الطقس كلمة يونانية (تاكسيس) (taksis) بمعنى نظام وترتيب وفى الاصطلاح الكنسى معناه نظام وترتيب الصلوات العامة والخاصة وترتيب صلوات التبريك والتدشين والتكريس والرسامات والابتهالات وشكل الكنيسة ورتب الكهنوت وملابس الخدام. والطقوس مرجعيتها الكتاب المقدس على الرغم من أن تلك الطقوس لم ترد بشكلها الحالى فى الكتاب ولكنها نتاج فهم آباء الكنيسة على مر العصور لبعض نصوص الكتاب المقدس والتى تسلمها جيلاً بعد جيل لحفظها وممارستها بعد أن وصلت إلى مرحلة الكمال الذى أقرته الكنيسة. فلا يجوز بعد تعديلها أو تحريفها أو الإضافة عليها أو الحذف منها وفى هذا يقول المتنيح القمص متى المسكين علامة الكنيسة المحدث: «إن الطقس هو الشكل والمضمون النهائى لنظام خدمة الصلوات والتسابيح وإقامة القداس وبقية أسرار الكنيسة» ويحذر من ممارسة الطقس بغرض تكميل ما يلزم وما لا يلزم أو التطويل وإضافة صلوات ليست فى موضعها وألحان لا تدخل فى مضمون الخدمة رغبة فى التطويل والتباهى والإعلان الشخصى عن المهارة فى الطقوس لا إعلانا عن روحانيتها وأصالتها وبذلك يفقد الطقس قوته وهدفه الروحى ولكن على ما يبدو فإن قداسة البابا تواضروس لديه رؤية أو منظومة جديدة لممارسة الطقوس داخل الكنيسة خلافاً لما استقرت عليه الكنيسة فى قوانينها وأدبيات آبائها. تلك الرؤية التى تقوم على حرية الكنائس فى ممارسة الطقوس بحسب ما ترى كل كنيسة ويروق لكهنة الكنيسة ولا نعرف بعد الغرض من هذا النهج الذى ينتهجه البابا فهل هذا يأتى على سبيل التحديث فى العقيدة أم التمرد على الطقوس وتحويلها من الجانب الروحى فى الكنيسة إلى الجانب الاحتفالى والكرنفالى؟. الواقع داخل الكنيسة يؤكد كل ما ذهبنا إليه فلقد كان أسبوع الآلام السابق لعيد القيامة الذى حل منذ أيام مرتعاً للكثير من أعاجيب الطقوس التى لم تشهدها الكنيسة من قبل،والاغرب من ذلك أن البابا نفسه قد مارس بعض تلك الأعاجيب وهو ما نرصده فى تقريرنا هذا. ∎ تبديل الطقس بالكرنفال الزمان هنا هو ليلة أحد الشعانين منذ أيام قليلة والمكان هو إحدى كنائس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالإسكندرية فتلك الليلة هى ليلة تذكار دخول السيد المسيح إلى أورشليم على ظهر أتان «جحش» والتى تحتفل الكنيسة فيها بطقوس لا تخرج عن الصلوات والترانيم وتزين الكنيسة بسعف النخيل الذى يرمز إلى السعف الذى استقبل به اليهود المسيح عند دخوله مدينة السلام. ولكن الأمر قد اختلف فى تلك الليلة فى الإسكندرية، فلقد تحولت الكنيسة إلى «لوكيشن» سينمائى بكل ما تحمله الكلمة من معانى فهناك العديد من شباب الكنيسة الذى ارتدى الملابس اليهودية التاريخية وبدأ «الماكيير» برسم ملامح الشباب واستعدت الكاميرات والمصورون وتم إحضار «حمار» خشبى للاستعانة به فى تصوير الحدث وتم إلغاء هيكل الكنيسة ووضع ديكورات تشير إلى بوابة أورشليم وبدأ الاحتفال وظهر أحد شباب الكنيسة مرتدياً الملابس التقليدية للسيد المسيح وامتطى «الحمار» الخشبى والتف حوله الممثلون الذين يشخصون اليهود حاملين السعف فى أيديهم وأخذ الموكب يلف جنبات الكنيسة والمفاجأة هنا ظهور كهنة فى مقدمة الموكب يرتدون ملابس الصلاة المذهبة على صدورهم «صدرة» والتى لا يرتدونها إلا عند إتمام الصلوات أو الطقوس الروحية داخل الكنيسة فقط وهو ما يعنى أن ما يتم هو طقس دينى روحى من طقوس الكنيسة والذى تخلو منه كتب الطقوس والصلوات فى الكنيسة، وهو ما رآه البعض ابتداعاً فى طقوس الكنيسة الروحية بينما رآه البعض الآخر محاولة من الكنيسة لتحديث طقوسها التى تقادمت وعزف الشعب عنها. ويقول أحد شيوخ المطارنة بالمجمع المقدس للكنيسة القبطية فضل عدم ذكر اسمه «ليست هذه هى السابقة الأولى فى عهد البابا تواضروس لتغيير الطقوس فلقد سبق لقداسته أن غير طقس «الميرون» المقدس وعلى الرغم من أن هناك الكثير من آباء المجمع استماتوا للحيلولة دون ذلك إلا أن البابا نفذ ما أراد والكنيسة القبطية لا تعرف الشكل الكرنفالى فى طقوسها الروحية ولكن الكرنفالات الروحية هى من طقوس الكنيسة الكاثوليكية والتى يحاول البابا التقارب منها والاندماج داخلها وهو ما يحارب البابا من أجله كثيرا وكانت آخر تلك المحاولات الحصول على موافقة المجمع المقدس على توحيد موعد أعياد الميلاد والقيامة مع الكنيسة الكاثوليكية كذلك قبول معمودية الكاثوليك وهى المطالب التى رفضها المجمع المقدس بالإجماع». ∎ محاولة للتحديث أما القس رفعت فكرى المتحدث الإعلامى للكنيسة الإنجيلية فقد رأى أن «ما حدث فى الإسكندرية لا يعتبر ظاهرة بعد ولكنه قد يكون محاولة من البعض لانتهاج وسائل جديدة للتعليم داخل الكنيسة وذلك بعمل محاكاة على الطبيعة للأحداث المهمة فى الإنجيل خاصة أن طقوس الكنيسة بشكلها الحالى لا يستوعبها البسطاء خاصة أن معظمها يتم باللغة القبطية وأضاف أن المحاولة موفقة فى كرنفال أحد الشعانين فالسيد المسيح دخل إلى أورشليم بشكل احتفالى وهو ما لم يفعله إلا فى تلك المناسبة وأرى أن الكنيسة القبطية لن تغير من طقوسها ولكنها محاولة للتجديد والتحديث. ∎ الجمعة العظيمة هى تلك الجمعة التى تسبق عيد القيامة مباشرة وفيها تتذكر الكنيسة اليوم الذى صلب فيه المسيح على خشبة الصليب والكنيسة إمعاناً منها فى تكريس أجواء الحزن بما يتناسب مع ذكرى الحدث الجلل فرضت ثوباً من السواد تتشح به الكنيسة فى كل جنباتها ولا يتم تغيير هذا السواد إلا فى عيد القيامة ليتم استبداله باللون الأبيض علامة على فرحة الكنيسة بالعيد ولكن صدمتنا الكنيسة هذا العام بخليط من الأبيض والأسود فى الجمعة العظيمة فبينما اتشحت أعمدة الكاتدرائية بالسواد غلفت الطرقة الرئيسية باللون الأبيض ولا نعرف السر وراء هذا الخليط بين الأبيض والأسود والحزن والفرح. ∎ قنديل ختام الصوم «مسحة المرضى» هو أحد أسرار الكنيسة السبع وتتم ممارسته من خلال طقس يتم فى منزل المريض حيث يقوم الكاهن بجلب وعاء مملوء بزيت الزيتون ويضع فيه 7 فتائل لعمل قنديل وذلك من خلال صلوات يتم بعد كل صلاة إشعال فتيلة تلك الصلوات التى يستمطر فيها الكاهن مراحم الله على المريض ويرمز زيت الزيتون فى نقائه إلى روح الله والسبع قناديل المضاءة بداخله إلى السبع مواهب التى يمنحها الله للمريض للشفاء وهى (الفهم، القوّة، التقوى، مخافة الله، العلّم، المشورة، الحكمة) والتى تحل على الزيت الذى يتم مسح المريض به فالطقس لا يحتوى إلا على وعاء واحد ونفس هذا الطقس تجريه الكنيسة فى آخر جمعة من الصوم الكبير ولكن بشكل جماعى لكل المؤمنين. ∎ انشطار القنديل أما هذا العام فقد فاجأتنا الكنيسة بتغيير الطقس الذى استقر داخل الكنيسة القبطية قرابة الألفى عام، حيث تم انشطار وعاء القنديل إلى سبعة أوعية بداخل كل منها فتيل والأوعية عبارة عن أكواب تم تجميعها داخل فتحات فى صليب خشبى كبير أو تم تجميعها فيما يشبه الشمعدان اليهودى (المينوراه) وانشطار القنديل إلى سبعة قناديل يفرغه من دلالته الطقسية فمواهب روح الله السبع التى تحل فى زيت القنديل لا تنفصل ولا تتجزأ ولا يجوز الرمز لكل منها فى قنديل على حدة، كما أن وجود سبع أوانٍ يوضع فيها الزيت يشير إلى وجود سبعة أرواح لله وهو ضد إيمان الكنيسة الأصيل والذى يقر وحدانية الله. إن طقوس الكنيسة تهدف ضمن ما تهدف إلى التعليم داخل الكنيسة فهل انحدر التعليم داخل الكنيسة حتى نعلم شعبنا أن الله سبعة أرواح لكل روح موهبة منفصلة عن الأخرى؟ والسؤال العقائدى الذى يطرح نفسه هنا إن كان مسح المريض بزيت القنديل يشير إلى حلول مواهب روح الله السبع التى تشفيه من مرضه وها قد أصبح لدينا سبعة قناديل كل منها تحل عليه موهبة من مواهب الشفاء فهل يدهن المريض سبع مرات من كل قنديل مرة؟ وهل نغير اسم السر العظيم ليصبح «سر سبع مسحات المرضى» وإن كانت الأسرار المقدسة قابلة للتقسيم فهل يمكن لنا وبالقياس لما ابتدعته الكنيسة من تقسيم «لسر سبع مسحات المرضى» أن نقسم سر الزيجة المقدس ويصبح سر «الزيجات المقدسة» ونسمح بتعدد الزوجات إلى سبع زوجات استناداً إلى أن هناك سبع أرواح لله وأن «ما جمعه الله لا يفرقه إنسان «فيكون» جمعه كل روح من أرواح الله لا يفرقه إنسان»؟ وعجيب الأمر أن قداسة البابا قد مارس طقس القنديل العام بشكله الجديد دون أن نعرف مبررات هذا الطقس الجديد وعلى الرغم من أن الكنيسة فى كثير من المشكلات التى يطلب فيها رأى الكنيسة فإن الكنيسة تتباطأ وتتحجج بأن الكنيسة القبطية كنيسة مجمعية ويجب عرض تلك المشكلات على المجمع المقدس أما طقوس الكنيسة فإن قداسة البابا يغيرها بالإرادة المنفردة ودون الرجوع إلى المجمع المقدس. ولنا هنا أن نتساءل: هل تجريد راهب أو التصريح لشخص ما بالزواج الثانى هو أمر من الأهمية لكى يعرض على المجمع المقدس ولا يستطيع البابا اتخاذ قرار فيه بينما طقوس الكنيسة المسلمة من الآباء الرسل فإن تغييرها لا يستلزم العرض على المجمع المقدس على الرغم من وجود لجنة مختصة بالطقوس داخل المجمع؟ يجب أن تكون للجنة الطقوس بالمجمع المقدس موقفاً حازماً مما حدث من تحريف وابتداع للطقوس هذا العام.∎