الإسكندرية.. عروس البحر الأبيض المتوسط.. هكذا كنا نعرفها فى كتب الجغرافيا وفى الواقع.. وهكذا عشت فيها طفولتى المبكرة.. مدينة جميلة نظيفة تهطل عليها الأمطار فى الشتاء فتزيدها جمالا وتألقاً.. لذلك كان أهل الإسكندرية يحبون السير تحت المطر ويستمتعون به.. وأذكر عندما كنا أطفالا صغاراً كنا نسير تحت المطر فى طريقنا إلى المدرسة ولم يكن يصيبنا إلا البلل الذى يدفع مدرسة الفصل إلى المسارعة بنزع ملابس المدرسة عن التلاميذ الصغار وتعليقها على النوافذ لتجف حتى يحين موعد الانصراف.. وفى رحلة العودة إلى المنزل كنا نسير مرة أخرى تحت المطر.. أقول هذا لأدلل إننا لم نكن نغرق فى مياه الأمطار وكانت المدينة الجميلة الهادئة سرعان ما تعود إلى طبيعتها بمجرد توقف الأمطار لأن الإسكندرية كانت تتمتع بشبكة جيدة لصرف مياه الأمطار وكان سكانها ينظرون إلى الأمطار على أنها هدية من السماء تغسل وجه المدينة الساحلية الجميلة.. هذا عرفت الإسكندرية وهى عروس البحر الأبيض المتوسط .. أما الآن فاللأسف الشديد تحولت الإسكندرية إلى عجوز البحر الأبيض المتوسط.. فبمجرد سقوط الأمطار عليها تحدث الكوارث والشلل التام للمدينة وأصبح أهلها يرفعون أكف الضراعة إلى الله سائلينه اللطف بهم عند هطول الأمطار.. ويسارعون بالجلوس فى منازلهم حتى تمر الأزمة.. فما أبعد المسافة بين الأمس واليوم! وما حدث فى الإسكندرية من غرق المدينة بالكامل جراء سقوط الأمطار وغلق الطرق الرئيسية والكورنيش لم يكن مفاجأة.. فكلنا نتذكر أن الشتاء الماضى قد شهد مثل هذه الأحداث لكن قد تكون الأمطار والسيول أكثر شدة هذا العام وهذا أيضاً ليس بجديد فقد حذر خبراء المناخ بأن شتاء عام 2015 سيكون شديد البرودة قاسياً لم نشهد له مثيلا من قبل كما كان صيف 2015 الذى لم نشهد له مثيلا من قبل.. إلا أن ماحدث منذ أيام يؤكد أن الأحوال تسير من سيئ إلى الأسوأ.. فأهل الأسكندرية يؤكدون أنهم يعانون منذ سنوات من أن هطول الأمطار لمدة ساعتين فقط يؤدى إلى الشلل التام بالمدينة حتى تجف المياة. فالحقيقة أننا لسنا فى حاجة إلى كبش فداء لتبرير الكارثة التى حدثت فى الإسكندرية ولكننا فى حاجة إلى تغيير عقيدتنا فى اختيار المسئولين والبعد كل البعد عن الباحثين عن السلطة أو المال، فنحن فى حاجة إلى مسئولين جادين يتمتعون برؤية واضحة لتغيير الأمر الواقع ولديهم العزيمة على الفعل بالرغم من الإمكانيات الضعيفة ولديهم الحسم لمجازاة المقصر وإثابة المجتهد والاستعداد لمواجهة ما تأتى به الأيام واتخاذ الإجراءات اللازمة قبل وقوعة.. هنا سيتغير وجه الحياة فى مصر وتعود إليها بتسامتها.