لن يكون قفزًا فوق الزمان، لو تعاملنا مع «هيلارى كلينتون» باعتبارها الرئيس الأمريكى، فحظوظ المرشح الجمهورى «دونالد ترامب» تلاشت كليًا، ولعله سيمنى بخسارة فادحة أو بالأحرى «مخزية» جراء إدارته الحمقاء لحملته، وتصريحاته الطائفية الفظة. وليس خافيًا أن المرشحة الديمقراطية ترتبط بعلاقات قوية بجماعة الإخوان، وقد كان لها دور كبير فى «التمكين» بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير هذا بالإضافة إلى أنها تشعر بالمرارة وربما «الرغبة فى الثأر» من النظام المصرى الحالى، الذى أحرق جميع أوراقها، يوم كانت وزيرة للخارجية. وإذا كان ثابتًا أن السياسة الأمريكية هى عمل مؤسسى لا يتغير بتغير الأشخاص، وهناك مصالح أمريكية لا يمكن لواشنطن أن تتخلى عنها فى مصر، والترابط بين البلدين يتأتى دائمًا تحت لافتة «المصالح الاستراتيجية» إلا أن شخص الرئيس ليس مستبعدًا بشكل كلى من السياسة، ولعل التفاوت بين أداء «لا سياسات»، بوش الابن وكلينتون وكارتر وريجان ونيكسون وكيندى، يشرح إلى أى حد يمكن أن يضفى الرئيس على السياسة الخارجية من طبائعه مذاقها إما الحارق أو البارد. وبالنظر إلى أن «هيلارى» أنثى، ومن المعروف أن بنات حواء قلما يغفرن، فإن المتوقع أن تشهد العلاقة مع القاهرة شدًا وجذبًا، هذا مع ملاحظة أيضًا أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يميل إلى سياسة فاترة إزاء واشنطن. وحسب البروفيسور ألكسندر مورينسون أستاذ السياسة والمحلل الألمانى فإن هيلارى لن تسعى لتغيير الوضع القائم فى مصر، نظرًا لأنها تدرك استحالة ذلك.. وبما أنها «برجماتية» فستعمل على إبرام المصالحة بين النظام والإخوان. ولا يغفل أستاذ السياسة العنصر الشخصى فى المشهد، فالرئيس هيلارى كلينتون، ونظرًا لكونها أنثى تضمر الضغينة ولا تترك ثأرها، وهذا ما يتأكد بلقائها مؤخرًا مع وفد من التنظيم الدولى لجماعة الإخوان رغم جدولها المزدحم. ووفقًا لمجلة «نيو إنجليش ريفيو» الأمريكية فإن اللقاء بحث عودة الإخوان إلى المشهد السياسى المصرى باعتبارهم «فصيلاً سياسيًا إسلاميًا معتدلاً» وهو الأمر الذى لم يرفضه الإخوان باعتبارهم «ليسوا أقل برجماتية» من هيلاري. ووفقًا للتقرير فإنه فى بيئة دائمة التغير، خاصة فى العالم العربى خلال السنوات الخمس الماضية، فإنه من الصعب التنبؤ بما ستكون عليه التطورات السياسية فى المستقبل القريب، وتحديدًا بعد فوز هيلارى بالانتخابات الرئاسية الأمريكية الأسبوع المقبل، ويطرح التقرير التساؤل عن ماهية الدور الذى يلعبه الإخوان والقوى الإسلامية الأخرى جنبًا إلى جنب فى المشهد السياسى المستقبلى، إلا أن مورينسون يؤكد أن الجماعة وفروعها تعمل فى نهج تدريجى وعملى فى جميع أنحاء العالم، بينما الولاياتالمتحدة على اختلاف إداراتها ترى فى الإخوان فصيلاً من الجماعات الإسلامية المعتدلة وتسعى دومًا ومنذ عقود لتصعيدها فى المشهد السياسى وتمويلها بطرق مختلفة، رغم أن لديهم مخاوف حول صدق الأحزاب الإسلامية وإيمانها بالديمقراطية ووجهات نظرهم بشأن الحرية الدينية وحقوق المرأة وحرية التعبير. ويرى مورينسون فى تقريره، أنه سيعد من الأخطاء العديدة لهيلارى لو سمحت من جديد بدعم الجماعة وعلى الرغم من تصريحات كلينتون، أنها لم تجر اتصالات على مستوى عال مع جماعة الإخوان وعدد من كبار المسئولين الأمريكيين، فإن تصريحاتها غير صادقة، مؤكدًا أن نائب الرئيس الديمقراطى الحالى تيم كاين الذى اختارته هيلارى ليكون نائبًا لها، كان على علاقة وثيقة مع جماعة الإخوان وأذرعها فى الولاياتالمتحدة وتحديدًا منظمة «ماس» الأقرب للجماعة فى مصر التى وضعتها الإمارات على رأس لائحتها للمنظمات. وأشار مورينسون إلى أن الجماعة تقوم من جديد على اعتمادها على إقامة علاقات قوية مع الغرب خاصة هيلارى، وذلك لقربها منهم وأن وصولها للبيت الأبيض سوف يكون فرصة ذهبية، وكأن القدر يمنحهم من جديد الحياة، وتلك الصلات تستخدمها الجماعة للضغط بعلاقتهم الغربيةالأمريكية على الحكومة المصرية والسيسى حاليًا. أيضًا الجماعة تلمح إلى استعدادها لتغيير سياساتها خلال الفترة السابقة بحيث تتماشى مع الأوضاع الحالية وعناصرها يكتسبون من جديد قاعدة شعبية بعد خسارتها فى فترة العام الذى حكمت الجماعة مصر عن طريق الرئيس المعزول محمد مرسى، وأثناء اللقاءات الأخيرة مع هيلارى تم إعطاء وعد بأن يكونوا أكثر اعتدالاً فى مقابل رجوعهم للمشهد السياسى من جديد. وأوضح مورينسون أن الدعم الأمريكى للجماعة سيتم بشكل أكبر وعلنى فى الفترة المقبلة بتوجيهات من هيلارى، وفى إطار سيناريو الفرصة الأخيرة، مضيفًا أن هناك تسريبات حديثة تثبت دفع واشنطن لعودة الإخوان لسدة الحكم فى مصر، فى المستقبل البعيد نسبيًا. وأضاف: «كانت هناك خطابات على شكل تحريضات علنية من أعضاء من الجماعة الهاربين خارج مصر موجهة لهيلارى كلينتون ضد السيسى بأكثر من لغة، حيث ترى هيلارى أن القضاء على الإسلام المتشدد «داعش» هو تمكين الإخوان، وجهة النظر تلك هى محور القلق والخوف من عهد كلينتون، الذى سيكون فيه الشرق الأوسط أكثر فوضى من عهد أوباما التى شهدت فترتا ولايته منذ 2008 وحتى العام الجارى أن أصبحت المنطقة مصدرًا رئيسيًا لتصدير الإرهاب للعالم». ووفقًا للتقرير فإنه لا يوجد إسلام سياسى معتدل، فدخول الدين فى السياسة يفقده اعتداله، ففكرة أوباما وهيلارى عن الإخوان خاطئة وربما تكون خطأ مقصودًا لإغراق المنطقة، وها هى كلينتون تستعيد محاولات تمكين جماعة الإخوان مرة أخرى، وقال إن كل الجماعات الإرهابية فى العالم منبثقة من الأصل من الإخوان التى تدعى الاعتدال ضمن تكتيكات مرحلية فقط.