إذا دخلت المقر الباباوي، ستجد على الجدار، لوحة بحجم كبير، تسمى «الراعى الصالح» وهى اللوحة التى استقرت فى الوجدان القبطي، ويفترض أن تصور السيد المسيح يرعى خرافا، ودلالاتها الرمزية أن السيد المسيح هو راعى رعاة الكنيسة وراهبها الأعظم، لكن اللوحة استبدلت بالبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية، السيد المسيح، فى مشهد يعبر عن دوائر النفاق التى تحاصر البابا. وتتمثل دوائر نفاق أو حصار البابا، فى أن ثلاثيا يتشكل من القمص سرجيوس سرجيوس وكيل البطريركية، والقمص أنجيلوس إسحق سكرتير البابا الخاص، والقس بولس حليم المتحدث الرسمى للكنيسة. الثلاثى يتحكم فيما يصل إلى البابا ومالايصل، فما من شاردة أو واردة تصل إليه إلا بمعرفتهم، وهم يستغلون أن الجماعات المتطرفة تناصب البابا العداء، وتضمر له الكراهية، فيزعمون أنهم يخشون على حياته، وبمقتضى «الاعتبارات الأمنية» ينعزل قداسته عن الأقباط ويقبع فى برج عاجى. ويعتبر القمص سرجيوس المقرب من البابا و«صندوقه الأسود» من كبار اللاعبين على الساحة القبطية، فالرجل يقيم سدودا تمنع تدفق الأخبار إلى البابا إلى حد أنه ينظم سفرياته ويحدد جداول أعماله فى الخارج والداخل، الأمر الذى يعزله عن «الفقراء والمساكين» ويجعله منصرفا إلى حضور صلوات الإكليل ومعمودية الأطفال من أبناء الطبقات المخملية فى الداخل والخارج، الأمر الذى يغضب الأقباط، ويجعل قطاعا كبيرا منهم يتساءلون عما إذا كان قداسته يعتبرهم جميعا «رعايا الكنيسة». سليط اللسان ويتسم القمص سرجيوس بأنه حاد العبارات وحديثه ينفر ولايقرب، وقد خرج مؤخرا ليبرر سبب زيارة البابا الأخيرة للقدس، وبدلا من أن يفعل هذا هاجم الإعلام الذى انتقد الزيارة وخون الصحافة والصحفيين. والقمص سرجيوس هو المسئول عن بروتوكولات مقابلات البابا فى المناسبات المختلفة ويحرص على استبعاد أى شخصيات منتقدة لسياسات الكنيسة، ويتجلى هذا فى الدعوات التى يرسلها لحضور قداسات الأعياد فى الكاتدرائية فتلك الدعوات لا توجه إلى منتقدى الكنيسة أياً كانت مكانتهم وثالث أضلاع المثلث فى الكاتدرائية هو القمص أنجيلوس إسحق وهو الشخص الأقرب إلى البابا ويستطيع أن يحصل على موافقة البابا على أى طلب له، وهو من يروج داخل الكاتدرائية إلى أنه عندما يريد من البابا أمرا ما لايطلبه منه ولكنه يحاصر البابا ببعض المشكلات المفتعلة والخاصة بهذا الأمر حتى يصدر البابا القرار المطلوب، ومن أقواله المأثورة داخل الكاتدرائية عندما تملقه البعض بالقول «قدسك قاعد على حجر البابا» أنه قال: «البابا هو اللى قاعد على حجري» ويظهر جليا الدور الذى يلعبه المثلث حول البابا فى أنه دائما ما يستغرب البابا قول منتقديه بأن أبوابه مغلقة ولا أحد يستطيع الوصول إليه ويؤكد أن بابه مفتوح للجميع، لكن قداسته لاينتبه إلى أن هناك حصارا مضروبا حول هذا الباب المفتوح ولايدخل إليه إلا من استطاع اختراق المثلث أو سمح له بالمرور عبر الباب المفتوح. أما المتحدث الإعلامى القس بولس حليم، فيخادع البابا دائما بأن ما يثار حوله من انتقادات هى مؤامرات للنيل من قداسته ويجب التصدى لها. ويفتعل حروبا إعلامية وهمية من حول البابا يطلق فيها بياناته وتصريحاته العنترية المتناقصة والمتضاربة مستغلا فى ذلك فريقا من الإعلاميين ممن يعملون لحسابه، يهدف إلهاء البابا واستنزاف طاقته بعيدا عن مشكلات الكنيسة الحقيقية، حتى وصل الأمر به إلى خلق انسداد بين البابا، وكل منتقديه، وانعدم الحوار بين الطرفين فى ظل تراشق إعلامى بين الكنيسة ومنتقدى سياساتها. وبعد هذا الثالوث يأتى الأنبا رفائيل سكرتير المجمع المقدس، فالمعروف عن الرجل أنه من أشد المدافعين عن العقيدة الأرثوذكسية وفارس فى محراب التقليد الكنسى وهو دائم الصدام بكل البدع والانحرافات التى تحاول اختراق الكنيسة جملة وتفصيلا، فهو رائد الأصولية المسيحية الإيمانية كما تسلمتها الكنيسة من آبائها الأولين وهذا ما جعله يواجه حربا خفية ضد بعض ممارسات البابا الخاصة بالوحدة مع الكنائس الأخري، حيث يرى أن ذلك يهدم العقيدة الأرثوذكسية ويفرغها من محتواها ويقزمها، ويحول الكنيسة القبطية صاحبة المقام الرفيع بين كنائس العالم إلى كنيسة تابعة، إلا أنه وقع فى مأزق لايحسد عليه فطبيعة عمله كسكرتير للمجمع المقدس تمنعه من الصدام مع البابا كما أنه محل لثقة البابا الذى يفوضه فى الكثير من المناسبات، ولذلك قرر الأنبا رفائيل توجيه انتقاداته للبابا عن طريق الإسقاط غير المباشر فى كثير من عظاته، إلا أن الأمر كان مكشوفا فى آخر عظة لنيافته ووجه رسالة ضمنية للبابا ينتقد فيها سياساته الكنسية، حيث حرض فيها الأنبا رفائيل الشعب القبطى على الثورة ضد البابا فى مقطع فيديو مسرب له على مواقع التواصل الاجتماعى وقال منتقدا السياسات العقائدية لقداسة البابا بدعوى التجديد والتحديث فى الكنيسة أقر نحن لا نرفض المعاصرة، المعاصرة هى أننا نستخدم أجهزة توصل كلام الله لكل العالم، نستخدم البرامج الحديثة إللى عاملها العلم، نستخدم النظريات الحديثة فى إثبات صحة الكتاب المقدس، طريقة الشرح تتطور، لكن المفاهيم الأصيلة ما تتغيرش، وأردف محرضا على الثورة على تغيير المفاهيم قائلا: لو «لقتونا بنغير «هيجوا» فينا وقولوا ماتغيروش، ولو شوفتونا إحنا بنضعف وبنغير اعملوا «ثورة» وقولوا لأ ماحدش يغير لأن دى الأصالة بتاعت الكنيسة، أصالة الإيمان»، وقال متهما البابا بالهرطقة: «هو إحنا بنخترع دين جديد؟ هو إحنا بنخترع مسيحية جديدة؟ احنا استلمنا إيمان عميق أصيل، وهمنا نحافظ عليه ونبنى عليه» فالأنبا رفائيل يعرج بين النقيضين فتارة هو رجل البابا ينفذ كل تعليماته وأوامره وتارة أخرى ينتقده ويدعو للثورة عليه.