تتعرض صناعة الغزل والنسيج فى الوقت الحالى إلى مشكلات خطيرة، تهدد مستقبل هذه الصناعة، وتنعكس على أوضاع عمالها، بعد اشتعال المنافسة العالمية ودخول دول جديدة هذا المجال مثل تركيا وتونس والهند وباكستان، إضافة إلى المنافس الأهم وهو الصين، وما يرتبط بها من تطور متواصل فى تقنيات الغزل والنسيج، وغيرها من الضغوط التى ترهق القطاع الخاص الضعيف نسبياً، كما تعاني شركات القطاع العام «قطاع الأعمال» التى تتميز بكثافة كبيرة في عنصر العمل مقارنة بأية صناعة أخرى فى مصر، مشكلات أكثر إلحاحاً، وفى مقدمتها مديونيات الشركات التابعة لهذا القطاع، والعقبات التى تواجهها زراعة القطن، والأهم من ذلك التوجه الحكومى الثابت بشأن عدم الاستثمار فى هذه الصناعة من أجل تصفية شركات القطاع العام ثم خصخصتها. ومن الطبيعى أن تنعكس هذه المشكلات بشكل سلبى على أحوال عمال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة فى القطاعين العام والخاص، فأجور عمال هذا القطاع هى الأدنى فى مستوى الأجور، فضلاً عن الظروف الصعبة التى يعملون فيها، التى تنعدم فيها كل وسائل الأمن الصناعى. وحسب دراسة لمركز الأرض لحقوق الإنسان، تؤكد صفحات التاريخ أن حرفة الغزل والنسيج فى مصر قديمة قدم العصر الفرعونى، وظلت هذه الصناعة حتى بداية عهد الدولة الحديثة فى أوائل القرن التاسع عشر، تتسم باعتمادها على الورش الصغيرة ومنظمات الطوائف التى تضم عمال هذه الحرفة، كما اتسمت صناعة الغزل والنسيج آنذاك بدرجة كبيرة من التخصص فى الإنتاج، وكان يتم تصدير الكتان والقطن فى تلك الفترة إلى ولايات الإمبراطورية العثمانية والدول المجاورة. وفى الفترة بين 1816-1818، أدخل محمد على تحديثاً جزئياً فى منظومة العمل والتقنية، وأنشأ ورشة كبيرة فى «خرونفيش» بالقاهرة الفاطمية، ثم ورشة أخرى فى بولاق، وفى عام 1820، جرى استيراد آلات البخار من إنجلترا وتم تركيبها فى الورشتين، وفى ورشة ثالثة فى المنصورة، وبعد فشل محاولات لاستخدام العمال السودانيين للعمل في هذه الصناعة، جرى تجنيد عمال مصريين قسراً، وبمعاونة قادة الطائفة، وفى عام 1823 كان يعمل فى ورشة «خرونفيش» نحو 2000 عامل، وبحلول عام 1830 كان فى مصر نحو 30 ورشة للغزل للنسيج، موزعة على القاهرة والدلتا والصعيد. وأقيمت معظم هذه المصانع تحت إشراف فرنسيين. ومع بداية أربعينيات القرن التاسع عشر، شهدت صناعة الغزل والنسيج تدهوراً على مستوى الإمبراطورية العثمانية، نتيجة تدفق الأقطان الرخيصة المصنعة آلياً من أوروبا، وذلك وفقاً لاتفاقيات التجارة بين الإمبراطورية وبين بريطانيا وعدد من الدول الأوروبية، التى نصت على تخفيض الجمارك على الأقطان المستوردة، وكان على صناعة الغزل والنسيج المصرية التكيف مع هذا المتغير، عبر محاولة الوصول إلى أسواق لم تنتشر بها المنتجات الأوروبية، وبشكل عام فإن صناعة الغزل والنسيج في مصر كانت الصناعة الأهم فى منتصف القرن التاسع عشر، بالرغم من ضراوة المنافسة الخارجية. وفى عام 1868 كانت فى مصر 441 ورشة للصباغة يعمل بها نحو 1700 عامل، يمثلون ثلث العاملين فى حرفة النسيج.. وبشكل عام كان على حرفة الغزل والنسيج في هذه الفترة، التكيف مع المتغير المتعلق بتدفق الواردات الرخيصة عبر استخدام العمالة النسائية والريفية الرخيصة، وفقاً لنظام الإنتاج المنزلي.. وأشارت إحصائيات عام 1873 إلى أن عدد عمال الغزل والنسيج في القاهرة والإسكندرية بلغ 6037 عاملاً، وفى باقي الأرجاء 22187 عاملاً، وبرزت عدة مدن فى هذه الصناعة، على رأسها المحلة الكبرى، ومنها المنصورة ودمياط ومنوف والفيوم وبنى سويف وأسيوط. ومع الاحتلال البريطانى عام 1882، وتسارع اندماج مصر في السوق الرأسمالي العالمي، نمت صناعة الملابس بشكل غير مسبوق. وفى عام 1917 أصبح العمال فى هذه الصناعة يمثلون 30% من كافة عمال الصناعة المصريين.. وكان السبب الرئيسي وراء انتعاش هذه الصناعة هو انخفاض معدلات أجور العمالة المصرية مقارنة بمثيلتها فى أوروبا، وفى عام 1907 بلغ إجمالى عدد العمال المصريين فى صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة بمختلف فروعها 83378 بينهم 75000 من الذكور، وفيما يتعلق بصناعة الغزل كانت المحلة المنطقة الأهم «حيث يعمل بها 8138» تليها القاهرة «2869»، ثم قليوب «2405» ثم منوف «2394». وبالرغم من أن صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، أصبحت الصناعة الأهم في العقد الأول من القرن العشرين، إلا أن دور عمال هذه الصناعة في الحركة الأولى لإنشاء النقابات العمالية كان هامشياً. ففى عام 1909، لم يكن هناك أكثر من 193 عاملاً من عمال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة منضمين إلى اتحاد العمال اليدويين التابع للحزب الوطنى.. وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى، لم تكن فى مصر أية نقابة لعمال الغزل والنسيج.. وخلال ثورة 1919 كان مركز الثقل في حركة الإضرابات العمالية هو عمال النقل والخدمات.. وكان من نتائج الحركة الشعبية الواسعة فى ثورة 1919 أن تم تشكيل عدد من الاتحادات النقابية منها نقابة مصنع فيلاتور الوطنى المصرى، الذى كان يضم 1200 عامل وقت بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914 «ارتفع العدد إلى 8000-10000 عامل بحلول الحرب العالمية الثانية»، وقام عمال المصنع بأول إضراب عام 1924 احتجاجاً على تخفيض الأجور. المحلة وبنك مصر وفى عام 1927 أنشأ بنك مصر شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، وكان ذلك علامة مهمة على صعيد تطور هذه الصناعة، من حيث تقنيات الإنتاج وتركز العمال. وقد اضطلعت الشركة بعمليات الغزل والنسيج والصباغة. وعقب تشغيل المصنع بفترة وجيزة أصبح عدد عماله 15000 عامل. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية ارتفع عدد العمال إلى 25 ألفاً، وكان العمال يضطرون لاستئجار منازل مشتركة تشبه الأكواخ، وفى أحيان كثيرة كان عامل النسيج يتعرض إلى الإصابة بعاهة فى العين أو الأذن حال تطاير «المكوك» وهو أداة العمل الرئيسية.. أما عامل الغزل فكان يعانى من الأمراض الصدرية القاتلة بسبب تطاير الغبار. فى عام 1937، أنشئت شركة سباهى للغزل والنسيج فى شبرا الخيمة، وفى العام التالي أنشأ بنك مصر مصنعين للنسيج الميكانيكي فى كفر الدوار، ضما 11000-12000 عامل، وشهدت صناعة الغزل والنسيج فى الحرب العالمية الثانية طفرة كبيرة بسبب تدفق حاجات الجيش البريطانى من جهة، ووقف الاستيراد من جهة أخرى، وفى عام 1945 بلغ عدد عمال الغزل والنسيج 117272 عاملاً من بين 316144 مجموع عمال الصناعة «37%»، وبلغت المنشآت العاملة فى مجال الغزل والنسيج 9425 من 22220 مصنعاً. وشهدت نفس الفترة إقرار حرية التنظيم النقابي، وذلك في عام 1942، حيث إنه حتى ذلك الوقت لم تكن النقابات مسموحاً بها قانوناً، ومن ثم كان القائمون على النقابات المشكلة بمقتضى الأمر الواقع يتعرضون للتنكيل المستمر. أزمة الجيش البريطانى وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية تعرضت صناعة الغزل والنسيج لأزمة بفعل توقف الطلب من قبل الجيش البريطانى، مما أدى إلى عمليات واسعة من الإغلاق والطرد. وفى إبريل عام 1945، قامت الحكومة بحل نقابة عمال النسيج الميكانيكي بشبرا الخيمة، واقتحمت قوات الشرطة مقر النقابة وأخرجت من به من عمال، وكان السبب الأساسي للحل هو قيام النقابة بالتشجيع على الإضراب، وقد رد العمال بقرار بالإضراب، وألقى القبض على عدد من القادة النقابيين. وفى ديسمبر من نفس العام، حاصرت قوات الأمن منطقة شبرا الخيمة، مما أدى إلى حدوث إضراب واسع فى يناير عام 1946، تبعه تشكيل اللجنة الوطنية للطلبة والعمال التى عبرت عن اتساع دور العمال فى الدفاع عن القضايا الوطنية. وكان الدور المحورى الذى لعبه عمال الغزل والنسيج فى الأربعينيات راجعاً إلى النمو الكبير الذى شهده هذا القطاع أثناء الحرب، الذى أدى إلى توسع كبير في الشركات وتصاعد التضامن بين العمال الذين عندما جاءوا من الريف، كانوا يعتقدون فى البداية أن وضعهم كعمال هو وضع مؤقت، وأنهم لن يلبثوا أن يعودوا إلى قراهم. وصاحب تبدد هذا الوهم، انخفاض الأجور «الذي سببه التضخم الحاد أثناء الحرب» وشروط العمل القاسية، ومن ثم تزايد السخط والتمرد على العلاقات «الأبوية» السائدة فى مصانع الغزل والنسيج، خاصة تلك التابعة لبنك مصر في الدلتا، ومن بين 137 إضراباً حدث فى عام 1947، كان هناك 88 لشركات الغزل والنسيج (66%)، وخلال العامين التاليين هدأت الموجة العمالية بسبب حرب 1948 والقمع الواسع الذي مارسه النظام. غير أنه مع عودة حزب الوفد للحكم تصاعدت الحركة من جديد، منذ عام 1950 وحتى يوليو 1952، سُجل 49 إضراباً رسمياً منها 33 إضراباً (67 %) فى صناعة الغزل والنسيج. الحقبة الناصرية بدأ عهد الضباط الأحرار باتخاذ توجه قمعى واضح ضد عمال الغزل والنسيج، حينما تدخل الجيش لفض إضراب عمال شركة الغزل والنسيج فى كفر الدوار، تلاه تنفيذ حكم الإعدام فى اثنين من قيادات العمال فى سبتمبر 1952، وفى واقع الأمر، فقد عكس هذا التوجه إدراكاً من قبل النظام الجديد للخطورة التي يمثلها العمال بشكل عام، وعلى رأسهم عمال الغزل والنسيج. وبين عامى 1960-1962، جرى تأميم غالبية شركات ومصانع الغزل والنسيج باستثناء تلك التي لا يزيد بها عدد العمالة علي 200عامل. واستفاد عمال الغزل والنسيج في تلك الفترة من الإصلاحات الاجتماعية للناصرية، المتمثلة فى عقد العمل الأبدى والعلاج المجانى وتخفيض ساعات العمل، والارتفاع الدورى فى الأجور، وغيرها. لكن فى المقابل، دشنت الفترة الناصرية سيطرة الدولة على النقابات العمالية، وتم فرض مبدأ وحدة التنظيم النقابى وأصبح الاتحاد العام لعمال مصر، الذى تأسس عام 1957، والنقابات التابعة له التنظيم النقابى الوحيد المسموح به. واحتفظ عمال الغزل والنسيج خلال الخمسينيات بوضع القطاع الأهم في الطبقة العاملة المصرية، وفى عام 1960 بلغ نصيب عمال الغزل والنسيج إلى إجمالي عمال الصناعة 52.4%، وهى أعلى نسبة وصل إليها عمال هذا القطاع فى تاريخهم، مقارنة بعمال الصناعة، وكانت شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة هى أول شركة صناعية يجرى تأميمها فى 1960.. وبعد عام 1960 بدأ الوزن النسبى لعمال الغزل والنسيج فى الانخفاض، رغم أن وزنهم العددى ظل يتزايد، ففى 1966-1967 بلغت نسبة عمال هذا القطاع إلى إجمالى عمال الصناعة 44.3%، وانخفضت هذه النسبة عام 1976 إلى 39.2% بالرغم من تزايد العدد المطلق للعمال فى هذه الصناعة. ومع أزمة المشروع الناصرى، وهزيمة 1967 والأزمة الناتجة عن السياسة التنموية التي تبنتها الدولة، والقائمة على إحلال الواردات، عادت الحركة العمالية للتصاعد. ولم يكن ما يميز عمال الغزل والنسيج فقط هو التركز العالى فى هذه الصناعة، ولكن تدهور أوضاعهم المعيشية بالنسبة للعمال في القطاعات الأخرى. منذ أوائل السبعينيات، كانت أجور عمال هذا القطاع هى الأقل بين كافة العمال فى الصناعة، فقد كان متوسط الأجر السنوى لعامل الغزل والنسيج عن الفترة 1972 إلى 1978 يساوى 380 جنيهاً، فى حين كان نفس هذا المتوسط يساوى 390 في الصناعات الغذائية و491 جنيهاً لعمال صناعة الكيماويات، و496 لعمال الصناعات المعدنية والهندسية. أي أن فارق الأجر فى هذه الفترة – 72/1978 – بين عامل الغزل والنسيج (أقل قطاعات العمال أجراً)، وعمال الصناعات المعدنية والهندسية (أعلاهم أجراً) كان 30.5% أما بحلول 1980، فقد وصل الفارق فى الأجر بين عمال الغزل والنسيج والصناعات الهندسية – اللذين ظلا على حالهما فى ترتيب مستويات الأجور فى القطاع العام – إلى 36.6 % (أصبح متوسط الأجر السنوي لعامل الغزل والنسيج وعامل الصناعات الهندسية 775 جنيهاً على التوالى)، وفى عام 1994 بلغت هذه الفجوة 47%. وخلال موجة الإضرابات التي اندلعت في الفترة من 1968 وحتى 1977، احتجاجاً على الغلاء المستمر، وتدهور مستويات المعيشة، خاض عمال الغزل والنسيج عدداً من الإضرابات. ففي 1968 قام عمال مصنع الحرير الصناعي التابع لمصنع إسكو بإضراب صغير طالبوا فيه بضرورة صرف وجبة غذائية للعمال، وعلى أثره تم التنكيل بقادة الإضراب بنقلهم من مصانعهم، فى العام التالى 1969 أضرب النساجون والغزالون للمطالبة بتحسين ظروف العمل ومواقع الإنتاج. وحقق الإضراب عدداً ضئيلاً من المكاسب وتجدد التنكيل بالقادة العماليين الذين تم اعتقال البعض منهم. وفي ربيع 1972 اندلعت موجة إضرابات في مصانع النسيج الخاصة فى شبرا الخيمة احتجاجاً على تدهور الأجور. وفى سبتمبر 1974، اعتصم عمال شركة حرير حلوان بمصنعهم احتجاجاً على الاقتطاع الإجبارى من الأجر لصالح المجهود الحربي رغم انتهاء الحرب. وفي 1975، اعتصم عمال شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة في المصنع مطالبين بالإصلاح الوظيفى. وبدأت شرارة انتفاضة يناير 1977 بمسيرة لعمال شركة مصر حلوان للغزل والنسيج، قادت عمال المصانع المجاورة، مطالبين بإلغاء قرارات رفع الأسعار. التوجه نحو الليبرالية الجديدة شهدت العقود الثلاثة الماضية تحولات جذرية في الاقتصاد المصرى، وقد بدأت هذه التحولات بالفعل في منتصف السبعينيات، وأقر قانون رأس المال العربى والأجنبى المعروف بقانون الانفتاح عام 1974، إلا أن انتفاضة 1977 أعاقت إلى حد ما التوجه نحو اقتصاد السوق، وتطبيق سياسات الليبرالية الجديدة، وأدت إلى وقف تطبيق البرنامج الذي وقعته الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي عام 1976 لتحرير الاقتصاد، غير أن الأزمة التي شهدها الاقتصاد المصرى فى منتصف الثمانينيات أدت إلى الإسراع فى هذا التوجه. وقد أتى توقيع اتفاق مايو 1991 بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولى بربط الإلغاء التدريجى لحوالى 50% من الدين العام الخارجى، بتنفيذ الحكومة المصرية لما التزمت به في خطاب النوايا الموقع في مايو 1991. هذا بالإضافة إلى ما نصت عليه الاتفاقية من تقديم تمويل لمصر، وذلك بشرط تنفيذ اتفاقية التكيف الهيكلى مع البنك الدولى، وكان المطلوب من الحكومة تنفيذه هو تحرير الأسعار وخفض عجز الموازنة عن طريق خفض الإنفاق على الخدمات وتحرير التجارة الخارجية، وقد أصدرت الحكومة بالفعل لائحة جديدة للاستيراد والتصدير فى مايو 1991 تقوم علي التحرير التدريجي لقوائم السلع الموقوف استيرادها. ثم جاء قانون قطاع الأعمال العام لسنة 1991 لتوسيع الاستقلال المالي والإداري للقطاع العام تمهيداً لخصخصته، فقد تم فصل موازنة القطاع العام عن الموازنة العامة للدولة، وتقرر عدم السماح بالدعم الصريح أو الضمنى لشركات قطاع الأعمال، ولم يعد أمامها لمواصلة نشاطها سوي الاقتراض من البنوك علي أسس تجارية، مما أدى إلى تراكم المديونيات بفعل السحب على المكشوف من البنوك. وفى نفس الوقت بدأ تنفيذ برنامج الخصخصة، سنة 1992-1993، وخلال الفترة من 1993 حتى 1996 تم بيع 127 شركة فقط، بينها 40 بيعت لاتحاد العاملين المساهمين، ويرجع هذا البطء في مسار عملية الخصخصة إلى ضخامة العمالة الموجودة بالقطاع العام، ومن ثم كان لا بد من التخلص من العمالة عبر اتخاذ إجراءات تدفع العمال للجوء إلى المعاش المبكر، مثل الحد من الحوافز والبدلات، واتباع أساليب تعسفية فى الإدارة والتوسع فى الجزاءات، وأحياناً النقل الجبرى من مكان العمل، وبفعل هذا الإجراءات تم تقليص العمالة في القطاع العام، لتهبط من 1.3 مليون عامل عام 1985، إلى 998413 عام 1994 إلى 496204 عام 2000، وفى منتصف 2003 كان هناك 400 ألف عامل قد تقاعدوا وفقاً لنظام المعاش المبكر، وتسارعت وتيرة الخصخصة بفعل هذه الإجراءات فقد تم بيع 1174 شركة خلال الفترة من 1997 حتى 2002. وفيما يتعلق بشركات الغزل والنسيج، جرت خلال الفترة من بداية برنامج الخصخصة وإلى 2008 خصخصة أربع شركات، إضافة إلى أربع شركات أخرى تمت تصفيتها. ويوجد حالياً 32 شركة قطاع أعمال عام تعمل فى مجال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة. وتبنت الحكومة منذ التسعينيات نهجاً يهدف إلى تخسير هذه الشركات، تمهيداً لتصفيتها وبيع ما لديها من أصول. وكانت الخطوة الأولى فى هذه الاتجاه هى التوقف عن الاستثمار فى تحديث الميكنة وأساليب الإنتاج، بالإضافة إلى الإهمال الجسيم والمتعمد لعمليات الصيانة الضرورية، وترك المجال واسعاً لفساد الإدارات بالتجارة فى الميكنة وسرقة موارد الشركات. أما الخطوة الثانية فهى إغراق هذه الشركات فى الديون من أجل تفليسها، فقد اضطرت شركات الغزل والنسيج العامة، إلى التوسع في الاقتراض في ظل إحجام الحكومة عن الاستثمار، وقد أدى تحرير الفائدة والسماح بالسحب على المكشوف إلى تراكم المديونيات على تلك الشركات، وبلغ النصيب النسبي للشركة القابضة للغزل والنسيج والملابس من رصيد السحب على المكشوف فى الفترة من 91/92 إلى 96/97 43%. تراكم المديونيات والخسائر وأدى تراكم المديونيات إلى تحقيق شركات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة التابعة لقطاع الأعمال العام خسائر كبيرة، فعلى سبيل المثال، اقترضت شركة مصر حلوان للغزل والنسيج نحو 95 مليون جنيه من أجل القيام بعمليات الإحلال والتجديد للماكينات، وذلك منذ أواخر الثمانينيات، ومن ثم حققت الشركة خسائر كبيرة بلغت قيمتها فى الفترة بين 2001/ 2006 932 مليون جنيه. واقترضت شركة القاهرة للمنسوجات الحريرية بشبرا نحو 40 مليوناً من البنوك مما أدى إلى تصفيتها نهائياً، وإحالة ما يقرب من 6000 عامل إلى المعاش المبكر، وكان ذلك هو نفس مصير شركة القاهرة للصباغة والتجهيز التي كان يعمل بها نحو 5000 عامل تمت تصفيتها بفعل تراكم الخسائر الناجمة عن المديونيات، وبيعت الأرض المقامة عليها. وجاء تحرير تجارة القطن ليوجه ضربة موجعة لصناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهرة، وفى ظل الارتفاع المتواصل فى أسعار الطاقة الكهربائية والبترول، خاصة مع بداية التسعينيات فى ظل التوجه نحو تحرير الأسعار، وارتفاع الأعباء الضريبية المفروضة المتمثلة فى 10% ضريبة مبيعات على الخامات الداخلة فى صناعة المنتج، غزل القطن و10% على خدمات التشغيل للغير على المنتجات النسيجية، و10% علي آلات النسيج والتريكو المستوردة وجميع المعدات، و32% ضريبة الأرباح الصناعية، و22% ضريبة الأجور، تزايدت الأعباء المفروضة على شركات قطاع الأعمال العام. كانت نتيجة هذه السياسات اتجاه النصيب النسبى لشركات القطاع العام فى إنتاج الغزل والنسيج والملابس الجاهزة نحو الانخفاض من 88.5% فى المتوسط خلال عقد السبعينيات إلى 35٪. الخلاصة وبناء على ما سبق من مشكلات تواجه صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة وأوضاع عمال هذه الصناعة، ودورهم فى الحركة العمالية، يمكن الخروج بهذه الخلاصة التى تؤكد ما يلى: - تعرض صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة في قطاعيها العام والخاص منذ عقود لأزمة أصبحت تمثل تهديداً حقيقياً لمستقبل هذه الصناعة، وأدى تطبيق سياسة الليبرالية الجديدة إلى التوجه نحو التخلص من صناعة الغزل والنسيج التابعة للقطاع العام سواء بالتصفية أو الخصخصة. وظهر ذلك من خلال عدم الاستثمار فى التحديث وتراكم المديونيات، وتزايد الخسائر، وفى القطاع الخاص، أدى دخول العديد من الدول في هذه الصناعة وإلغاء نظام الحصص إلى انخفاض الفرص المتاحة لهذا القطاع في المنافسة على المستوى العالمى. - أدت الأزمة التى تواجهها هذه الصناعة منذ نحو ثلاثة عقود إلى انخفاض ملحوظ في عمال الغزل والنسيج في قطاع الأعمال العام، وفى المقابل شهد القطاع الخاص صعوداً فى عدد العمالة. - كان من نتائج تلك الأزمة أنه فى الثمانينيات والتسعينيات تراجع دور عمال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة عن الدور القيادى الذى كانوا يلعبونه فى الحركة العمالية المصرية. وفى الأعوام الأخيرة تصاعد دور الحركة العمالية مجدداً واستعاد عمال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، دورهم القيادى، ولعبوا بالفعل دور القاطرة التى جذبت أعداداً واسعة من الطبقات العاملة فى الصناعة والخدمات وحتى الحكومة، ولعبت دوراً ملهماً فى تفجير الاحتجاجات العمالية، فقد رسخ انتصار إضراب عمال المحلة أهمية سلاح الإضراب والاعتصام من أجل تحقيق المطالب، وطرح فكرة المقاومة باعتبارها السبيل الوحيد لحياة أفضل، ولا يفسر ذلك فقط بكثافة العمال فى هذه الصناعة، ولكن أيضاً لأنه فى ظل حالة التصاعد فى الصراع الطبقى التى تجتاح المجتمع منذ سنوات، ظهرت بين عمال هذه الصناعة أجيال جديدة لديها دافع للمقاومة وغير متأثرة بهزائم الفترات السابقة. - ظهر أن حركة عمال الغزل والنسيج والحركة العمالية الأخيرة بشكل عام بعيدة عن السياسة، فقد نشأت الاحتجاجات بشكل عفوي ولتحقيق مطالب نقابية، ولم يظهر لأى من القوى السياسة تأثير يذكر على مجريات الأحداث، ويرجع ذلك إلى ضعف القوى السياسية، وتحديداً اليسار الذي كان فاعلاً فى الحركة العمالية في فترات سابقة.. أما جماعة الإخوان، فتوجهها المحافظ وتركيزها على الطبقات الوسطى والمهنيين، حال دون ارتباطها بالحركة.. وأفرزت الحركة جيلاً جديداً من القيادات لديه الثقة في جدوى المقاومة ولم يعان من الهزائم التى شهدتها الأجيال السابقة. - طرحت الحركة للمرة الأولى منذ عقود مسألة التعددية النقابية، وبالرغم من ذلك، يصعب القول إن المستوى الحالى للحركة يسمح بفرض التعددية النقابية، خاصة فى ظل كون مسألة وحدة التنظيم النقابى، هى مسألة حياة أو موت بالنسبة للدولة باعتبارها أداة أساسية من أدوات السيطرة على حركة الطبقة العاملة، ومن ثم فإن الأمر يحتاج إلى حركة أوسع نطاقاً، حتى يمكنها أن تجبر الدولة على القبول بهذا التحول. - بالرغم من الدور الذى لعبته حركة عمال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، إلا أن هذه الحركة اتسمت بالتفتت والانعزالية، فلم يحدث تنسيق بين الاحتجاجات وبعضها البعض سواء على مستوى عمال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة فى قطاع الأعمال العام، أو في القطاع الخاص، كما لم تتم إقامة روابط لعمال الصناعة يمكن أن تؤدى إلى الدعم وتبادل الخبرات، ومساعدة عمال القطاع الخاص ذوى الخبرة الأقل الذين لا يتوفر لهم تراث نضالي يستندون إليه، وفى ظل ذلك، فمن الطبيعى أن نتصور افتقار التنسيق بين حركة عمال الغزل والنسيج وبين الحركة العمالية الأوسع. - إن نقطة الضعف الأساسية فى الحركة العمالية الأخيرة هى التفتت، خاصة أنه لا يمكن ضمان أن الدولة سوف تستمر فى اتباع أسلوب المهادنة مع الحركة العمالية، ومن ثم تظل مسألة ابتكار أشكال للربط بين الحركات العمالية مسألة حياة أو موت، كى تكون هذه الحركات قادرة على المواجهة. أتوبيسات الموت تهدد عمال مصر حلوان للغزل أكثر من مليون عامل، موزعين على نحو 4000 مصنع للغزل والنسيج بالقطاعين العام والخاص، يعيشون حالة من الضنك ويسألون الله فى حق لبن الأطفال والدروس الخصوصية وإيجار السكن، بعد مرور أسبوعين فقط من استلام الراتب، الذى يذهب معظمه فى الإنفاق على إطعام الأفواه الجائعة والبطون الخاوية. هؤلاء الذين يتحسرون على الأيام الخوالى، ويبكون حزناً وحرقة على أحوالهم المتردية، وانهيار صناعاتهم التى كانت تمثل الدخل الرئيسى لمصر بعد السياحة منذ أيام محمد على حتى تسعينيات القرن الماضى، عندما تركتها الدولة عرضة لتجارب حكومات «الخصخصة» وبيع القطاع العام، وفتح باب الاستيراد على مصراعيه ليضربوا فى مقتل أقدم صناعة عرفها المصرى منذ فجر التاريخ، ومع أن الدولة استفاقت مؤخراً وأمر الرئيس بسرعة حل مشاكل المصانع المتعثرة والمتوقفة، ومن بينها مصانع الغزل والنسيج الغارقة فى الديون، إلا أن تعليمات الرئيس تصطدم بالواقع الصعب والحالة المستعصية التى يعيشها عمال هذه المصانع، والعقلية الإدارية العقيمة لرؤساء مجالس الإدارة ومن لديهم قناعة غريبة بأنه ليس فى الإمكان أفضل مما كان، فيفضلون إبقاء الوضع كما هو عليه من الخسائر والانهيار وعدم التطور حتى يسلموها «خرابة» لمن يأتى بعدهم وهكذا تمضى الأيام والسنوات، ويدفع العمال الثمن، من أجور متدنية للغاية ومعيشة اجتماعية وصحية صعبة لا تليق بمن بنوا اقتصاد هذا البلد بسواعدهم الفتية فى خمسينيات وستينيات القرن المنقضى. الغريب أن المسئولين عن الشركة القابضة للغزل والنسيج، مازالوا يعيشون فى أحلام بعيدة كل البعد عن واقع الشركات التابعة، ومع أنهم يعقدون مئات الاجتماعات والمؤتمرات، ويشكلون عشرات اللجان التنسيقية ويعلنون فى أكثر من مناسبة، أنهم سيواجهون كافة التحديات ويعيدون شركات الغزل الي سابق عهدها، إلا أن كل ذلك وكما يؤكد العمال يبقى حبراً على ورق وتصريحات للاستهلاك العالمى، ومنها على سبيل المثال ما أعلنه أشرف الشرقاوى وزير قطاع الأعمال مؤخرا عما أسماه إجراءات جديدة لإنقاذ 32 شركة نسيج وتطوير العشرات من شركات الغزل وإزالة معوقات الإنتاج ومراعاة أحوال العمال. كما أعلن الوزير عن بدء سلسلة من الجولات على الشركات، لمعرفة الأسباب الحقيقية للانهيار والاستماع إلى مقترحات العمال، ولكن للأسف لم يقم الوزير حتى الآن بأى جولة حتى فى عيد العمال. وكما زارت «الوفد» قلاع هذه الصناعة المنهارة فى المحلة وشبرا الخيمةوكفر الدوار، ووقفت على الأحوال السيئة لعمالها، تستمع اليوم إلى مشاكل العمال فى قلعة صناعية أخرى وهى «شركة مصر حلوان». ومع أن الحالة العامة للمصنع وعماله لا تختلف كثيراً عما لمسناه فى المصانع الأخرى من نتائج الانهيار الناجم عن الكساد والركود، إلا أننا سعدنا كثيراً بهذه الرغبة الجامحة لدى عمال هذا المصنع لتطويره وإعادة تأهيله، وتحويل الخسائر إلى أرباح. فى هذا المصنع 2940 عاملاً وعاملة، كل أملهم يتركز فى قانون عمل يحمى حقوقهم، ويجرم الفصل التعسفى، بدلاً عن القانون الحالى، الذى يستغل ثغراته صاحب العمل، ويجبر العامل على التوقيع على «استمارة 6» ليفترش الرصيف والشارع إذا ما تجرأ واعترض أو لم يستجب إلى المطالب والقرارات غير القانونية. هؤلاء «الغلابة» طالبوا أيضاً بقانون يحمى الحريات النقابية وليس التعددية النقابية فقط، ويمنع تدخل الدولة فى الشأن النقابى، ويترك للعمال حرية تحديد مصائرهم، ومن مطالبهم الصحية والاجتماعية استحداث تأمين صحى يتواكب ومتطلبات الأمراض الجديدة والمستعصية وقانون لحماية العمالة المؤقتة وغير المنتظمة، حتى يتوفر لهذه الفئة معاش يضمن لهم العيش بكرامة وإنسانية. وصرخ العمال ل «الوفد»: قولوا للحكومة البطالة بتفترس أبناءنا، أوجدوا لهم مصانع صغيرة، اصنعوا منهم حرفيين ومهنيين، ينتجون للبلد. وأضافوا: نريد حداً أدنى للأجور يراعى ارتفاع الأسعار ويطبق على الجميع.. فليس من المعقول أن تعيش أسرة مهما كان عدد أفرادها بألف جنيه. فى مكتب رئيس شركة مصر حلوان، رأينا فى أعين من التقيناهم خوفا وقلقا ورعشة يد مصحوبة ب «لعثمة» فى الكلام، فالرجل حدد لهم ما يقولون لنا مسبقاً، كعادة كل رؤساء مثل هذه الشركات، الذين لا يسمحون للإعلاميين بلقاء العمال فى مواقعهم، ويختارون عدداً معيناً من الموالين له وتجهيزهم للكلام، بابتسامات زائفة، ولكن كانت ملامح العمال وطريقتهم فى الكلام أبلغ رد عندما سألناهم عن أحوالهم، فأجسادهم ضعيفة وعيونهم زائغة، ووجوههم مهمومة وشاحبة ولسان حالهم جميعاً يقول: «تعبانين قوى والله»، وهو ما أكده لنا أحدهم خارج جدران مكتب الرئيس، هامساً بصوت مخنوق ومرعوب: «عايزين ربنا يصلح حال البلد.. عايزين الشركة تشتغل زى زمان». وبينما كنا فى الطريق، دقت الساعة الثالثة، موعد خروج «وردية العمال» فاتجهنا إليهم لعل وعسى يتحدث أي منهم بجرأة ودون خوف. التقينا بعض عمال «الحركة» السائقين لأتوبيسات المصنع، ورأينا بأعيننا حال تلك الأتوبيسات المهلهلة المتهالكة التى لا تصلح لنقل «الحيوانات» ولا لأى استخدام آدمى.. اقتربنا منهم أكثر لنتعرف على شكواهم ومطالبهم فى عيدهم «عيد العمال». قال نبيل محمد عبدالعظيم المصرى الأصيل رغم متاعب الحياة وقسوة الزمن: ناقصنا حاجة واحدة، إن البلد ينصلح حالها والناس تحب بعض ويخافوا على بعض زى زمان وإن شاء الله ربنا يوفق الرئيس السيسى، ويقدره على هم البلد وحل مشاكل الناس الغلابة. ويلتقط الحاج أحمد محمود رضا، طرف الحديث: «الأتوبيسات تعبانة وخربانة محتاجة تتغير، وحتى الصيانة مش نافعة معاها، وكمان من غير رخص، محتاجين أتوبيسات جديدة». وقاطعه أحد السائقين، وعدد من عمال الميكانيكا فى المصنع، وهم يصرخون فى وجهى: «أتوبيسات الشركة ملهاش رخص بقالها 40 سنة من غير رخصة، ومفيهاش فرامل ولا دريكسيونات، والسائقين ماشيين كده ببركة الله». وعاود الحاج أحمد الكلام قائلاً: «والله العظيم العربيات اللى بيركب فيها عمال المصنع مفيهاش فرامل، ومن غير رخص وده أكبر خطر موجود على حياة العمال، وكلمنا إدارة الشركة كتير، ورئيس الشركة قال مفيش إمكانيات، الشركة تجيب لكم منين». وعندما سألنا عن السبب قالوا: «التأمينات بترفض لأن الشركة عليها مديونية». وطالب رمضان عزوز، بصوت منخفض جداً تحسباً وتخوفاً من أن يسمعه أحد، وبلهجة بسيطة وعفوية قال: «العربيات عمرها الافتراضى انتهى إحنا عايزين أتوبيسات جديدة وحال الشركة واقف عايزينه يشتغل والنبى تانى علشان مصر حالتها تبقى حلوة كده، وكمان الأمن يكون مستتب، وطالما مصر كويسة ، الدنيا كلها هتبقى كويسة». وباختصار شديد أكد الحاج سيد عبدالرحمن ويحيى وعزام رمضان، أن حال كل العمال هنا تعبان جداً، مكتفين بهذه العبارة فقط، خوفاً من عقاب المسئولين بالشركة. فى تلك اللحظة اقترب منا أحد أفراد الأمن، وزميل له بالإدارة، وصاح: «خلاص يا أستاذة»، قلت لهم نعم خلاص لكن أثناء السير شاهدت عينين مثل قطعة الجمر تبكيان، وبطرف الجلباب يمسح دموع الحسرة، وهم السنين، سألته: ما اسمك؟.. فقال بانكسار: عبدالجواد أحمد أصبت أثناء العمل بعد أن داس على رجلى أتوبيس الشركة وأصبحت معاقاً أسير على «عكاز» والمفروض أنى أخرج من العمل «إعاقة» لأن الإصابة مضى عليها عامان، وبنسبة 30٪، لكن إدارة الشركة قالت إني لازم أحضر حتى لو بقيت جالساً مكانى دون عمل لغاية آخر يوم. وبحرقة المظلوم يقول عبدالجواد: يرضى مين ده بس يا ناس؟ يبكى بكاء شديدا وبصوت مخنوق يردد: «يرضى مين بس يا رب؟.. ملناش غيرك يا كريم يا حنان يا رحيم بعبادك يا رب». ورغم كل معاناة هؤلاء الغلابة المغلوبين على أمرهم، يبتسم جمال محمد رضوان، رئيس مجلس إدارة شركة مصر حلوان للغزل والنسيج، وهو يحاول إيهامنا بأن معنويات العمال مرتفعة، أو كما قال نسعى إلى إرضائهم، وبنراضيهم وبنوفر لهم العلاج والمصايف، والغريب أنه ظل يردد على مسامعنا: «العمال عندنا مبسوطين ومرفهين». ويضيف: «لدينا نادى الشركة وأكثر من دار مناسبات وبتخفيض 50٪ وعشش برأس البر للمصايف ونوفر لهم أحسن أتوبيسات سياحية لنقلهم إلى رأس البر». ويتابع قائلاً: «كما توفر الشركة للعمال العلاج والعمليات الجراحية على أعلى مستوى طبى فى أكبر المستشفيات فى مصر، ولا يوجد عامل لديه مطالب، فشعارنا - على حد تعبيره - تحقيق كل مطالب العمال، وعلاقتى بالعمال جيدة جداً وإذا تعرضوا لأى مشاكل أقوم بحلها فوراً بعد أن يتم عرضها من قبل اللجنة النقابية». وأشار جمال رضوان، إلى أن العمال متفهمون لوضع البلد ويعملون جاهدين من أجل الوقوف مع الدولة، من أجل الاستمرار فى دوران عجلة الإنتاج.. وعن قلة الخامات التى يشكون منها قال رئيس الشركة: «اشترينا خامات وقطن وبوليستر، ونتائج ثلاثة شهور مضت أفضل بكثير من الفترة السابقة، لكن نريد حماية للمنتج المحلى من الاستيراد العشوائى»، لافتاً إلى أن الشركة القابضة طالبت بذلك، وتم فرض رسوم على الاستيراد العشوائى، ولذلك أصبحنا نحن المنافسين الآن، مع أن ارتفاع سعر الدولار كان له تأثير كبير على الخامات، ولكن هناك تفهماً لهذه الزيادة من قبل العملاء. رئيس نقابة الغزل والنسيج يحذر من الأجندات الخاصة والأيادى خارجية واراء تدهور الاقتصاد: كتب: عاطف دعبس أكد عبدالفتاح إبراهيم، رئيس النقابة العامة للغزل والنسيج، أن هناك العديد من شركات القابضة للغزل والنسيج، وعلى رأسها شركة غزل المحلة ووبريات سمنود وحلوان وكفر الدوار وغيرها يعانى من مخاطر ضياع صناعة الغزل والنسيج وتدهورها بسبب أصحاب الأجندات الخاصة ووجود أيادٍ خارجية تلعب بالاقتصاد المصرى، وتريد تعميق مفهوم «جُمع فى مصر» بدلاً عن «صنع فى مصر»، وفى عيد العمال يجب بحث هذه القضايا حتى يشعر العمال بقيمتهم وتقدير الوطن لهم. وأضاف «إبراهيم»: إن مصر تحتاج لجهد وعرق جميع عمال مصر للعمل، مشيرًا إلى 4 محاور رئيسية لعبت دوراً فى خراب صناعة اقتصاد الغزل والنسيج، منها عدم توافر المواد الخام من القطن والغزول، وغيرها فى ظل غياب رقابة الدولة على تطوير البنية التحتية لعدد من المصانع الوطنية التى تعانى طوال أكثر من 15 سنة من تهالك الماكينات، وعدم توافر قطع غيار لها. وأشار رئيس النقابة العامة للغزل والنسيج إلى أن المرحلة الراهنة تتطلب تضافر كافة جهود أبناء الوطن للتكاتف فى السعى فى بناء مصر المستقبل بسواعد أبنائها من العمل الشرفاء، مستشهدًا بجهود ورغبة العمال فى لعب دور رئيسى فى رفع كفاءة الإنتاج وإدارة ماكيناتهم بهدف الحفاظ على قوتهم وزيادة اقتصادياتهم. وتابع «إبراهيم»: نريد أن نبنى مصر التى عانت من الإرهاب خارجياً وداخلياً ويجب أن نقف وراء رجال الجيش والشرطة الذين ضحوا ويضحون كل يوم بدمائهم فى سبيل حفظ أمن وأمان الوطن.. مشيرًا إلى أن هناك خطوات عاجلة تابعها المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء السابق، مساعد رئيس الجمهورية، وتم عقد مؤتمر حذر فيه الخبراء من المخاطر الأمنية جراء استمرار تدهور صناعة الغزل والنسيج الوطنية. وأضاف: يجب على حكومة المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء الحالى استكمال مسيرة توفير الاستثمارات وتشجيع العمال على الإنتاج واتخاذ خطوات حقيقية لتطوير الإنتاج وخلق مناخ تنافسى لصالح الإنتاج المصرى.