الكتابة عن الشقيق عبدالله كمال شاقة للغاية، فقد كان جملة من المواقف لا تستطيع أن تتعامل مع كل موقف منها مجزءا عن بقية المواقف، وعليك أن تعايشه حتى تعلم حقيقة كل موقف وجوهره، وغير ذلك حتما لن تتمكن من معرفة هذا الجانب الإنسانى الرائع بداخله والذى كان يبذل كل جهد لإخفائه حتى لا يتم تفسيره بالضعف. عبدالله كمال كان قويا مع أبنائه فى مدرسة روزاليوسف وهو يؤسس لحلم غاب طويلا بمطبوعة يومية، كان قاسيا لكنه معلم، يشخط وينطر فى الاجتماعات وبعدها كنا نجلس فى مكتبه ويبدأ فورا نقاشا عن كيفية تعويض هؤلاء المجروحين من الاجتماع.
بعد أن أصدر الصحيفة بعدة أشهر سألنى: متى ستنضم لنا؟ كنت سعيدا جدا وأنا أستمع له يقول: «أنت مدير التحرير لا علاقة لك بما أكتبه من آراء، مهمتك أن تقدم المعلومة والخبر والتحقيق وكل الأشكال المهنية فى الصحيفة» وكرر قائلا: «مالكش دعوة برأيى» وكان يغيب أغلب أوقات النهار متجولا فى لقاءات واجتماعات ويعود قبل الطبع بساعة أو أكثر قليلا، «يقلب الجورنال» بسبق صحفى ومعلومات وأخبار جديدة، ويكتب مقالا مطولا محللا لموقف جديد، «نقلب الصفحة الأولى» ويتصبب عرقا وهو مبتسم أن الجريدة ستصدر مختلفة، ويعقد بعدها الاجتماع الدورى مع المحررين ويذهب إلى المقهى لمراجعة بعض بروفات المجلة.. وكنت دائما ما أقول له: «استريح شوية» فيبتسم.
موقفان فى عزائك لن أنساهما ما حييت يا عبد الله.. أولهما ذلك الشاب الثورى الذى استشارنى هل يترك عمله ويتعاقد مع «دوت مصر» وهل سيتوافق معك؟ وفعلها وعمل معك شهرين، فاجأنى الشاب فى عزائك: «كان نفسى أعيش معاه أكتر من كده ... تعلمت فى شهرين ما لم أعلمه طوال خمس سنوات، لن أصدق بعد اليوم ما أسمعه حتى أتحقق منه، ربنا يرحمه كان مختلفا عن اللى بيتقال عليه» هذه شهادة أمام الله يحاسبنى عليها لو زادت أو نقصت كلمة عما سمعته.
الثانى أيضا من عزائك أيضا هذه القاعة الضخمة التى امتلأت خمس مرات متتالية أعمار وأجيال مختلفة ومتنوعة، أبناؤك الذين بذلت الجهد فى تأسيسهم مهنيا فى روزاليوسف أو «دوت مصر»، كانوا فى مقدمة متلقى العزاء يحملون لك فى قلوبهم كل عرفان بالجميل. عبدالله كمال كان وطنيا مخلصا محبا لوطنه، تختلف معه أو تتفق لكنك لا تستطيع أن تطعنه فى وطنيته، وإخلاصه لهذا البلد، اتهموه بمعاداة الإخوان إخلاصا لنظام مبارك، وكان موقفه ضد الإخوان من أجل الوطن، واكتشف معارضوه ذلك حين ذهب مبارك واكتشف الناس من هم الإخوان فكان سبّاقا فى ذلك، ومواقف أخرى عديدة لم يحن الوقت للحديث عنها حتى الآن.
حتى فى وداعك تثير المفاجآت وتقدم الدروس لمن يرغب فيها.. «عبد الله نيوتن كمال» معجبوك الذين أسرتهم بكلماتك وتحليلاتك وأنت نيوتن..... وهم معارضوك بعنف وأنت عبدالله كمال.. ليتهم يتعلمون.