تعيش ليبيا هذه الأيام ظروفاً قاسية، وفراغاً سياسياً غير مسبوق بعد أن فقد المؤتمر الوطنى شرعيته، وفشلت حكومة أحمد معيتيق الانتقالية فى الحصول على التوافق الوطنى المطلوب، ووصل الصراع إلى ذروته بين تيارات عديدة بعضها يسحب البلد النفطى ليصبح قلعة للإرهاب والتطرف، وأخرى تحاول إعادة إنتاج نظام القذافى مرة أخرى.. ما بين التيارين يواجه المواطن الليبى مخاطر يومية، فى ظل تنامى نفوذ الكتائب والجماعات المسلحة بلا ضابط ولا رابط.. هذه الأوضاع أجلت تحقيق حلم الليبيين فى دستور متوازن وانتخاب رئيس يساعدهم فى رحلة بناء دولة جديدة يسودها الأمن ويعمها الاستقرار بعد غياب طويل.
وسط هذه الظروف المعقدة فإن سيناريو اختيار رئيس جديد لليبيا ربما يستغرق وقتاً طويلاً، مع أنهم قطعوا شوطاً كبيراً فى إعادة بناء أسس الدولة، حيث جرت انتخابات بلدية على مستوى المحليات، ويستعدون لإجراء انتخابات تشريعية فى 25 يونيو الجارى، كما تسعى الجمعية التأسيسية لإنجاز الدستور الذى سيحدد ملامح الدولة المرتقبة، ويضع الإطار السياسى الذى يأتى من خلاله رئيس منتخب، خاصة أن هناك تخوفات عديدة من طموح الجنرال المتقاعد خليفة حفتر فى الوصول إلى حكم ليبيا عبر بوابة مواجهة الإرهابيين.
قطاعات عريضة من الشعب الليبى متحمسة لمساندة حفتر، ودعم جيشه الوطنى فى مهمته لتطهير ليبيا من المظاهر المسلحة، لكن بشرط أن يتعهد بعدم الترشح فى الانتخابات المقبلة وأن يتخلى عن طموحاته فى السلطة.
تنامى شوكة المسلحين المتطرفين وتصاعد خطرهم بشكل يومى دفع الكثير من القوى الليبية إلى الالتفاف حول الجنرال خليفة حفتر، وتحمسوا لدعم جهوده فى بناء جيش ليبى وطنى قوى يكون قادرًا على بسط الأمن وجمع السلاح من أيدى الكتائب وملاحقة الجماعات المسلحة التى تدعمها قوى قبلية وتيارات سياسية من بينها جماعة الإخوان المسلمين الليبية.
لم يتوقع المراقبون أن يحظى حفتر بكل هذا التأييد والدعم من الجيش وغالبية المواطنين الليبيين، باستثناء الإخوان وأنصارهم من التيارات الجهادية، فخلال أسبوعين فقط نجح الجنرال السابق فى تأسيس جيش قوامه نحو 100 ألف جندى، بعد أن أيده وانضم إليه العديد من قادة الأسلحة الرئيسية مثل الصاعقة وسلاح الجو وغيرها من القوى التى ظل أفرادها يواجهون الذبح والقتل يومياً على أيدى عصابات مسلحة تهدف إلى بث الذعر ونشر الفوضى فى ربوع ليبيا.
لم ينج الصحفيون ولا أصحاب الرأى من مسلسل الاغتيال والتصفية، ودفع الكاتب مفتاح بوزيد رئيس تحرير صحيفة «برنيق» حياته ثمناً لانتقاده الجماعات المسلحة، فقد شارك منتصف الأسبوع الماضى فى حلقة نقاشية على شاشة قناة «ليبيا الأحرار» متحدثاً عن خطر استمرار وجود هذه الجماعات المسلحة على مستقبل ليبيا، فكان نصيبه وابلا من رصاصات الغدر أطلقها أحدهم على صدره فى صباح اليوم التالى، بالقرب من منزله بمدينة بنغازى.. اغتيال بوزيد كان رسالة بعلم الوصول إلى كل كاتب أو مفكر أو صاحب رأى ليبى يعترض على دولة العنف والإرهاب التى تتبناها تلك الجماعات التى تفرض نفسها على الواقع الليبى.. لكن استشهاد بوزيد وغيره من رجال الجيش والشرطة والقضاة والدبلوماسيين وفر للجنرال حفتر مزيداً من التأييد الشعبى الذى تجلى فى شكل مظاهرات شعبية عارمة جابت شوارع طرابلس وبنغازى والكثير من المدن الليبية خلال الأيام الماضية، كلها تنادى بدعم الجيش الوطنى الذى يقوده حفتر لدحر قوى الظلام والإرهاب وتطهير الأرض الليبية منها بأسرع وقت.
اللافت أن جماعة أنصار الشريعة أخطر الجماعات المسلحة والمدعومة من إخوان ليبيا، أصدرت بياناً نارياً للرد على جيش حفتر، وهددت باللجوء إلى جلب مقاتلين من خارج ليبيا لمواجهته.. هذا البيان الخطير أثبت بالبرهان أن أنصار الشريعة ليست سوى ذراع جديدة لتنظيم القاعدة فى شرق ليبيا الملاصق للحدود المصرية!، ومن ثم فإن خطرها لن يكون مقصورا على تقويض أمن ليبيا وحدها بل إن الخطر الحقيقى لوجود هذا التنظيم هناك سيكون على مصر.
يبدو أن ساعة الحسم مع جماعات نشر الرعب والعنف فى ليبيا اقتربت وأن الأمر ربما يكون أكبر من قدرات الجنرال خليفة حفتر، لأن الولاياتالمتحدة بدأت فى إخلاء منشآتها الدبلوماسية فى ليبيا وحركت أسطولها الموجود فى مياه المتوسط بالقرب من الشواطئ الليبية، استعدادا لقصف مواقع أنصار الشريعة وتوابعها المتهمة بقتل وسحل سفيرها فى ليبيا قبل ثلاثة أعوام.. هذه الجماعات أدركت أن المواجهة قادمة لا محالة فاستعدت بدورها بالاستيلاء على مخازن الأسلحة التى كان القذافى يحتفظ بها طوال عقود حكمه، بل وربما حصلوا على المزيد من مافيا تجارة السلاح أيضاً للمعركة المرتقبة؛ مما يضاعف من صعوبة مهمة حفتر الذى أصبح هدفاً لكل جماعات التطرف والإرهاب المنتشرة على الأرض الليبية. فهل تقوم الولاياتالمتحدة والقوى الإقليمية بدعم حفتر لتوجيه ضربة قاسمة يكون من شأنها تنظيف ليبيا من الإرهابيين؟.