «بيرثمارك» الشركة المنتجة فى ديسمبر 2015 بتلقيها لأفكار جديدة وحال نجاح الفكرة سوف يتم إنتاجها، وهذا ما شجعنى، نظرا لخوفى من سرقة الفكرة، وكنت محظوظة للتعاون مع منتجة واعية مثل «دينا حرب»، هى امرأة مثقفة ومؤمنة بالأفكار غير التقليدية وتراهن على النجاح ولديها إصرار فى تحقيقه، وتنفذ ذلك بتكاليف منخفضة، حتى إن نيللى كريم تنازلت عن أجرها وشاركت به فى الإنتاج، وكذلك المخرج وأنا ،تنازلنا عن أجورنا لرغبتنا الحقيقية فى خروج الفيلم للنور. بالنسبة لأبطال الفيلم، كيف كان اختيار محمد ممدوح وهو نموذج مختلف تماما عن البطل الرومانسى الوسيم الذى تعودت عليه السينما؟ - شخصية «بهجت» مرسومة منذ البداية بأنه بدين ويحب الأكل، وشخص طبيعى جدا، ليس نموذج البطل الوسيم، وحظى الاختيار باتفاق كبير مع المخرج محمد على، أما «نيللى كريم»، أفكارنا تلاقت معها، حيث كانت تبحث عن عمل كوميدى بعد مسلسلات رمضان الماضية، وفى نفس الوقت نريد كصناع العمل لبطلة نجمة، وبمجرد قراءتها للاسكريبت وافقت على الفور، وهى دقيقة جدا فى اختياراتها.