قناة السويس قصة حب مصرية وحلم فرعونى بدأ فى عهد رمسيس الثانى وتحقق على أرض الواقع فى عهد الخديو إسماعيل.. وفى هذا الشهر نحتفل بمرور 145 عاما على إنشائها ويتوازى هذا الاحتفال مع ترقب المصريين افتتاح قناة السويس الجديدة وبأيد مصرية..وفى هذا التوقيت - توقيت افتتاحها - وقع النحات الفرنسى فريديريك أوجست بارتولدى فى الحب مع نزواته الاستشراقية الخاصة عن منطقة الشرق الأوسط بعد رحلة إلى الأقصر فى مصر فى 1855، حيث أصبح متيما بالتماثيل الفرعونية. وعاد بارتولدى إلى مصر فى نوفمبر عام 1869 مع مخططات لتمثال عملاق لامرأة تحمل شعلة وهو التمثال المعروف الآن بتمثال الحرية، وكان يريد وضعه كهدية لمصر عند مدخل قناة السويس، الذى افتتح فى ذلك العام ولكن لم يحدث هذا وأصبحت مدينة نيويورك فى النهاية هى المكان الأبدى لهدية النحات الفرنسى المحب لمصر. وقناة السويس ممر مائى اصطناعى عند مستوى سطح يربط بين البحر المتوسط والبحر الأحمر، افتتح بعد 10 سنوات من الحفر، حيث يسمح للسفن بالإبحار بين أوروبا وشرق آسيا دون أن تبحر حول أفريقيا مما يقلل من مسافة الرحلة البحرية بين أوروبا والهند بنحو 7 آلاف كيلومتر أى حوالى4300 ميل. ملكية القناة وصيانتها تعود إلى هيئة قناة السويس تحت معاهدة دولية، يمكن استخدامها فى وقت الحرب وفى وقت السلم، من قبل كل السفن التجارية أو الحربية، دون تمييز للعلم، وآخر إحصائية لعبور السفن للقناة حوالى 17225 سفينة فى عام .2012 وفى أغسطس عام 2014 أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قرار إطلاق مشروع لبناء قناة السويس الجديدة والتى ستتكلف 8 مليارات و400 مليون دولار، هذا المشروع سيعمل على زيادة قدرة القناة وتم ترتيب التمويل من خلال إصدار شهادات استثمار بفائدة حصرية على الكيانات والأفراد، والمبلغ المستهدف تم جمعه على مدى ستة أيام عمل فقط فى شكل عرس وطنى يؤكد على وطنية وانتماء المصريين لتراب الوطن، ومن المتوقع أن تتضاعف قدرة قناة السويس حتى تصل نسبة المرور من 49 إلى 97 سفينة يوميا ومن المتوقع أن يستغرق بناء المشروع عاما كاملا. ما فعله المصريون والتكاتف من أجل الوصول إلى التكلفة المحددة للقناة الجديدة ربما يذكرنا بتاريخ بناء القناة العظيمة، حيث سميت قناة السويس بقناة الفراعنة، حيث بناها القدماء المصريون لتسهيل السفر من نهر النيل إلى البحر الأحمر وشيدت تحت رعاية رمسيس الثانى وكانت فى البداية على شكل قنوات صغيرة وتم دمج بعض منهم فى عهد نخاو الثانى، وبدأت قناة سيزوستريس الأسطورية فى عهد الفرعون سنوسرت الثالث وأعيد تطويرها على يد الملك سيتى الأول وسميت باسمه فى هذا التوقيت. وعند الاحتلال الفرنسى لمصر قام نابليون بونابرت باكتشاف بقايا ممر مائى قديم وكون كادراً من علماء الآثار ورسامى الخرائط والمهندسين تجوب المنطقة ابتداء من الأشهر الأخيرة من عام 8971، وفكر نابليون فى بناء قناة تربط البحر الأبيض المتوسط والأحمر، ولكن تم التخلى عن ذلك بعد المسح الأولى الذى خلص بشكل خاطئ أن البحر الأحمر كان أعلى من البحر المتوسط ب10 أمتار وكان إهمال إعادة البناء بسبب حسابات غير دقيقة، وعلى الرغم من التقديرات الخاطئة ظلت فكرة إيجاد أقصر طريق إلى الشرق على قيد الحياة وفى عام 1830 قدمت شركة تشيسنى تقريراً للحكومة البريطانية أكدت فيه أنه لا يوجد فرق فى الارتفاع بين البحرين وأن قناة السويس ممكنة. وتم وضع خطط لقناة السويس فى عام 1833 وحاول المهندس بارتيليمى بروسبر انفانتين لفت انتباه محمد على لفكرة القناة لكنه لم يوفق، وفى عام 1846 قامت دراسات عديدة لقناة السويس وجاء عدد من الخبراء، من بينهم روبرت ستيفنسون، وفى الفترة ما بين عامى 1854 و 1856 حصل فرديناند ديليسبس على امتياز من سعيد باشا خديو مصر والسودان لإنشاء شركة لبناء القناة تكون مفتوحة للسفن فى جميع الدول وأخذ حق انتفاع لمدة 99 سنة من افتتاحها، حيث استغل ديليسبس العلاقة الودية التى جمعته مع سعيد باشا. وقدمت اللجنة والتى تألفت من 13 خبيرا من سبع دول تقريرها بالإجماع فى ديسمبر 1856 تتضمن وصفا مفصلا للقناة متكاملة مع الخطط والملامح وجاءت شركة قناة السويس إلى حيز الوجود فى 15 ديسمبر 1858 وبدأ العمل على شاطئ المستقبل فى بورسعيد يوم 25 أبريل 1859 واستغرق الحفر نحو 10 أعوام باستخدام العمالة القسرية (السخرة) من العمال المصريين وتقدر بعض المصادر أن أكثر من 5,1 مليون فرد من دول مختلفة كانوا يعملون، وأن آلافاً من العمال لقوا حتفهم، وقد عارضت الحكومة البريطانية المشروع من البداية حتى اكتماله باعتبارها واحدة من التحركات الدبلوماسية ضد القناة، وكان ديليسبس غاضبا من الانتهازية البريطانية وأرسل رسالة إلى بريطانيا ولكن الرأى العام العالمى شكك فى أن أسهم شركة قناة السويس لن تباع بشكل جيد فى الخارج وأن بريطانيا والولايات المتحدة والنمسا وروسيا لن تشترى عددا كبيرا من أسهم الشركة وقد تم بيع جميع الأسهم الفرنسية بسرعة فى فرنسا. وتم افتتاح القناة فى 17 نوفمبر 1869على الرغم من العديد من المشاكل الفنية والسياسية والمالية لكن تم التغلب عليها، وكانت التكلفة النهائية أكثر من ضعف التقديرات الأصلية، وكان حفل الافتتاح فى عهد الخديو إسماعيل باشا والذى دعا فيه الإمبراطورة أوجينى فى اليخت الإمبراطورى يقودها نابليون كوست، الذى منح وساما عثمانيا رفيع المستوى من قبل الخديو إسماعيل، وكانت القناة لها تأثير فورى وكبير على التجارة العالمية، ولكنها لعبت دورا مهما فى زيادة الاستعمار الأوروبى لإفريقيا حيث لفتت عيون العالم على تلك القارة وكنوزها. وبسبب انفتاح مصر تجاه الاتحاد السوفيتى، انسحبت المملكة المتحدة والولايات المتحدة بتعهدها لدعم بناء سد أسوان، ورد الرئيس المصرى جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس فى عام 1956 وتحويلها لهيئة قناة السويس، حيث اعتزم تمويل مشروع السد باستخدام إيرادات قناة السويس. ومن القصص اللافتة للنظر ففى السنوات الأخيرة جاءت دراسات غريبة تفيد أن ذوبان الجليد فى القطبين الشمالى والجنوبى سوف يقلص من أهمية قناة السويس ولكن كانت تلك الدراسات محض هراء.