أكد محمد فريد خميس رئيس الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين أن تحقيق التنمية الاقتصادية فى مصر يقوم على زيادة الإنتاج وبخاصة الإنتاج الصناعى مما يسهم فى خلق فرص عمل وزيادة الدخول وتحسين مستويات المعيشة وتلبية احتياجات السوق المحلية بالمنتج الوطنى ليكون بديلا عن المستورد، كذلك زيادة الصادرات لتصحيح العجز المتزايد فى ميزان المدفوعات، وتأتى صناعة الغزل والنسيج فى مقدمة الصناعات التى تتناسب مع قدرات مصر، مما يلزم الجميع الوقوف على أهم مشكلات هذه الصناعة، ووضع الحلول الملائمة لها، وفى هذا السياق أعلن خميس عن كتاب جديد اجتمعت فيه خلاصة الأفكار بثمار التجارب، وهو كتاب «النسيج فى مصر عبر العصور» وليد جهد وبحث وتحقيق وتدقيق، يتم تقديمه هدية مجانية لكل الباحثين والمهتمين بهذا القطاع المهم قطاع الغزل والنسيج فى مصر، والذى أضحى يعانى مشكلات بالغة القسوة شديدة الخطورة تهدد تاريخا طويلا لصناعة مصرية عريقة، مما يتطلب من الجميع شحذ الهمم وتضافر الجهود والمشاركة بالرأى والمشورة من أجل إخراج هذه الصناعة الرائدة من عثرتها وأن المعالجة المثالية للمشكة تتطلب بداية البحث فى الجذور والتعمق فى الأصول، وهو تماما ما فعلناه فى هذا المنتج العلمى الكبير «النسيج فى مصر عبر العصور»، وأشار فريد خميس إلى أن صناعة النسيج فى مصر منذ آلاف السنين، كشفت عنها آثار الفراعنة، ويعد عام 1927 البداية الحقيقية لهذه الصناعة فى مصر، إذ تم إنشاء صناعة وطنية فى البلاد على أسس علمية، ثم توسعت وازدهرت بمرور الوقت وتحولت مصر من دولة مستوردة للغزل إلى دولة مصدرة له فى عام 1949، وتعد صناعة الغزل والنسيج من أقدم المهن التى امتهنها المصرى القديم منذ عهد الفراعنة حتى بداية القرن التاسع عشر الميلادى مرورا بالإمبراطورية العثمانية وتمثل الأمر فى ورش صغيرة محدودة جدا حتى تطورت مع دخول الصناعة الحديثة فى ورش بمنطقتى بولاق والمنصورة فى عهد محمد على باشا حتى وصلت حين ذاك إلى 30 ورشة يعمل بها أكثر من 12 ألف عامل وكانت صناعة الغزل هى الأهم فى مصر فى منتصف القرن التاسع عشر وفى عام 1868 كانت فى مصر 441 ورشة للصباغة يعمل بها نحو 1700 عامل يمثلون ثلث العاملين فى حرفة النسيج، واعتمدت هذه الحرفة حين ذاك على العمالة الرخيصة المستعينة بالنساء فى العمل خاصة فى الريف المصري، وأشارت إحصائيات عام 1873 إلى أن عدد عمال الغزل والنسيج فى القاهرة والإسكندرية بلغ 6037 عاملا، وفى باقى الأرجاء 22187 عاملا، وانتشروا فى مدن المحلة الكبرى والمنصورة ودمياط ومنوف والفيوم وبنى سويف وأسيوط، وتعد صناعة الغزل والنسيج فى مصر دعامة رئيسية للاقتصاد المصرى وموردا مهما من موارد العملة الصعبة لأن صادراتها تمثل حوالى 25% من الصادرات المصرية، بنوعيها العام والخاص، وتمتلك مصر العديد من المزايا التنافسية فى هذه الصناعة والمتمثلة فى التاريخ الحافل والخبرة الكبيرة والمعرفة الكافية بظروف هذه الصناعة وكذلك توافر خامات القطن المصرى ذى السمعة الطيبة فى الأسواق العالمية والأجور المناسبة، مما جعل لهذه الصناعة تاريخا عظيما تكونت خلال أجيال من العمالة الفنية اللازمة ومن المعلوم كذلك أنها من الصناعات كثيفة العمالة والتى تتوافق مع القضايا ذات الاهتمام الوطني، ويعمل بصناعة الغزل والنسيج ما يقرب من مليون عامل يمثلون حوالى 30% من حجم العمالة فى مصر، موزعين على 4000 مصنع حكومى وخاص- إحصائيات رسمية عام 2015- وتحاط هذه الصناعة العظيمة بمشكلات كثيرة ومعقدة ولا شأن التهريب وثغرات المناطق الحرة والسماح المؤقت ورفع دعم الطاقة وتحرير تجارة القطن تسبب فى تعثر هذه الصناعة المهمة، وليس أدل على ذلك من إغلاق 480 مصنعا للنسيج ووصول حجم خسائر غزل المحلة فى عام 400 مليون جنيه، فهل ستظل المحلة الكبرى مدينة تدفع ثمن انهيار الصناعة؟! كما أن شبرا الخيمة قلعة الغزل فى طريقها إلى الزوال، حيث إن عدد المصانع المتبقية فيها 375 فقط من أصل 1100 مصنع. وأكد خميس أن الموضوع جد خطير، وتكمن دوافع اهتمامى بهذا الموضوع لأننى عاشق لصناعة النسيج، بل وأحسب نفسى «نساجا مصريا» بكل ما تحمله الكلمة من دلالات وتطرحه من معان تحمل عبق تاريخ قديم وممتد ينطق بالحق ويشهد على مهارة وعبقرية النساج المصرى عبر العصور، تاريخ لا يكذب ولا يتجمل تاريخ كنت شاهد عيان على كل مرحلة من مراحله، فأنا حفيد- مازلت أحيا- لأجداد عظماء ولوا وبقيت أعمالهم شاهدة على عظمة صناعتهم حملوا رسالتها وأدوا أمانتها ليس إلى أهليهم فقط، وإنما للعالم كله.