فعلتها «الملعونة» حاصدة الجوائز ميريل ستريب (66عاما)، وقدمت لنا دوراً جديداً يضاف إلى سلسلة إبداعاتها المبهرة فى السينما، فى دور المغنية المتشردة، المتمردة، المفلسة «ريكى» فى فيلم «ريكى آند ذا فلاش» للمخرج جوناثان دَمى. ميريل تغنى وتعزف على الجيتار فى أحد بارات ضاحية تارزانا بمقاطعة لوس أنجلوس. مع فرقة موسيقية مغمورة تدعى ذا فلاش، من بينهم عازفون حقيقيون وهم ريك سبرينجفيلد، وريك روساس وجو فيتال يؤدون أغانى «الكانترى» و«الروك أند رول» لجمهور من كبار السن السكارى، ومعهم عدد قليل من الشباب يتجاوب ويتعاطف معهم بشدة. «ميريل ستريب» تغنى بصوتها فى فيلم «ريكى آند ذا فلاش»، بينما معظم اللقطات التى تظهرها وهى تعزف الجيتار على المنصّة ملتقطة على نحو يغطى تحريك الأصابع فوق الأوتار، حتى لا يكتشف أحد عدم قدرتها، وضعف تمكنها من العزف على الجيتار. لكن كان أداء «ميريل» فى «ريكى آند ذا فلاش»، مبهراً ومثيراً لامرأة تعرف جيدا كيف تختار أدوارها، وكيف تتحدى قدراتها على التقمص والتجسيد والإضافة والإبداع فى الأداء ليصدقها الجمهور تماما، ويقع فى حب الشخصية التى تقدمها ويتفاعل ويتعاطف معها رغم كل التجاوزات والجنون. فيلم «ريكى آند ذا فلاش» يدور حول تلقى ريكى مكالمة هاتفية من زوجها السابق بيت (كَفن كلاين) يخبرها فيها أن ابنتهما الشابة (مامى جومر وهى ابنة ستريب الفعلية) مصابة بحالة اكتئاب شديدة، ويأس يثير المخاوف حول احتمال إقدامها على الانتحار. وتسافر ريكى من كاليفورنيا إلى «أنديانا» التى عاشت فيها قبل طلاقها من زوجها. بعدها يعرض لنا المخرج عالماً مثيراً مليئاً بالفضائح والسخرية من خلال أسرة ثرية جدا، لا يشغلها سوى البحث عن الحب، والحفاظ على المظاهر الاجتماعية، فالابنة الوحيدة لريكى هجرها زوجها لامرأة أخرى أكثر إثارة وفتنة، والابن الأصغر شاذ جنسيا وهمه الوحيد الالتقاء برفيق العمر، والابن الأكبر (سيباستيان ستانذ جوش) يخجل من تصرفات أمه وملابسها المخزية ومكياجها الرخيص الباهت، وهى تبدو كإحدى الساقطات الرخيصات بالطرق العامة، وزوج ريكى السابق رجل مخبول شديد الثراء متزوج من سيدة سمراء (أودرا ماكدونالد) بعد هروب ريكى منه إلى لوس أنجلوس بحثا عن عالم الشهرة والمجد كمغنية روك آند رول. وتستمر الدراما التى تشكل لب الأحداث حين تواجه ريكى جميع المعضلات الأسرية والعاطفية والنفسية المتعددة، منها الغيرة القاتلة على زوجها السابق من زوجته السمراء، وتوهمها بأنه مازال يحبها، أيضا تصدمها الحالة النفسية الغريبة المزرية لابنتها، ونفور الولدين منها بسبب مظهرها وتصرفاتها الغريبة التى تثير السخرية وتجلب الفضائح فى الوسط الراقى جدا الذى يحيط بالأسرة. «ريكى» المتشردة المفلسة المستهترة المتمردة والثائرة على التقاليد والمظاهر، تنجح فى اختراق عالم أسرتها السابقة فتتقرب من ابنتها وتثنيها عن فكرة الانتحار، وتتقبل وضع ابنها الشاذ الذى يقدم صديقه لها وتتمكن من الوصول إلى قلب ابنها الأكبر وخطيبته، وجموع الحاضرين لليلة زفافه بالغناء مع فرقتها البسيطة اليائسة وبرفقة صديقها المغنى وعازف الجيتار (ريك سبرينجفيلدذ جريج)، بمقدمة بسيطة قائلة: أنا مفلسة، وليس عندى ما أقدمه إلى ابنى وزوجته الجميلة ليلة زفافهما سوى فنى، وتنطلق ريكى فى أداء رائع مع صديقها جريج يذيب جليد الحضور الذين يعرفون قصة هروبها من أسرتها إلى لوس أنجلوس لتصبح مغنية، ويسخرون خلال حفل الزفاف من مظهرها المقزز الرخيص مع صديقها وفرقتها. لينتهى الفيلم والكل فى حالة رضا وانسجام تام مع ريكى وفرقتها بالمشاركة بالغناء والرقص بجنون. تجسيد ميريل ستريب لحياة المغنية الحالمة بالشهرة ريكى ليس بغريب عليها، فهى بعيدا عن عالم الشهرة، والأضواء والسينما، امرأة قوية صاحبة مبادئ تدافع بقوة وصلابة عن حقوق وحرية المرأة، فمؤخرا وقعت مع البريطانيتين كيت وينسلت وإيما تومسون، وهما من الحائزات على جوائز أوسكار، مع عدد كبير من نشطاء وساسة ومشاهير من دول مختلفة ، خطابا احتجاجيا موجها لمنظمة العفو الدولية اعتراضا على تأييدها لعدم تجريم الدعارة. ورفض الموقعون على الخطاب على الإنترنت، والبالغ عددهم حتى الآن أكثر من 3900 شخص، موقف المنظمة تجاه عدم تجريم الدعارة، معتبرين ذلك دعما لاستغلال النساء، بعد أن كشف النقاب مؤخرًا عن مسودة استراتيجية داخلية للمنظمة التى تتخذ من لندن مقرا لها تتضمن الآتي: «منظمة العفو الدولية تعارض تجريم أو فرض عقوبات على النشاطات المتعلقة ببيع أو شراء الجنس بين البالغين بالتراضى». وأعربت ميريل ستريب، وكاتبو الخطاب عن «قلقهم البالغ» من المسودة، التى كان من المقرر مناقشتها خلال اجتماع للمنظمة خلال شهر أغسطس الماضى. وجاء فى الخطاب أن سمعة المنظمة ستلطخ بشكل لا يمكن إصلاحه «إذا تبنت سياسة تنحاز إلى مشترى الجنس والقوادين واستغلاليين آخرين، بدلا من الانحياز إلى المستغلين»، كما أن ميريل ستريب، التى لا تكف عمليا عن إيجاد فرص عمل، لا تفوّت فرصة من دون أن تذكّر أن الممثلات اللواتى تجاوزن الأربعين يمثلن أقل من الرجال الذين تجاوزوا تلك السن. هذا أيضًاَ مخالف للقانون فالتفرقة حسب العمر هى أيضا غير قانونية. وتضيف مؤكدة أن هوليوود تعادى ومتحاملة على المرأة: «فالممثلات والمخرجات النساء لا يعملن بنفس الدرجة ولا يحصلن على فرص عادلة للنجاح». المرأة فى السينما من عمر السينما، ليس كممثلة فقط، بل كمخرجة. أليس «غى» مثلت وأنتجت وأخرجت عشرات الأفلام ما بين شيكاغو ولوس أنجلوس أيام السينما الصامتة. مثيلاتها حول العالم فى تلك الحقبة أولجا بريوباجنسكايا، روث ستونهاوس، إلفيرا نوتارى، دوروثى أزنر، جيرماين دولاك، مارى إبستين وإيدا ماى بارك من بين أخريات. وتقول ميريل ستريب إن هوليوود تريد إنتاج أكبر قدر من الأفلام التى تحقق أكبر قدر من الإيرادات. والواقع أن الرجال أمهر- ربما - فى هذه الوسيلة. لكن الكل يعرف فى هوليوود أن المرأة تفكّر أكثر من الرجل وتفضل النوعية، وحين تتغاضى عنها تصنع نسخا رديئة مما يصنعه الرجال.