منذ اللحظة الأولى اهتم «داعش» بأبواقه الإعلامية فقام بعرض العديد من المطبوعات والفيديوهات لمعاركه وأفكاره الشاذة بكل الوسائل والطرق الممكنة وكان أشهر هذه الوسائل اليوتيوب والفيديوهات الشهيرة لتنفيذ أحكام الإعدام فى بعض رهائنها لبث الرعب فى صفوف الجيوش المحاربة على الجبهة الأخرى، حيث كان واضحاً استخدام اللغة الإنجليزية باللهجة البريطانية المعهودة بدقتها فى عمليات الإعدام لبث الرعب فى قلوب الجنود المحاربين ولجذب انتباه المهووسين الذين لديهم ميول سادية ممن يعيشون فى أوروبا أو أمريكا ليلتحقوا بصفوف داعش لإشباع رغباتهم العدوانية الفجة. نشر «داعش» مطبوعات تنوعت بين كتب فقهية تخدم وترسخ فكره الجهادى وبين كتب عسكرية تدريبية لأعضائه فى بداية تأسيسه وأبرزها كتاب «إدارة التوحش: أخطر مرحلة ستمر بها الأمة» للمؤلف أبوبكر ناجى وهو شخصية وهمية غير معروفة حتى الآن، غير معروف متى أعد كتابه أو نشره لكن أعاد «داعش» طبعه لتدريب أعضائه. وطبع الكتاب فى 112 صفحة وترجمه للإنجليزية الكاتب «وليم مكانتز» من مركز مكافحة الإرهاب. وتزامن صدور الكتاب مع التحولات الاستراتيجية التى شهدتها الحركة السلفية الجهادية، بالتحول من مقاتلة «العدو القريب» المتمثل فى النظم السياسية العربية والإسلامية التى تنعتها «بالمرتدة»، إلى مقاتلة «العدو البعيد» المتمثل بالغرب عموماً والولايات المتحدةالأمريكية «رأس الأفعى» وإسرائيل على وجه الخصوص. وقد منع الكتاب من التداول فى الدول العربية، ثم أصبح متاحاً، لاحقاً، عبر أكثر من 15 ألف رابط فى الشبكة العنكبوتية، وتولت ترجمته وزارة الدفاع الأمريكية للغة الإنجليزية بعد أن عثرت المخابرات الأمريكية على وثائق ورسائل موجهة من وإلى «بن لادن» تشمل فصولاً من هذا الكتاب. «داعش» ومواقع التواصل ويناقش الكتاب كيفية إدارة معركة داخل مدينة والإبقاء على أهلها وتوفير الماء والغذاء لها وتسيير أعمالها وإقامة حكومة بها، لكن «داعش» تطور فى الفترة الأخيرة إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعى كالفيس بوك واليوتيوب ومطبوعات إعلامية باللغة الإنجليزية تحمل فكره المتطرف، تنوعت بين الكتب العسكرية والجهادية، تستند إلى أدلة وحجج واهية، مما يسهم فى زيادة أعداد المنضمين تحت لواء هذا الفكر الإرهابى لتزداد وتيرة العنف وتعم الفوضى ويدفع الآمنون أرواحهم ثمنًا للوقوع فى براثن هذا الفكر التكفيرى. الدكتور إبراهيم نجم - مستشار مفتى الجمهورية - أكد فى تصريح أن مركز الحياة الإعلامى التابع لتنظيم داعش أصدر مجلة إلكترونية ناطقة باسمه تصدر باللغة الإنجليزية، ويتم توزيعها عبر البريد الإلكترونى فى الداخل السورى على المناطق المحررة التى تخضع لسيطرة كتائب من المعارضة المسلحة، ولا تفصح المجلة عن كيفية نشرها أو موقعها الإلكترونى، وتشبه فى تصميمها مجلة «إنسباير» التى أصدرها فرع تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية، وتضمنت تعليمات حول كيفية تصنيع القنابل وتجنيد أشخاص يشنون هجمات بمفردهم، ويتجنب القائمون على المجلة نشر صور الفظائع التى يرتكبها التنظيم ضد المسلمين ومساجدهم وأضرحتهم، والفظاعات التى ارتكبها مسلحو التنظيم ضد المسيحيين وبيوت عبادتهم، سواء فى سوريا أو العراق، ويدعو الأطباء والمهندسين وغيرهم للهجرة إلى أراضى دولة الخلافة. ضمت أعداد المجلة التى أصدرها الدواعش صورًا لحشود تهتف لمسلحى التنظيم وهم ينظمون استعراضات عسكرية فى مدن عراقية وسورية ويرفعون راية التنظيم السوداء، وصورًا لأشخاص قتلوا بحسب المجلة على أيدى الروافض- فى إشارة إلى الشيعة - وصورًا أخرى لجنود عراقيين قالت المجلة إنهم من الشيعة وجرى إعدامهم على أيدى مسلحى التنظيم، ونشرت المجلة فى عددها الأول أيضًا مقالاً مطولاً يستند إلى مقولات فقهية لتبرير إعلان الخلافة، وموقع البغدادى زعيمًا دينيًّا وسياسيًّا للتنظيم. وأوضح مستشار المفتى أن مجلة الدواعش فى إصدارها الأول بدأت بافتتاحية تقول إن أوباما يعد الوريث الأسوأ لجورج بوش الابن؛ لأنه يسير على نفس الخطى التى تقود إلى هدم الإمبراطورية المدنية الأمريكية، وحمّلت المجلة إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما المسئولية كاملة عن إعدام الصحفى الأمريكى «جيمس فولى»، قائلة إن الدولة الإسلامية وجهت رسالة واضحة بأنها ستقوم بإعدامه، إذا ما استمرت الضربات الأمريكية الجوية، وتبدو المجلة جذابةً بصريًّا، ولم يخف الكثيرون ممن حصلوا على نسختها الإلكترونية، ومن رواد مواقع التواصل الاجتماعى وبعض الفنيين فى مجال الإخراج، دهشتهم لقدرة هذا التنظيم - الذى وُصِفَ سابقًا بأنه أبعد ما يكون عن التكنولوجيا - على إخراج وسيلة إعلامية على هذا القدر من الاحترافية ولو على مستوى الإخراج البصرى، فقد صدرت أعداد المجلة بعدد صفحات يضاهى الرقم العالمى بحسب المواصفات العالمية، وتراوح عدد صفحات المجلة بين 42 صفحة و50 صفحة، كما استخدمت النسب العالمية فى حجم القطع المستخدم. وقال نجم: فى الصفحات الداخلية يبدو التركيز على المشهد البصرى أكبر من القسم التحريرى، وتقدر نسبة الصور بثلثى محتويات المجلة، أما القسم التحريرى فيظهر على شكل أعمدة تفصل بينها صور أو قد تكون الصورة هى خلفية للنص، كما لوحظ استخدام صور كبيرة على مساحة صفحتين متصلتين كما فى أساليب الإخراج الحديثة، حيث إن الصورة تتكلم. ويبدو واضحًا أن تنظيم داعش أدرك منذ البداية أهمية امتلاكه لأدوات الإعلام كى يحارب بها، كما يحارب بقواته وعتاده على الأرض، موضحًا قدرة تنظيم داعش على تسخير التكنولوجيا الإعلامية لصالحه، وإيجاد كوادر إعلامية لديها مستوى عالٍ من الحرفية، وما يتطلبه ذلك بدوره من الكثير من الأموال مما يطرح خلفه تساؤلات عديدة عن مصادر تمويله. ودعا مستشار مفتى الجمهورية والمشرف على مرصد الإفتاء لمقاومة الفكر التكفيرى إلى ضرورة أن تتوافر لدى المؤسسات الدينية كوادر متخصصة فى الجانب الإعلامى لمواكبة التطور المذهل والطفرة المعلوماتية الهائلة التى اجتاحت العالم، مثل داعش الذي استغل هذا التطور الهائل وصنع دعاية كاملة منظمة بكل حرفية لتضخيم حجمه القزم. وشدد د.نجم على أن مواجهة الفكر الداعشى الإرهابى وغيره من الأفكار المشابهة فى التطرف والعنف بالرصد والتحليل والمتابعة أصبحت واجبًا شرعيًّا ووطنيًّا، عن طريق فضح استغلالهم الدين، وعبَّر نجم عن استيائه من حالة التضخيم الذى سببته بعض وسائل الإعلام الغربية لهذا التنظيم ليقنع البسطاء فى العالم بأنه يملك كيانًا يقارب حجم الدولة، ويسعى إلى التكوين الإمبراطورى، وتم الترويج لهذا من خلال التقنيات الإعلامية المذهلة فى إصدارات صحفية وإعلامية باللغة الإنجليزية رصدها مرصد دار الإفتاء المصرية. وأكد د.نجم أن الحروب الإعلامية لا يتم الانتصار فيها إلا بحروب إعلامية مضادة وذات كفاءة عالية فى استخدام استراتيجيات إعلامية تفاعلية، منددًا بطرق المواجهة الإعلامية المنتشرة فى الإعلام العالمى فى الفترة الحالية التى تواجه الدواعش بالتركيز على مدى وحشية ممارسات داعش، وكأنهم يحاولون أن يثبتوا للعالم الحر أن هذا التنظيم هو الشر المطلق، إلا أن القائمين على هذه الحملات لم يدركوا أن هذا يصب فى مصلحة داعش الذى نجح فى توجيه وتوظيف وسائله ووسائل الإعلام العالمية فى خدمة أهدافه المتمركزة حول نشر ثقافة الرعب والخوف من كيانهم الناشئ. وقد وظف «داعش» بعد انشقاقه عن تنظيم القاعدة فى الفترة الأخيرة العديد من المدنيين الذين يعملون فى مجال الترجمة والنشر والإخراج الفنى والميديا ليكونوا أسلحته الإعلامية للرد على الغرب وعرض تبريراته الواهنة لجرائمه وبعض هؤلاء المترجمين يعملون بشكل مباشر ولا يتقاضون أجراً من باب الجهاد ويعيشون فى العراق والبعض الآخر يعملون من الخارج بأجور كبيرة من بعض الدول العربية مستغلين فى ذلك ضيق الحاجة فى تلك الدول لترغيب هؤلاء العاملين حيث تتراوح الأجور بين 5 آلاف دولار و10 آلاف دولار، وبذلك تكون لداعش منصات إعلامية غير قابلة للرصد منتشرة بكل العالم فلا تطالها أيدى رجال الأمن لإسكاتها. المثير أن رسامى الكاريكاتير السياسى الأمريكى غالبا ما يصورون المتطرفين الإسلاميين كسكان الكهوف. وهذا لا يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة. واستحدث داعش آلة الدعاية على الإنترنت لتجنيد وبناء العلامة التجارية: «الإرهاب فى جميع أنحاء العراق، والشرق الأوسط، والعالم» لذا أصبح داعش نشطاً على تويتر، الفيسبوك، وعبر منصات وسائل الإعلام الاجتماعية الأخرى. وتبادل أعضاء داعش الصور واللوجوهات ولكن ليس هذا الجزء الغريب فى الأمر. المثير هو سيطرته على وسائل الإعلام الاجتماعية. وقال مراسل الشرق الأوسط لصحيفة الجارديان «مارتن كلوف»: «الخوف من داعش هو اقتحام العاصمة بسبب قوة حملته الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعية، وليس بالأسلحة على أرض الواقع. إنهم لا يملكون القدرة العسكرية على فعل ذلك». وقد وضع داعش تركيزه على الصور الفوتوغرافية المعاد تركيبها، حيث ابتكروا تطبيقا للموبايلات الذكية يسمى «الفجر من الأخبار السارة» التى تسمح لداعش بتوزيع تحديثات جديدة من الأخبار والصور أضيف لها عبارات مثل: «بغداد.. نحن قادمون»، وحتى صناعة الفيلم الروائى اقتحموها فأنتجوا سلسلة بعنوان «صليل الصوارم». ويبقى السؤال: «هل داعش حقا بهذه القوة أم وهم الإعلام»؟∎